ارشيف من : 2005-2008
أولمرت يحمّل سوريا مسؤولية أعمال حزب الله وبن أليعزر يهدّد بتدمير الأمة الإيرانية
كتب حلمي موسى
تدوي في العاشرة من صباح اليوم صافرات الإنذار في جميع أرجاء إسرائيل، في إطار مناورة «نقطة التحول الثانية»، التي بدأت امس الأول وتنتهي بعد غد الخميس بهدف فحص جهوزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية للحرب، وتجرى في ظل توتر إقليمي متزايد، إثر مخاوف من احتمال تحولها إلى عدوان إسرائيلي فعلي، عززها تضارب الرسائل الإسرائيلية بالتهدئة والتهديد الموجهة الى لبنان وسوريا وإيران التي هدد أحد الوزراء الإسرائيليين بتدميرها.
وكشفت صحيفة «معاريف» أمس أن أحد أبرز أسباب التوتر على الجبهة الشمالية، يعود إلى رسالة تهديد إسرائيلية بُعثت إلى القيادة السورية بعد اغتيال الحاج عماد مغنية، أوضحت أن أي عملية ثأر كبيرة على اغتيال مغنية ستستدعي ردا إسرائيليا شديدا، وعلى سوريا أن تتحمل العواقب.
واعتبرت الرسالة سوريا مسؤولة عن أفعال «حزب الله» التي يمكن أن تتم ردا على اغتيال مغنية. وأكد مقربون من رئيس الوزراء إيهود أولمرت أمر التهديد لسوريا، لكنهم اعتبروا أنه ليس جديدا، بل أطلق مباشرة بعد تنفيذ الاغتيال الذي لم تعترف إسرائيل رسميا حتى الآن بمسؤوليتها عنه. وأثار نشر التهديد و»الثرثرة» حوله، وفق «معاريف»، امتعاض المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي ترى أن أحاديث مماثلة تضر بمصالح الدولة العبرية.
وتضاربت المواقف الإسرائيلية الرسمية أمس من التهدئة والتصعيد، حتى من جانب المسؤولين المشاركين في المناورة الكبرى. فقد أطلق وزير الدفاع إيهود باراك رسالة تهدئة، قائلا ان «لا مصلحة لدولة إسرائيل في تصعيد الوضع في المنطقة. فهدف المناورة والمناورات الأخرى هو التعلم واستخلاص العبر وخلق الأهلية. والمؤسسة الأمنية والجيش سيواصلان التدرب والتأهيل في جميع الميادين، بما في ذلك المتعلقة بالجبهة الداخلية».
غير أن وزير البنى التحتية بنيامين بن أليعزر، الذي شارك هو الآخر في مناورة الطوارئ، اختار إطلاق التهديدات الصريحة هذه المرة. وقال إن كل هجوم إيراني على إسرائيل سيقابل برد شديد «يقود إلى تدمير الأمة الإيرانية»، مضيفا أن «الإيرانيين لن يهرعوا لمهاجمتنا لأنهم يفهمون مغزى ذلك، وبالتأكيد يدركون قوتنا. ومع ذلك فإنهم يستفزوننا عبر حلفائهم في سوريا وحزب الله، ويقدمون لهم سلاحا كثيرا، وهو ما ينبغي لنا مواجهته».
واعتبر بن أليعزر المناورة الجارية بأنها «ليست سيناريو خياليا. فالواقع المستقبلي يمكن أن يغدو أسوأ أضعافاً مضاعفة مما نعرف. ونحن نعيش وضعاً تحوّل فيه الداخل إلى جبهة. وفي الحرب المقبلة سيكون أكثر أماناً أن تعيش في نهاريا وشلومي (شمالاً) منه في القدس وتل أبيب، إذ إنني أتوقع أنه في الضربة الابتدائية ستسقط على إسرائيل مئات الصواريخ. لن يغدو مكان في إسرائيل خارج مدى صواريخ سوريا وحزب الله».
ومن المقرر أن يشارك اليوم حوالى ربع سكان إسرائيل في المناورة التي ينخرط فيها التلاميذ والطلاب. وتبدأ التدريبات الميدانية اليوم في المؤسسات التعليمية والسلطات المحلية، على النزول للملاجئ وإنقاذ أعداد من مبان سكنية وعامة مدمرة ومصابين بصواريخ كيميائية في خليج حيفا.
وفي إطار المناورة جرى التدرب أمس في سلطة الطوارئ القومية على حرب من ثلاث جبهات. وبرغم أن الصحف الإسرائيلية حملت عناوين من قبيل «إيران تهاجم بالصواريخ اليوم»، في إشارة للتدرب على سقوط صواريخ إيرانية بعيدة المدى، إلا أن التدريب تم على صواريخ تنطلق من قطاع غزة ومن لبنان ومن الجبهة السورية.
و»سقطت» أمس صواريخ على مناطق مختلفة في إسرائيل، من الحدود الشمالية حتى خط الخضيرة ومن غزة حتى خط أسدود في الجنوب، كانت حصيلة ضحاياها مئة قتيل. وفي أيام المناورة التالية، يتوقع أن تزداد أعداد القتلى بالمعدل نفسه تقريبا.
وتعامل المشاركون في المناورة على أساس أن إسرائيل تتعرض ابتداء من يوم أمس لـ400ـ500 صاروخ يوميا، بينها صواريخ «سكود» سورية تسقط على جميع أرجاء إسرائيل. ولكن في وقت لاحق تبين أن «إيران انضمت للحرب وهاجمت الجبهة الداخلية الإسرائيلية بالكثير من الصواريخ».
واعتبر قادة عسكريون إسرائيليون أنه بعد نشر بطاريات صواريخ «باتريوت» و»حيتس» في أرجاء إسرائيل، فإن الخطر الحقيقي ليس من صواريخ «سكود» و»شهاب» بل من الصواريخ الأقصر مدى كـ»الكاتيوشا» و»غراد». وفي إطار المناورة، عقد أمس اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية، نوقشت خلاله وفي أثناء اجتماعات سلطة الطوارئ، أخطار الصواريخ غير التقليدية، وخصوصا البيولوجية والكيميائية.
واعتبر المراسل العسكري لـ»معاريف» عمير ربابورات أن القادة الإسرائيليين هم الأكثر ثرثرة في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن تصريحات باراك عن أن إسرائيل «هي الدولة الأقوى في المنطقة»، برغم صحتها، «تضاف إلى تهديدات سابقة مرمزة، تفيد بأن إسرائيل ستشن حربا أخرى في لبنان إذا انتقم حزب الله بعملية قاسية لاغتيال عماد مغنية». وذكر أن تسريب أمر التهديد المرسل لسوريا يقع في هذا الإطار، الذي سيبلغ ذروته إذا نشرت تفاصيل الغارة الإسرائيلية على سوريا في أيلول الماضي.
ورأى ربابورات أن الثرثرة التي لا تتوقف يمكن أن تكلف في المستقبل ثمنا باهظا من إسرائيل، بسبب التوتر القائم على الحدود الشمالية منذ زمن، وخصوصا في الأسابيع الأخيرة، «فالأجواء مشبعة بأبخرة الوقود» لأن لسوريا و»حزب الله» حسابا مفتوحا مع إسرائيل.
وخلص إلى أن جميع أجهزة التقدير في إسرائيل تؤمن بأن سوريا غير معنية بالحرب، وأن «حزب الله» يريد الثأر لاغتيال مغنية من دون التسبب بـ»حرب لبنان الثالثة». لكنه يرى أن «للتصعيد ديناميته الخاصة، الأمر الذي قد يقود إلى حرب في الجبهة الشمالية، برغم أن أحدا لا يريدها».
وحذر خبير الأمن القومي الإسرائيلي الدكتور شموئيل غوردون، في مقالة كتبها في «يديعوت أحرونوت»، المسؤولين الإسرائيليين من إطلاق التهديدات ضد سوريا، التي اعتبر أنها تظهر ثقة بالنفس مبالغاً فيها، ولكنها لا تعبر عن واقع الحال. وأشار إلى أن إسرائيل فعلا أقوى من سوريا ويمكنها أن تلحق بها أذى شديدا في حال صدام عسكري كحرب تشرين .1973 ولكنه كتب أن هذا ليس الميزان الذي يؤخذ به في قياس المصلحة الإسرائيلية.
وأشار إلى أن الميزان الأهم في الصراع هو المتصل بالضرر المتبادل على السكان المدنيين. وكتب أن سوريا «تملك وتنتج كميات وفيرة من الصواريخ التي يمكنها أن تلحق ضررا بإسرائيل، أضعاف ما سببه «حزب الله» في الحرب الأخيرة. وهم يعرفون قدرات إسرائيل التدميرية ولكن اعتبارات عديدة تمنح سوريا تفوقا كبيرا على إسرائيل في هذا الميدان». ولذلك يرى أنه «إذا كانت هذه فرضية العمل فإنه ليست هناك مصلحة لإسرائيل في مهاجمة سوريا أو حزب الله، وأيضا هناك مصلحة واضحة موضوعية عليا في الامتناع عن العمل، الاستفزاز، أو الخطأ، الذي يمكن أن يقود إلى اشتعال الجبهة في الشمال».
في طهران، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني «إن ما يقوم به الكيان الصهيوني حاليا يدخل في إطار محاولاته لإزالة حالة الإحباط لدى جنوده ومسؤوليه الأمنيين والعسكريين»، مضيفا «أن الطبيعة العدوانية المصحوبة بالتهديد والاغتيال والاحتلال والترهيب لهذا الكيان واضحة للعيان، حتى ان دول المنطقة أخذت تهتم بهذا الأمر». واعتبر أن المناورات الإسرائيلية «من الممارسات الاستفزازية لهذا الكيان في ظل الظروف الحالية للمنطقة»، مشيرا الى أن «هذه الممارسات تعتبر أمرا طبيعيا تماما، يأتي بعد زيارة مسؤولين أميركيين الى المنطقة».
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 8/4/2008