ارشيف من : 2005-2008

وقائع من الحملة السعوديّة ـ المصريّة لإفشال القمّة

وقائع من الحملة السعوديّة ـ المصريّة لإفشال القمّة

قبل أسبوع من القمة. وكان الهجوم الإعلامي والدبلوماسي الذي شنّته الولايات المتحدة وجماعتها في مصر والسعودية والأردن ولبنان، قد رسم سلفاً نتيجة حاسمة تقول بعجز سوريا عن توفير حضور معقول، أو القدرة على التهرّب من ملف لبنان. وبدل التوقف عند المعطيات الواقعية وعند حدود الممكن وحدود المستحيل، جزم هذا الفريق بفشل كامل للقمة، بل أعدّ سيناريو مواجهة مع سوريا ومن خلفها إيران ومن أمامها قوى المعارضة والمقاومة في لبنان وفلسطين، على قاعدة أن هذا الفريق سوف يصل إلى القمة فاقداً صوابه، ويطلق المواقف التي من شأنها توفير ما يحتاج إليه المعسكر الأميركي وملحقاته من ذرائع إضافية في عملية تعبئة الرأي العام. ولأن فريق أميركا يعمل دائماً على أساس الأفكار الافتراضية، وضع نفسه في جوّ سلسلة من الإنجازات الوهمية، وكان ذلك كافياً ليخرج عمار الحوري أو وليد جنبلاط، لم يعد هناك فرق، أو أي واحد آخر ليقول ما يقوله عن القمة الفاشلة!‏

منذ مدة غير وجيزة، حاول عرب أميركا تطيير القمة، أو تأجيلها على الأقل. فعل ذلك المصريون والسعوديون دون توقف. خرج الرئيس حسني مبارك في رحلة عاجلة إلى عدد من العواصم العربية داعياً علناً إلى مقاطعة القمة. قال لأحد ملوك الخليج إنه حاول مع الرئيس السوري بشار الأسد تأجيل القمة أسابيع على أمل إيجاد حل للأزمة اللبنانية. يومها تولّى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى نقل الرسالة. كان الأسد في غاية الصراحة مع وزير الخارجية المصري السابق الذي أطاحه مبارك على طريقة السوفيات: الإبعاد بالترفيع. قال الأسد لموسى: «إن مبارك يتجنّب زيارة سوريا. وهو يتخذ موقفاً لا يعبّر عن موقع مصر في العالم العربي. وبدل أن يقنع السعوديين بأن الأمور تحتاج إلى معالجة مختلفة، تراه يتبنّى موقفهم بطريقة تجعل من الصعب الموافقة على اقتراحه تأجيل القمة. وأنا مصرّ على عقدها في موعدها وفي مكانها، ولو حصلت على مستوى السفراء».‏

لا يتحدث الراوي عن ردة فعل موسى. لكن الأكيد أن الأسد حمّله رسالة بدت قاسية، وقال له: «قل له ما أقوله لك، وعن لساني، ولا تُصَب بالحرج». غير أن الأسد كان قد تلقّى توضيحات من مسؤولين عرب آخرين. جاءه من الخليج من روى له تفاصيل الجهود التي بذلها مبارك، وتلك التي تولّاها رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن. ولم يكن بعيداً عن رسائل الجانب الأميركي إلى الجميع. حتى إن الملك الأردني عبد الله الثاني أوفد أكثر من رسول يشرح موقفه، قبل أن يتولّى هو شخصياً الاعتذار للأسد عن أنه لن يقدر على الحضور. لكن الذي نقضه ملك الأردن هو ما يتصل بمستوى ممثّله إلى القمة. لأنه في المرة الأولى تحدث عن وفد رفيع وكبير، ثم عاد وتعرّض لضغط غير عادي في الأيام الأخيرة قبل أن يرسل أحد أبرز مساعديه طالباً تفهّم وضعه وإبلاغ دمشق قراره سحب وزير الخارجية من دمشق وتكليف آخر من مستوى أدنى رئاسة الوفد خلال اجتماع القمة، علماً بأن التعليمات التي أعطيت إلى رئيس الوفد كانت حاسمة بعدم الدخول في أي نوع من السجالات، إلى درجة دفعت بأحد دبلوماسيي المغرب العربي إلى القول: كأن الأردن لم يكن حاضراً!‏

في هذه الأثناء، كان هناك من يواجه الضغوط بطريقة مختلفة. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس كان يعيش هاجس تحويل إعلان صنعاء إلى ورقة أساسية في المقررات. وجد فيها اعترافاً بحركة حماس من جهة، وتبديداً لكل الجهود التي بذلها مع آخرين لعزل حماس بعد حوادث غزة الشهيرة. ويروي مستشاره نبيل أبو ردينة أن عباس تعرّض لضغوط شديدة، ويقول: «لم يبق أحد من الكبار في العالم العربي والدولي إلا اتصل وبعث بالموفدين والرسائل ومارس الضغوط، حتى إن قادة من داخل فريقنا نصحوا الرئيس عباس بعدم التوجه إلى دمشق، لكنه رفض، وقال للجميع إن فلسطين لا يمكن أن تغيب عن قمة عربية، وإنه شخصياً يقيم علاقة خاصة بسوريا، وقد هاجر إليها مع أهله من صفد عام 1948، وله فيها الكثير، ولن يقبل بالتغيّب». أكثر من ذلك، فإن سوريا فوجئت بموقف الرئيس اليمني، وقد رغبت في حضوره لأسباب كثيرة، بينها وجوده كرئيس، ومن جهة أخرى مناقشته في إعلان صنعاء ومتابعة الجهود للمصالحة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عما يتصل بإمكان أن يؤدّي دوراً في تعزيز العلاقات العربية ـ العربية. ومع ذلك، فإن دمشق لم تأخذ اعتذار الرئيس اليمني عن عدم الحضور على محمل الاستفزاز الذي يدفعها إلى خطوة أشد قساوة. ولمّا وصلت الرسائل عن الضغوط التي تمارس بقوة على الجميع، واستمرت حتى صباح اليوم الذي انعقدت فيه القمة، ظلّت دمشق غير راغبة في حصول الانفجار.‏

مرة جديدة لم يُحبَط السعوديون من المحاولة. راهنوا بصراحة على كلام مرتفع ومستفز من النوع الذي يتيح لهم تفجير الموقف. وأعدّ وزير الخارجية سعود الفيصل أكثر من مشروع لبيان في مؤتمر صحافي أراده في الوقت نفسه الذي تفتتح فيه أعمال القمة، وكان بين الحضور من ينتظر انفجاراً آخر. وقال دبلوماسي عربي: عندما أكد لنا السوريون أن خطاب الأسد سوف يكون هادئاً، صارت الأنظار متجهة إلى الزعيم الليبي معمر القذافي، والكل يده على قلبه»، بينما كان كثيرون من معارضي عرب أميركا يتمنّون لو أن القذافي يفجر القمة تماماً. لكن دمشق سارعت إلى احتواء الموقف، وأرسل الرئيس السوري إلى القذافي من يتمنّى عليه عدم تفجير الوضع بصورة كاملة. ولم يكن هناك أفضل من الوزير وليد المعلم ليقول كلاماً هادئاً دفع بالقذافي إلى القول: «إذا كانت هناك مصلحة في ألا أتكلم، فأنا مستعد». لكن المعلم صارحه: «خطابك منتظر ومطلوب، ولكن هناك من يراهن على أشياء يريدها ذريعة للقيام بما يبرّر خطواته الخطأ».‏

مرّت القمة على خير. لكن الكلام الكثير قيل في الرواق الذي كان أعضاء الوفود يلجأون إليه طلباً لقهوة أو ماء، وبحثاً عن متنفّس لقول الكلام الذي لا تتحمّله القاعة الكبرى!‏

المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبنانية‏

2008-04-02