ارشيف من : 2005-2008
بري: أول ما تفعله إذا كنت في حفرة أن توقف الحفر
كتب عماد مرمل
لماذا لم تحدد القيادة السعودية بعد موعداً لرئيس مجلس النواب نبيه بري من أجل زيارة الرياض؟
بدأ السؤال يكبر في بيروت منذ ان أنهى بري جولته العربية من دون ان تحط طائرته في المملكة العربية السعودية، برغم ان الأزمة اللبنانية المتفاقمة كانت تستوجب «الهبوط الاضطراري» في الرياض، وهي المعنية مباشرة بوجهي الأزمة: الإقليمي المرتبط بالتوتر الحاصل مع سوريا، والمحلي المرتبط بالدور السعودي الفاعل في لبنان وخصوصا لجهة ما يملكه من نفوذ على الاكثرية في لبنان، ولا سيما على رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري.
ولأن السعودية تمثل ما تمثل على المستويين الرمزي والسياسي، ولأن بري يمثل ما يمثل على المستويين ذاتهما، فإن ما أشيع عن تأخير متعمد في تحديد موعد لرئيس مجلس النواب فتح الباب أمام أصداء سلبية في بعض الاوساط السياسية والشعبية في لبنان، وهناك من راح يقول إن السعودية التي تقدم نفسها على أساس أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع وتعمل لمنع الفتنة المذهبية، كان الحري بها ألا تُخضع مسألة الموعد لأي تفسيرات او تأويلات، انطلاقا من معرفتها التامة بمكانة الرئيس بري لدى الطائفة الشيعية في لبنان والعالم العربي.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي، انه كان بمستطاع الرياض ان تستقبل بري من دون ان تتخلى عن موقفها السياسي، تماماً كما فعل الرئيس المصري حسني مبارك الذي بدا أكثر حكمة في استقبال رئيس المجلس والاستماع اليه، محتفظاً في الوقت ذاته بمقاربته المختلفة للأزمة اللبنانية.
ولا يخفي بعض الموالين في لبنان حقيقة أن القيادة السعودية أرادت من خلال التباطؤ في إعطاء موعد للرئيس بري، إبلاغ الأخير رسالة واضحة، وإنما بطريقة هادئة ودبلوماسية، فحواها أن المطلوب بإلحاح تنفيذ المبادرة العربية وفق الترتيب المعتمد فيها بدءا من انتخاب رئيس الجمهورية أولا، وهو الموقف الذي تبلغه من المصريين أيضاً حسب المعطيات المتوافرة لدى هؤلاء الموالين، الذين يؤكدون انه في حال لم يُنتخب رئيس الجمهورية في جلسة 22 نيسان الحالي، ستكون «الأكثرية» ملزمة بدرس الخيارات ألأكثر واقعية والأقل ضرراً لانتخاب العماد ميشال سليمان، مشيرة الى ان هذا التاريخ سيشكل حداً فاصلاً بين مرحلتين.
ويرى هؤلاء ان استمرار الرئيس بري في تأجيل الجلسات بات «غير موضوعي»، داعية إياه الى ان يحضر هو وأعضاء كتلته النيابية الجلسة المقررة في 22 الشهر الحالي من أجل إثبات حسن نيته ورغبته الصادقة في ملء الفراغ الرئاسي.
أما بري نفسه، فإن أجواءه تبدو مختلفة. بالنسبة اليه، فإن الرياض لم تتجاوز بعد الهامش الزمني والدبلوماسي المتاح لها قبل تحديد موعد له، وخصوصاً انه هو الذي طلب ان يزور السعودية في ختام جولته العربية وتحديداً بعد محطة قطر. وعليه، ما زال رئيس المجلس يفضل ان يتعاطى مع الموقف حتى الآن بـ«نوايا حسنة»، متجنباً البناء على الاستنتاجات والافتراضات «الخبيثة».
من هنا، تؤكد مصادر بري ان لا مبرر منطقياً، أقله حالياً، لاستشعار ما هو مريب في السلوك السعودي، وبالتالي فإن رئيس المجلس ليس بصدد استخلاص اي مغزى سلبي من التمهل في ترتيب موعد لاستقباله في الرياض، خلافاً لما ذهبت اليه بعض التحليلات، بل انه يفترض ان المملكة تتمهل في ذلك حرصاً منها على توفير كل الشروط والمقومات الضرورية لإنجاح زيارته.
يدرك بري الدور المحوري للسعودية في هذه المرحلة والتأثير الإيجابي الذي يمكن ان تمارسه لمعالجة الأزمة اللبنانية، إذا حصل ما يسميه «التناغم» في الجهد مع باقي أضلاع «المربع العربي» المكون من دمشق الرئيسة الحالية للقمة العربية، والقاهرة صاحبة الوزن الثابت في العالم العربي، وقطر القادرة على نسج الخيوط، إضافة الى الرياض الرئيسة السابقة للقمة.
ويعتبر بري ـ حسب ما يُفهم من مصادره ـ أن المطلوب من السعودية في هذا المجال ليس ممارسة «الضغط» على أصدقائها في لبنان، بل المساهمة في توفير ضمانات للتسوية، تكون قابلة للصرف، وتعوض انعدام الثقة التام بين اللبنانيين.
لم يكن رئيس المجلس قد تأثر حتى يوم أمس بردود الفعل السلبية على مبادرته الحوارية، مع إدراكه للمصاعب التي تواجهها. من وجهة نظره فإن الحوار هو الوحيد الذي يستطيع حالياً أن يملأ «الفراغ» اللبناني الآخذ في الاتساع، مع تعثر المبادرات الانقاذية وآخرها المبادرة العربية، متسلحاً في هذا الصدد بحكمة إنكليزية شهيرة تقول: إذا كنت في حفرة، فإن أول ما عليك فعله هو ان توقف الحفر...
وانطلاقاً من ان الحوار، كما رقصة التانغو، يحتاج الى طرفين، يعتبر رئيس المجلس ـ حسب مصادره ـ أن من واجب الجميع التجاوب مع دعوته الى الحوار، ومن يحجم عن تلبيتها إنما يتحمل مسؤولية كبرى. وترى المصادر ان ما يطرحه بعض «الأكثريين» من ذرائع لتبرير عدم الاستجابة إنما يندرج في إطار الأعذار الواهية والمفتعلة لتبرير الهروب المستمر الى الامام، لافتة الانتباه الى ان فريق الموالاة هو في مأزق، شأنه شأن الآخرين، وبالتالي فإن الحوار المقترح يشكل فرصة امامه وأمام الباقين للخروج من المأزق.
وتؤكد مصادر «عين التينة» انه بمقدور فريق الموالاة اقتراح إضافات على جدول اعمال الحوار، إذا كان لديها ما تضيفه، مشيرة الى أن بإمكانه ان يطرح ما لديه عند بدء الحوار، والرئيس بري منفتح على كل الافكار في هذا المجال...
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، التاريخ: 18 نيسان/ أبريل 2008