ارشيف من : 2005-2008

هكذا حوّل سعد الحريري تيّار "المستقبل" إلى ميليشيا مسلّحة للقتل؟

هكذا حوّل سعد الحريري تيّار "المستقبل" إلى ميليشيا مسلّحة للقتل؟

عندما أسّس رفيق الحريري تيّاره السياسي بعنوان "المستقبل" إبّان تولّيه رئاسة الحكومة في منتصف تسعينيات القرن العشرين، لم يكن يدري بأنّ نجله سعد الدين سيحوّله إلى ميليشيا مسلّحة لتخريب لبنان، وتدمير ما أفنى عمره في بنائه من خزينة الدولة اللبنانية، ومن مال الشعب.
وعندما أطلق الحريري الأب مشروعه السياسي تحت شعار الاعتدال، لم يكن يتوقّع أن يعمل وريثه في العمل السياسي على حرفه عن مساره الصحيح، وتحويله إلى أداة للفتنة والطائفية، فالأوّل درّس وعمّر، والثاني دَرَسَ وهرس ودمّر، والفارق بين الاثنين كبير وشاسع، ولا مجال للمقارنة، كما أنّ الحريري الأب، قدّم روحه فداء لبنان، بينما يجهد الحريري الابن لقتل لبنان لقاء أن يبقى هو وأعوانه على قيد الحياة، وذلك وفق الخطّة الأميركية الإسرائيلية المتفق عليها مع بعض الأنظمة العربية التي نسيت فلسطين، وهي تسير على المنوال نفسه لتسليم لبنان وسحقه لكي تظلّ أنظمتها تتنفّس الصعداء.
وبدلاً من أن يسعى سعد الدين الحريري إلى التفتيش عن القتلة الحقيقيين لوالده، الذين كانوا يرمون من وراء جريمتهم، إلى إحداث فتنة كبيرة بين اللبنانيين، وإغراقهم في أتون حرب مذهبية رسمت أفكار خطّتها في أوكار البيت الأبيض والاستخبارات الأجنبية، أخذ يقدّم الدعم المادي لمن ينفّذ هذا الأمر ويحوّله إلى حقيقة ساطعة، ويجنّد ضعاف النفوس لحماية هذا المشروع، من دون أن ينتبه إلى أنّه بهذا الفعل يشارك في إبعاد المجرمين الفعليين عن المحاكمة، وبالتالي التعمية والتغطية عليهم لكي يبقوا بمنأى عن الملاحقة، وهذا بحدّ ذاته، عمل غير مشرّف، ومشاركة إضافية في الجريمة المروّعة.
ومنذ الإتيان بسعد الدين الحريري من الغرف المكيّفة في المملكة العربية السعودية حيث كان يعيش بعيداً عن لبنان وأهله، حتّى صار يحمل جنسيتها ويجيد لكنتها بامتياز واضح فاق السعوديين أنفسهم، وهو لا يكفّ عن التخلّي عن المبادئ الوطنية، ويهملها ويغيّر في فلسفتها ومفاهيمها، ويشتري ذمم المواطنين الفقراء من أبناء طرابلس وعكار وبيروت والبقاع الغربي، ويضعهم في المراكز والمؤسّسات التعليمية والثقافية والتنموية التي ورثها عن والده، ويسلّحهم ويؤمّن تدريبهم داخل لبنان وخارجه، وينفخ فيهم ويشحنهم ويؤلّبهم على إخوانهم في الدين والوطن من مختلف الطوائف والمذاهب، مستغلاً سيطرته على السلطة بدم والده، وخضوع معظم القوى الأمنية الرسمية لهيمنته مباشرة أو عبر وزرائه، حتّى بات هؤلاء المواطنون عناصر خارجة على القانون ترتكب وتقتل وتهدر دم مواطنين آخرين، ولا تتمّ محاكمتها، مستفيدة من الغطاء السياسي الذي أمّنه لها سعد الدين الحريري ومعاونوه الكثر.
شركات أمنية وهمية
ولئلا يفتضح أمر الحريري الابن، طلب من وزير داخليته الأصيل العميد المتقاعد حسن السبع، والوكيل أحمد فتفت، بالترخيص لمئات شركات الأمن تحت ستار توظيف الشبّان العاملين فيها لحماية مؤسّسات وشركات تحتاج إلى مثل هذه الحماية الأمنية في ظلّ الانفلات الأمني والوضع السياسي غير المستقرّ في لبنان. ولم تكن هذه الشركات سوى غطاء لتشكيل ميليشيات تقاتل بالنيابة عن الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، وتكون دعامة أساسية لهم لتهديد اللبنانيين بهم عند أيّ خلاف سياسي، وكان لسان حالهم يقول: إمّا أن تقبل بسيطرتنا على السلطة، وإمّا أن نفجّر الوضع ونعيد اللبنانيين إلى الحرب التي ذاقوا مراراتها ومآسيها.
ولم تفلح محاولات سعد الدين الحثيثة في إنكار قيام أنصاره بالتسلّح والتدريب تهيئة للتخريب، إذ دلّت التقارير الأجنبية والمحلّية الرسمية وما عثر عليه من وثائق ومستندات داخل مراكز "المستقبل" في بيروت المقاومة، على أنّهم كانوا يخضعون لدورات تدريب على مختلف أنواع السلاح الفردي والخفيف والمتوسط والثقيل في منطقة الشمال، وفي الأردن ومصر على أيدي مدرّبين اختصاصيين أحضروا لهم من غير جهة أجنبية، ومن غير جهاز عسكري وأمني لبناني رسمي وعربي وغربي.
ونقلت الصحف الأجنبية معلومات مستفيضة وموثّقة عن حالات تسلّح ميليشيا "المستقبل". فعلى سبيل المثال، ذكرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أنّ الحريري أسّس شركة أمنية اسمها "سيكيور بلوس" وجنّد لها ثلاثة آلاف شخص، وأعطى زمام إدارتها إلى عسكريين متقاعدين في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لتدريبهم ومساعدتهم على تلقّي مختلف فنون القتال بغية تحضيرهم لقتال المقاومة وحزب الله، وهو ما يصبّ في مصلحة العدوّ الإسرائيلي ويريحه ويساعده على استباحة لبنان في أيّة لحظة، وينزع عنه الروح الجهاد والنضال.
ونقلت الصحيفة نفسها عن ضابط في قوى الأمن الداخلي بأنّه تلقى ستين مليون دولار أميركي من الولايات المتحدة الأميركية لتدريب عناصر ميليشيا "المستقبل" المتستّرين تحت اسم وهمي لشركة أمنية.
أما عن طريقة وصول السلاح إلى ميليشيا الحريري وجنبلاط وجعجع، فأمر في غاية السهولة، في ظلّ استباحة المطار والمرفأ اللذين شهدا خلال الشهور الماضية تدفّقاً غريباً للطائرات والبواخر الأميركية المحمّلة بشحنات وطرود مختلفة من الأسلحة، حتّى بات الجميع يخشى من تحويل المطار إلى قاعدة عسكرية للأميركيين لضرب المقاومة.
حقائق ملموسة
وهناك حقائق أخرى ملموسة، تدحض مزاعم سعد الدين الحريري بأنّ تيّاره ليس ميليشيا ولا يحمل سلاحاً، وقد عايشها اللبنانيون عن كثب، وقضّت مضاجعهم وزرعت الرعب والخوف في صفوفهم، ولا بأس من استعادتها لكي تكون حجّة عليه، وأبرزها التالي:
أوّلاً: لقد ظهر عناصر ميليشيا "المستقبل" وأعوانهم في ميليشيا "التقدمي الاشتراكي" بلباسهم القتالي وبأسلحتهم المتنوّعة في الكمين الذي نصبوه غدراً لطلاّب جامعة بيروت العربية يوم الخميس الواقع فيه 25 كانون الثاني/ يناير من العام 2007، حيث أطلقوا الرصاص الحيّ عليهم، وتوزّعوا على غير طريق وشارع لمنع الجيش اللبناني من الوصول إليهم لإنقاذهم، ولم ينج عناصر الجيش من هذا الرصاص الذي أصاب بعضهم، وقتل مواطنين آمنين هم: محمود خليل شومان، وحسن محمود مرتضى، وعدنان إبراهيم شمص، ومحمد نجاح غازي، وقبلهم شهيد المعارضة أحمد محمود.
ولم ينس اللبنانيون ما نقلته لهم شاشات التلفزيون من مشاهد الخوف الذي قام به مسلّحو الحريري وجنبلاط، الذين كانوا مجهّزين لإظهار صورتهم الحضارية فأطلوا من نوافذ المنازل وشرفاتها، وسطوح المباني وأسلحتهم بأيديهم ولم ترتجف وهي ترتكب جرائم القتل عن سابق إصرار وترصّد.
ثانياً: خلال تشييع الرائد في قوى الأمن الداخلي وسام عيد الذي اغتيل يوم الجمعة الواقع فيه 25 كانون الثاني/ يناير من العام 2008، شوهد الظهور المسلح الكثيف لعناصر ميليشيا "المستقبل" على مرأى ومسمع من القوى الأمنية الرسمية ولا سيّما عناصر "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي، التي لم تحرّك ساكناً.
مجزرة حلبا
ثالثاً: ماذا يقول سعد الدين الحريري عن المجزرة المروّعة التي اقترفها عناصر ميليشياته في حلبا بحقّ أنصار الحزب القومي السوري الاجتماعي يوم السبت الواقع فيه 10 أيّار/ مايو من العام 2008. فزمرته لم تكتف بإعدام هؤلاء، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، وبما يخالف الشرع الإسلامي، بالتنكيل بالجثث، والتمثيل بها، وسحلها، ومعاودة ضربها وقتلها، وهي كانت قد أسلمت روحها لبارئها. كما أنّ عناصر ميليشيا الحريري لم تتردّد عن استخدام العنف بحقّ المصابين والجرحى، وهو ما نقلته الصور الفظيعة والبشعة عن هذه الممارسات التي يندى لها جبين البشرية، وهي لا تذكّر إلاّ بتصرّفات العدوّ الإسرائيلي ومجازره؟.
ولا بدّ من تذكير الحريري بأنّ مرتكبي مجزرة حلبا هم من ذات طينة وصنف المجرمين الذين ذبحوا العسكريين في الجيش اللبناني داخل خيمهم في 19 أيّار/ مايو من العام 2007، في منطقة الشمال أيضاً، ليسرّع هذا الإجرام غير المألوف إلاّ خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية ومن حلفاء الحريري نفسه، في اندلاع المعارك في مخيّم نهر البارد.
رابعاً: ماذا يقول الحريري عن المسلّحين الملثّمين الذين قطعوا الطريق الدولية في محلّة المصنع على الحدود اللبنانية السورية بالنيران والرصاص، وكانت أسلحتهم ظاهرة للعيان وللعميان أيضاً؟. ولدى الاستفسار من أهالي مجدل عنجر عن هوّيات هؤلاء، قيل لنا بأنّهم من مناصري الحريري، وهم سلفيون ويعملون بإمرة ح.ع.، ولم تنجح محاولات مسؤولي "المستقبل" في البقاع، في التبرؤ منهم، والقول بأنّهم مجموعة ضالة.
اجتياح الأشرفية
خامساً: لم ينس اللبنانيون الاجتياح الممنهج للسلفيين المدعومين من رجل الاعتدال سعد الدين الحريري، لمنطقة الأشرفية في بيروت يوم الأحد الواقع فيه 5 شباط/ فبراير من العام 2006، وكيف عاثوا فساداً وتدميراً وتخريباً في المنازل والمحال التجارية ودور العبادة، وما نتج عن ذلك من خوف وقلق لا يمكن نسيانه بسهولة، ولا تزال صورها موضوع أحاديث أهالي التباريس والأشرفية حتّى اليوم، "فالأسى لا ينسى" يا شيخ سعد.
هذا غيض من فيض سلوكيات ميليشيا "المستقبل" التي استلمها الحريري الابن مشروعاً سياسياً للبناء والانفتاح والاعتدال، وحوّلها إلى أداة للقمع والإجرام، ولن يغفر له والده الذي يستريح في دار الخلود، سجله العدلي المشين.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008

2008-05-16