ارشيف من : 2005-2008
لبنان يحتاج حضورهم وليس مقاطعة قمة دمشق!
كتب طلال سلمان
في الأصل، تمّ اعتماد القمة العربية كمؤسسة لها موعد انعقاد ثابت سنوياً، من أجل ترسيخ قواعد العمل العربي المشترك، سياسياً بالأساس، حرصاً على التضامن ولو بحده الأدنى، ومنعاً للتفرد بذريعة الضعف الذاتي أو الانبهار بإغراءات الافتراق أو الخضوع لضغوط تتجاوز القدرة على تحمّل هذه الدولة أو تلك إذا ما استفردت.
ولقد ارتضى المواطن العربي أن يتعامل مع هذه الصيغة التي لا تلبي طموحه ـ سقى الله أيام زمان! ـ إلى وحدة الهدف أو وحدة الموقف، مفترضاً أن تلاقي القادة حدث مهم ومفيد بحد ذاته، حتى لو انتهى الأمر إلى «السير بخطى أضعفهم»... فذلك أفضل بما لا يقاس من الفرقة والتشتت وافتقاد القرار أو توزع الدول العربية في معسكرات متقاطعة أو متخاصمة، تجعلها بمجموعها أضعف، وتضيف إلى قوة «أعدائها» (المفترضين؟!) ما يخسره العرب من أسباب قوتهم. يصير الإسرائيلي أقوى منهم مجتمعين، فما بالك بالأميركي والإسرائيلي ضمنه ومعه باستمرار.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق، التي «يحتفل» العرب الآن بالذكرى الخامسة لوقوعه، تواضعت أهداف القمم العربية، التي أنشأتها أو فرضتها بالأصل الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فانحدرت إلى مستوى «مبادرة السلام العربية» التي وصلت نسختها الأولى إلى قمة بيروت (العام 2002) فتمت ترجمتها وتنقيحها واستدراك «ما سقط سهواً» منها، وهو «حق العودة» بالنسبة لفلسطينيي الشتات، ثم أعيدت صياغتها في قمة الرياض بما يتناسب مع المطالب الأميركية... لكن كل تلك التنازلات لم تكن كافية، وهكذا فرض على العرب أن يتناسوها وأن يذهبوا إلى اللقاء الذي فرضته الإدارة الأميركية في أنابوليس، حيث ابتدع الرئيس الأميركي جورج بوش شعار «إسرائيل دولة اليهود» فلم يعترض العرب عموماً، ولم يرفض الوفد الفلسطيني هذا التفريط النهائي بأرضه التاريخية، بل هو اكتفى بوعد بأن تكون فلسطين أرضاً لدولتين إحداهما (دولته العتيدة) مجردة من السلاح، وخاضعة لهيمنة «دولة اليهود» التي ليست لها حدود معروفة!
وبرغم الاعتراضات الجدية في الشارع العربي على قمم التنازلات فقد ظل المنطق السائد: هذا الواقع البائس أقل إضراراً بالحاضر والمستقبل من التفرد، الذي سيعيد العرب شعوباً وقبائل وعشائر متناحرة، يزايد بعضها على بعض في التخلي والتنازل والتنصل من أي موقف جامع، بما يذهب بما تبقى من فلسطين أساساً ومن العراق الذي جعله الاحتلال الأميركي حقل تجارب لاستيلاد أنماط جديدة من الفتن الطائفية والمذهبية تتجاوز بمخاطرها على المستقبل الحرب الأهلية، لأنها تدمر وحدة الشعب فضلاً عن كيانه السياسي.
... ثم أضيفت مسألة لبنان إلى سلة الخلافات العربية المتفجرة، فتمحور الصراع من حوله، لا سيما بعد فشل الحرب الإسرائيلية عليه نتيجة صمود شعبه من خلف مقاومته المجاهدة التي خاضت قتالاً مجيداً وغير مسبوق، فضح ادعاءات العجز العربي عن مواجهة الجيش الذي لا يقهر، وقدمت قدوة صالحة لمن يريد أن يحرر أرضه المحتلة وأساساً لمن يريد أن يحرر إرادته ويقرر مصيره بما يناسب حقه في غده الأفضل، وليس بما يتلاءم مع مشروع الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية على هذه المنطقة ومقدراتها الهائلة.
(ملاحظة على الهامش: لو أن القمة العربية، أية قمة، تعكس تلاقي القيادات حول «قضايا الأمة» لكان بوسعها اعتماد خطاب السيد حسن نصر الله، يوم أمس الأول، كوثيقة أساسية تسترشد بها في سعيها لإنجاز ما تطلبه شعوبها، سواء تجرأت فخرجت إلى الشوارع حاملة راياتها، أم منعها القمع فخفتت أصواتها من دون أن تغيّر موقفها.
(لقد تحدث الأمين العام لـ«حزب الله» بمسؤولية القائد، فحدد الأهداف النضالية التي يمكن تحقيقها بالإمكانات المتاحة، مستدلاً بالتجربة اللبنانية الباهرة، والتي من شروطها حماية الوحدة الوطنية وتوطيدها، ولو بشيء من التنازلات للشركاء في الوطن لإفشال محاولات الفتنة التي تتخذ من مسألة السلطة سبباً لتفجير الدولة، وفي ذلك أعظم مكسب للعدو..).
[ [ [
قد يكون صعباً، بل مهيناً الاعتراف بالأمر الواقع وهو أن القرار في القمم العربية لم يكن، في الغالب الأعم، عربياً خالصاً، بل إنه لم يكن يميل لمصلحة العرب. فلقد صارت الإدارة الأميركية طرفاً مقرراً في القمم العربية لها حق الرأي في العاصمة التي تعقد فيها، وفي جدول الأعمال المعدّ، وفي مسودة القرارات التي يفترض صدورها عنها، وفي الإعلان النهائي الذي يصدر باسم العاصمة... ولكن بإذنها!
الأخطر أن لها حق الرأي في من يحضر ومن لا يحضر القمم التي تستشعر منها احتمال الخروج على ما هو مقرر من سياسات تناسبها..
وبالنسبة لقمة دمشق، على سبيل المثال، فإن «المقاطعة» بذريعة لبنان، وخلو سدة الرئاسة فيه، واستمرار الخلاف السياسي الذي يحول دون مصالحة وطنية شاملة، هي ذريعة مردودة على القائلين بها.
ذلك أن اللبنانيين كانوا يأملون أن تكون القمة فرصة ذهبية لمناقشة المسألة اللبنانية بكل أبعادها، الداخلية منها أو ما يتصل بالعلاقات مع سوريا، أو بالموقف من المسألة الفلسطينية، والوجود الفلسطيني في لبنان تحديداً، فضلاً عن ذلك «الموضوع الهامشي» المتصل بالحرب الإسرائيلية على لبنان بنتائجها الخطيرة، حقاً، والمختلفة عما كان متوقعاً مما طرح كثيراً من الأسئلة والتساؤلات التي كانت سحبت من التداول لتخلي مكانها لعروض «السلام العربي» المرفوض إسرائيلياً، برغم كل «إغراءاته» المهينة للعرب..
أما أن تتذرع بعض الدول العربية بالخلاف حول الحل في لبنان للغياب أو مقاطعة القمة، من حيث هي المكان الصالح والمؤهل والطبيعي، للمناقشة الصريحة وعلى أعلى مستوى، أملاً بالوصول إلى حل أو مدخل إلى الحل أو التسوية المطلوبة، فهذا ما لا يمكن تقبله والتسليم بأنه المسلك السوي والمعبّر عن التعاطف مع الشعب اللبناني والحرص على ابتداع الحل الذي يخرجه من مأزقه الخطير القابل لأن يتحول إلى كارثة عربية مدمرة... خصوصاً أن ثمة من يسعى إلى ربطه بالفتنة في العراق، وبالصراع السياسي القابل للتحول إلى ما يشبه الحرب الأهلية في فلسطين تحت الاحتلال.
إن الهرب من مواجهة هذه الأزمات الخطيرة ليس دليلاً على أهلية القيادات المتغيبة عن القمة على تحمّل مسؤولياتها القومية، بل حتى الوطنية.. خصوصاً أن نار الفتنة لن تقف، إذا ما استعرت، عند حدود الدول والكيانات القائمة، سواء أكانت مذهبة، أم مبتلاة بالفقر والعوز وافتقاد أسباب الحياة.
ولن يشتري اللبنانيون أوهاماً، كأن تدعي بعض الدول أنها قاطعت القمة أو حضرت شكلاً وغابت فعلاً، بذريعة التضامن مع لبنان.
إن لبنان بحاجة إلى حل، وليس إلى أزمة جديدة، تتخذ منه العنوان، بينما جوهر الخلاف يتصل بواشنطن أكثر من اتصاله ببيروت أو حتى بدمشق..
وما زال اللبنانيون يأملون أن يراجع بعض القادة العرب، لا سيما في الرياض والقاهرة، مواقفهم، فيشاركوا ولو من أجل تحميل دمشق مسؤوليتها، إذا كانوا يعتبرونها مسؤولة عن هذه الأزمة اللبنانية التي تكاد تكون نقطة تقاطع بين مصالح الدول جميعاً، وإن ظل للإدارة الأميركية الموقع المتقدم في تعقيدها وفي فرضها على جدول أعمال القمة... ربما لاستبعاد أن يركز العرب على مواجعهم الأصلية في العراق تحت الاحتلال الأميركي، حيث أبادت قواته أكثر من مليون عراقي وشردت أكثر من أربعة ملايين، غير المهجرين داخل وطنهم الذي يكاد يتحول إلى مقبرة جماعية تحيط بها مجاميع من المهجرين فاقدي الأمل بدولتهم وبغدهم فيها.
... وبالتأكيد فإن حضور القمة العربية أكرم من الاندفاع المحموم إلى قمة «إسرائيل دولة اليهود» في أنابوليس!
استدراك أخير: كنت أتمنى أن نكتب بلغة تعكس فرحتنا بعيد «السفير».. فاليوم تبدأ هذه الصحيفة التي تعتز بشعارها، «جريدة لبنان في الوطن العربي، جريدة الوطن العربي في لبنان»، سنتها الخامسة والثلاثين.
لكنه الواقع الذي نطمح إلى تغييره. فعسانا ننجح!
وكل عام وأنتم بخير..
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 26 آذار/ مارس 2008