ارشيف من : 2005-2008

معارك بيروت والجبل ونتائجها رسالة حاسمة لقوى المعارضة وأنصارها بالجهوزية لحماية لبنان

معارك بيروت والجبل ونتائجها رسالة حاسمة لقوى المعارضة وأنصارها بالجهوزية لحماية لبنان

هل هي "أكذوبة وليد جنبلاط" أم هو "وليد جنبلاط الكذّاب"؟! يجوز الوجهان في هاتين المقولتين لأنهما ترتبطان بالشخص نفسه وتتحدثان عن وقائع واحدة لم تكن غائبة عن الوعي والحقيقة، بقدر ما كانت مغيّبة بفعل الظروف المتلاحقة والتحدّيات التي مرّ بها لبنان ولم يهدأ أوارها حتى اليوم، ولا سيما بعد الزلزال الذي ضرب لبنان والمنطقة باستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وما تلاه من تداعيات خارجية وداخلية، وترافق مع إعلان بدء تنفيذ المشروع الأميركي ـ الصهيوني التاريخي المتجدد تحت عنوان "الشرق الأوسط الجديد".
لعل المجريات السياسية والميدانية والتداخلات المحلية والخارجية التي شهدتها الساحة الداخلية على مدى السنوات القليلة الماضية ترسم مساراً واضحاً يقود إلى ما نشهده اليوم من وقائع بدأت أخذ طريقها إلى الانكشاف لتكون في متناول الرأي العام المحلي والعربي والدولي، خصوصاً بعد الاصطفافات السياسية والحزبية التي أفرزتها مقتضيات المرحلة، فسقطت الأقنعة وبانت الوجوه ورفع كل طرف رايته وأسفر عن توجهاته بخلفياتها وأهدافها وأدواتها التنفيذية، ويتربّع وليد جنبلاط على رأس قائمة من تقنّع بالعفة ليخفي سوءة تاريخه الحافل بالتآمر والارتهان للخارج ضد وطنه وشعبه وحتى طائفته.
جنبلاط ومسار الانقلابات
دأب جنبلاط جاهداً منذ أن أقر العدو بهزيمته في حرب تموز 2006 على توفير مناخات التوتير الداخلي، فضلاً عن تأمين العناصر اللازمة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة ومن يسير في فلكهما من بعض الدول العربية والغربية، لاستخدامها في ممارسة الضغوط السياسية والأمنية على المقاومة في لبنان، وضرب أي مسعى للحل والتلاقي على الساحة الداخلية، فكان دوماً مع حليفه سمير جعجع بعد أن انكشف حلفهما في العمالة، يقف حجر عثرة أمام أي تسوية معتمداً على سياسة الابتزاز التي برع فيها أكثر من عقدين من الزمن.
طيلة السنوات السابقة كان حزب الله وسلاح المقاومة عند جنبلاط خطاً أحمر ويدعو لحمايته، ولكن هذا السلاح أصبح "سلاح غدر" وبات الحزب وأمينه العام "يفخّخ السيارات لينشر الموت ويغتال الشخصيات السياسية والعسكرية"، وتحوّلت الضاحية الجنوبية من خزّان للمقاومة إلى "خزّان لتوريد السيارات المفخخة"، وتحوّلت كاميرات مراقبة عادية إلى "كاميرات تجسس على مطار بيروت الدولي لمراقبة تحركات شخصيات لبنانية وغير لبنانية لتنفيذ عمليات اغتيال تستهدفها، وبتواطؤ من رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير" على حد ادّعائه. وقد شكّل كلام جنبلاط المستفيض حول المربعات الأمنية والمعابر بين مناطق الجنوب والبقاع والضاحية وثيقة اعتمدها وزير مواصلات العدو شاؤول موفاز، كمادة أساسية في الحوار الاستراتيجي الأميركي ـ الإسرائيلي.
لم تقف الهستيريا الجنبلاطية عند حزب الله والحدود اللبنانية، بل اندفع لاستكمال لوحة التهجّمات ليحاكي الحملة الأميركية ـ الإسرائيلية المنظمّة ضد سوريا وإيران، ويلاقي تقرير وزارة الخارجية الأميركية والتقرير الذي عرضه الجاسوس الإسرائيلي تيري رود لارسن في مجلس الأمن، فبعد أن كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا المقلع الأخير الصامد في المواجهة ضد المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي أصبحت إيران "الامبراطورية الفارسية" ومعها النظام السوري مشروعاً يهدف إلى ضرب الديمقراطية ومنع رياحها الآتية من العراق من الوصول إلى لبنان، وصولاً إلى المطالبة بقتل الرئيس السوري بشار الأسد وطرد السفير الإيراني من بيروت ومنع الطيران الإيراني من الهبوط في مطار بيروت الدولي، ومنع المؤسسات الإيرانية الإنمائية من العمل في لبنان بداعي أنها تساعد حزب الله على الانقلاب على الدولة اللبنانية.
جنبلاط والعداء للمقاومة
لم يترك جنبلاط مجالاً يمت بصلة إلى عناصر قوة المقاومة إلا واستهدفه بشكل مباشر، وتجاوز بمواقفه الأميركيين والإسرائيليين أنفسهم، فانطلق في المطالبة بترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا، وادّعى أن حق لبنان في تحرير مزارع شبعا المحتلة رهن باعتراف سوري، ومع فشل هذه المحاولة انتقل بمنطقه المراوغ خلال وبعد حرب تموز إلى المطالبة بامتلاك الدولة - وهو الذي لم يؤمن يوماً بمشروع الدولة في لبنان - ما يسمّى قرار السلم والحرب، وشدّد على المطالبة بمراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية، متماهياً مع المطالب الأميركية والإسرائيلية، لمنع وصول السلاح لحزب الله، بل اندفع إلى توجيه اللوم لحكومة فؤاد السنيورة، ودعا إلى محاسبة القوى الأمنية وخصوصاً الجيش اللبناني لتقصيرهم وفشلهم في منع وصول هذا السلاح إلى يد المقاومة، وفي هذا الإطار قال "عوديد غرانوت" الخبير الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية إن "جنبلاط كان أكثر من أثار قضية تهريب السلاح عبر سوريا إلى المقاومة، ومطالبته بوضع الحدود اللبنانية تحت الرقابة الدولية"، ما دفع الكيان الصهيوني إلى اتخاذه ذريعة لتكثيف الخروقات الجوية للسيادة اللبنانية.
كان جنبلاط مصراً على التصويب على النقاط الحساسة المتعلقة بأمن المقاومة ما وفّر استفادة سياسية وغطاءً للعدو الإسرائيلي، وشكل مادة استخبارية بنت عليها الكثير من خطواتها العدوانية على المستوى الميداني أو السياسي، ولا تعدو مسألة شبكة اتصالات المقاومة والضغط الكبير الذي مارسه جنبلاط على حكومة التابعين لاتخاذ القرارين المشؤومين، إلا حلقة تندرج في إطار مسلسل استهداف المقاومة، مع علمه الأكيد بأن هذا الأمر يعد خطاً أحمر لدى قيادة حزب الله والمقاومة من غير المسموح المس به، خصوصاً بعدما أثبتت شبكة الاتصالات هذه نجاعتها خلال حرب تموز، في تأمين الاتصال بين قيادة المقاومة والمقاومين، والحيلولة دون تحقيق اختراق إسرائيلي لمنظومة الاتصالات العسكرية والميدانية للمقاومة، وهو ما يفضح تآمر جنبلاط مع وزير اتصالاته مروان حمادة لتغطية وتأمين الخدمات الاستخبارية للعدو من خلال الهاتف الثابت والخلوي.
جنبلاط مسؤول أول عن الفتنة
لم يعد هناك شك في أن وليد جنبلاط يتحمّل المسؤولية الحصرية عما جرى من اشتباكات في مناطق بيروت والجبل، فهو بعد أن شحن الأجواء السياسية ودفع حكومة السنيورة وتوابعها إلى ملامسة الخط الأحمر، سعياً إلى إشعال فتيل الحرب الأهلية، وإعطائها عناوين فتنة مذهبية ـ طائفية سعى الأميركيون والصهاينة إلى إضرام نارها في النسيج اللبناني الداخلي، وكانت معارك نهر البارد وتصدير ظاهرة الانتحاريين من العراق إلى لبنان أحد أوجهها المقيتة، وكان جنبلاط يركن إلى غوغائية مسلحي الميليشيا الذين استقدمهم سعد الحريري وأغدق عليهم الأموال تجهيزاً وتدريباً بإشراف وتوجيه مباشرين من قبل المجموعات الأميركية التي تتمركز في السفارة الأميركية في عوكر، وتتخذ من مطار القليعات مقراً استخبارياً وميدانياً لها، فضلاً عن تسليحهم بمختلف أنواع الأسلحة الفردية والمتوسطة والثقيلة.
أما وقد فشلت مساعي جنبلاط في إشعال بيروت بنيران الفتنة، نظراً لقدرة المعارضة وأنصارها على حسم الأمور ميدانياً والالتفاف على تداعياتها السلبية بوعي الشخصيات السياسية والعلمائية من السنّة والشيعة، انتقل إلى الجزء الثاني من المؤامرة الداخلية، بالعمل على استدراج الحريق إلى مناطق الجبل، فارتكب عناصر ميليشياته وبأمر مباشر منه ومن مساعديه أكرم شهيّب ومروان حمادة جريمة خطف ثلاثة من عناصر حزب الله واغتيال اثنين منهم، فضلاً عن عمليات غدر طالت عناصر أخرى من حزب الله في القرى التي يوجدون فيها، وهي المعروفة بالتنوّع السياسي والطائفي لأبنائها.
معركة الجبل وحسابات جنبلاط
أطلق وليد جنبلاط في مؤتمر صحافي له جملة من المواقف الخطيرة التي تضاف إلى تهديداته بحرق "الأخضر واليابس"، ومن جملة ما قاله في نوبة عصبية ملحوظة: "تريدون الفوضى فأهلاً وسهلاً بالفوضى. تريدون الحرب فأهلاً وسهلاً بالحرب. لا مشكلة بالسلاح ولا مشكلة بالصواريخ سنأخذ الصواريخ منكم".. هذا التهديد الذي أطلقه نهاراً عاد وحاول جنبلاط التخفيف منه مساءً في تصريحات تلفزيونية وفي أحاديث تضمنتها صحف اليوم التالي، إلا أنها كانت هفوة غير محسوبة منه، أظهرت جانباً مما كان يحيكه ويدبّره بليل الاتصالات المستمرة، سواء عبر اللقاءات المباشرة، أم عبر التواصل الهاتفي أو التلفزيوني مع أسياده في واشنطن.
ولكن ما جرى من مواجهات واشتباكات في مناطق الجبل وما أدت إليه من نتائج أسقطت التهديدات والعنتريات العسكرية، ووجّهت لجنبلاط وداعميه رسالة واضحة بأن قوى المعارضة وأنصارها لن تقف بعد اليوم مكتوفة الأيدي أمام ما يجري من افتراءات ضدها وضد المقاومة وشعبها وجمهورها الوفي، ولن تتغاضى عن أي مسعى يهدف إلى تدمير البلد وتخريبه، وستقف عقبة كأداء أمام أي مسعى فتنوي طائفي يعمل جنبلاط على تسعيره بالتوازي مع حليفيه سعد الحريري وسمير جعجع، وتغطّيه حكومة تابعة مرتهنة لأوامر السفارات والسفراء.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008

2008-05-16