ارشيف من : 2005-2008

إسلاميّون يعتبرون أنفسهم وارثاً شرعيّاً للحريريّة (2)

إسلاميّون يعتبرون أنفسهم وارثاً شرعيّاً للحريريّة (2)

كتب إبراهيم الأمين
يصل صحافي أجنبي إلى بيروت باحثاً في حالة الحريرية ما بعد اغتيال رمزها. يسمع كلاماً كثيراً بعدما قرأ الكثير. وطلب، على غير عادة، أن يقابل كل خصوم النائب سعد الحريري من السنّة. وسرعان ما وجد أمامه لائحة ضمت أكثر من 25 اسماً لشخصيات سياسية واقتصادية، دقَّق فيها ليجد أن غالبية هؤلاء تولَّوا مناصب متعددة في وقت سابق، وأن معظمهم له حيثيته الفعلية السابقة لدى النفوذ السوري. فكان عليه السؤال: إذا كان سعد الحريري خصماً لكل قادة السنّة في لبنان، فلماذا هو الأقوى بينهم في الشارع؟
لم يكن المتطوعون للإجابة في وضع مربك وهم يتحدثون عن الناحية العاطفية التي قامت بين السنّة بعد اغتيال الحريري الأب، وتحدثوا عن الدعم المالي المفتوح لآل الحريري من السعودية وغيرها، وعن إمكانات مؤسسات الدولة المسخّرة لتيار المستقبل، وبعضهم أشار إلى أخطاء المرحلة الماضية، وثمة من تحدّث عن تركيبة لقيادة المعارضة تستفز السنّة، وأن سوريا راكمت خلال فترة إشرافها على الملف اللبناني الكثير من عناصر الضعف تجاه هذه الفئة. ولم ينس آخرون الإشارة إلى ما يحدث في المحيط، وفي العراق خصوصاً، وأن تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة يثير حفيظة السنّة العرب، ومنهم من هو في لبنان.
لكن هل هذا يكفي؟
منذ رحيل الحريري الأب، وكلمة السر المنتشرة بقوة بين أوساط السنة، هي تلك التي تتحدث عن عصبية مشتركة، وعن إطار يتحمل الجميع: حريريون من المتعلمين الذين شكلوا الجسم الوظيفي في مؤسسات الحريري المباشرة أو أولئك الذين أدخلهم إلى مؤسسات الدولة، أو الذين تنامَوا في مؤسسات فردية أو صغيرة على حواشي حركته العامة. قوميون عرب ويساريون من الذين كانوا ولا يزالون في «الإطار الفلسطيني» الذي خلقه الراحل ياسر عرفات. وهم الذين يرون أن سوريا مسؤولة عمّا أصاب حركة القوميين العرب، وأن الإدارة السورية هي التي أجهزت على مواقع نفوذهم خلال العقدين الأخيرين. ويستمر تبلور هذا الإطار حتى حدود اعتبار حركة المقاومة التي يقودها حزب الله في لبنان وحماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين مجرد أدوات لخدمة المشروع الفارسي. وإذا قرر أحدهم أن يكون أكثر وقاحة يقول: لا نريد تحرير فلسطين على أيدي هؤلاء.
بعض من هو محسوب اليوم على قوى المعارضة، كان في لحظة سابقة ينتظر إشارة أو دعوة تأخرت من جانب الزعامة الحريرية. وحتى اللحظة، لو أن الحريري يبادر إلى التحرش بعدد من الذين ينتشرون الآن على الشاشات معارضين، لكن بإمكانه اجتذاب قسم غير قليل منهم. لكن المفاجأة أن الحريري غير منزعج، لأنه لا يحتاج إلى هؤلاء في صفوفه، بل قد تكمن المفاجأة في أن القواعد الاجتماعية المشكّلة الآن لتيار المستقبل تشبه تماماً القوى الصاعدة في الطوائف الأخرى، وخصوصاً عند الشيعة والمسيحيين، وهي القواعد التي ترى في الحريرية خلاصاً من إرث سياسي له سماته الإقطاعية والتقليدية كان على الدوام خصمها الاجتماعي وحتى السياسي في ما مر قبل ظهور الحريري الأب. إلا أن المفارقة التي ترافق هذه القواعد هي في أنها فضّلت العصبية السياسية ذات الخلفية الطائفية الآن على أي مراجعة للعناصر الأساسية المشكّلة لمشروع الحريري الاقتصادي. وما يجعل المشهد محيّراً، عندما ترى أبناء الأقضية الفقيرة في أطراف لبنان يدافعون عن باريس 1 و2 و3 بدون أن يعرفوا مقاصدها وموجباتها، وتراهم يتحدثون عن الضرر الذي ألحقه اعتصام المعارضة بالحركة الاقتصادية لتعطيله بضعة مطاعم ومقاه وسط بيروت لم يحصل يوماً أن استطاع هؤلاء الفقراء ارتيادها... والتوتر الكامن في حركة أيدي هؤلاء، والعنف اللفظي المسيطر على خطبهم ومقالاتهم، يمثِّلان الخلفية التي تجعلهم يقولون صراحة، من دون مجاملة ولا رادع، إنهم يشعرون اليوم بأن سمير جعجع أقرب إليهم من عمر كرامي.
في هذه البيئة بدت المواجهة غير متكافئة. يظهر الإسلاميون في موقع الحليف الاجتماعي والديني بمعناه المذهبي مع تيار المستقبل، ويصعب على أيٍّ من الإسلاميين الناشطين الآن، سواء من خلال الجماعة الإسلامية أو المتحلقين حول دار الإفتاء أو المجموعات السلفية الأخرى، أن يقول كلمة نقدية واحدة لتيار الحريري أو لرمزه الحالي، كما يمتنع هؤلاء عن توجيه أي نقد بمفعول رجعي إلى الحريري الأب. وهم يعرضون أسباباً كثيرة تجعلهم في العملية السياسية اللبنانية أقرب إلى فريق 14 آذار، ويرون أنهم أبعدوا عنوة عن مشروع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأنهم تعرّضوا للاضطهاد والسجن بسبب عقائديتهم، قبل أن يتحدثوا بفرح عن الحالة الحريرية لاعتقادهم القوي بأنها ليست متجذرة في الأرض، وأنها عائمة على نهوض سنّي هو الأول من نوعه في لبنان، وهم يجدونها مكاناً مناسباً للعمل الخفي، حيث يمكنهم القدوم من عكار لحرق السفارة الدنماركية في الأشرفية، والعودة في وقت لاحق إلى السرايا الكبيرة تضامناً مع الرئيس السنّي المحاصر... ولن يكون غريباً أن يعود «غزاة الأشرفية» إلى المكان نفسه في وقت قريب تضامناً مع عشرين نادياً ليلياً أُقفلت، على ما يقول أصحابها، بسبب الوضع الصعب الناتج من موقف المعارضة.
وهؤلاء يبررون صورة التحاقهم العام بالإطار الحريري على أساس أنه لا يضر بموقفهم الأصلي، لأن البعد الخارجي للصراع يحاكي أولويات عندهم، مثل الاختلاف مع النظام في سوريا أو رفض النفوذ الإيراني، وهم يصلون إلى حد الكلام بحذر على انتصارات المقاومة في لبنان وحتى في فلسطين. لكن هؤلاء يستفيدون بقوة من التعبئة التي تقوم على بعد مذهبي، ما يعطي رجال الدين بينهم دوراً افتقدوه لعقود خلت، إما بسبب ما يسمّونه هم «ركون السلطة الدينية للسلطة السياسية»، وإمّا بسبب القمع الذي تعرّضوا له، أو بسبب فشل تجارب حركات إسلامية سنّية في احتلال موقع مقرر في الحياة العامة. ومن دون عناء أو تكلف، يتصرف الإسلاميون على أساس أنهم الوارث الشرعي والوحيد لتيار الحريري بين سنّة لبنان، وهم يعملون لملء أي فراغ ينشأ بفعل صفقات أو تسويات أو لأسباب من نوع قاهر، الأمر الذي يبدو أن فريق المعارضة يتجاهله أو لا يقيم له وزناً في مقاربته قضية «الضعف السنّي» في حركتها.
غداً: هل يتفاهم حزب الله مع الجماعة؟
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية، 4 نيسان 2008

2008-04-04