ارشيف من : 2005-2008

بقلم الرصاص: الشفاء المؤجل

بقلم الرصاص: الشفاء المؤجل

كتب نصري الصايغ
متى سيخرج لبنان من دوامة العنف؟ لماذا يستعيد لبنان عنفه بشكل دوري، كل فترة من الزمن؟ هل من طريق تفضي إلى الخلاص الوطني، فلا يبقى شبح العنف مقيماً في فضائه السياسي؟
الجواب النظري، كما ترويه الكتب، يحدد نمطين من أنماط الأنظمة السياسية:
أ ـ الديموقراطية، وفق آليات انتقال السلطة بالانتخاب، ووفق آلية فض النزاعات، عبر المؤسسات الدستورية، واعتماد مبدأ الحكم للأكثرية، دون إلغاء حق الأقلية العددية، بالمعارضة والاحتجاج.
ب ـ الدكتاتورية، وفق آليات القمع والمنع والردع، ودفع المشكلات والنزاعات إلى حال الكتمان، وإقامة سلطان أمني يحتكر العنف المطلق وحده، بالاستنسابية التي يرتئيها.
ولبنان، لا يمت بصلة إلى النظام الدكتاتوري، ولكنه يمت بوصل إلى النظام الديمقراطي، ولكنه وصل معطوب.
يعيش لبنان، منذ استقلاله، في ظل دستور ديمقراطي أكثري/أقلي، مؤطر داخل ميثاق وطني، يستطيع تعطيل الآلية الدستورية، ولب الميثاق الوطني، هو الترابط المتين، بين السلطات الدستورية واتجاهات السياسة الخارجية. أي أن ثبات السلطة في لبنان، رهن بدستوريتها وميثاقيتها، أي احترامها لمبدأ التوافق، فإذا خرق التوافق، تعطلت آلية السلطة الدستورية، وبات لبنان في ظل شرعيتين: دستورية غير ميثاقية، وميثاقية تعبر عن تطلعاتها، عبر الشارع.. بلوغاً إلى العنف.
عندما بدأت السلطة في لبنان، عام 1956، وهي سلطة دستورية مئة بالمئة، تنحاز إلى مشروع أيزنهاور، وقف وزير الخارجية الأسبق فيليب تقلا، مخاطباً شارل مالك وزير خارجية تلك الفترة بما يلي: "الذي يحدد السياسة الخارجية في لبنان هو الشارع وليس المؤسسات الدستورية: رئاسة الجمهورية، الحكومة أو وزارة الخارجية.
لم يؤخذ بنصيحة تقلا، فانفرط عقد النظام، بين دستوري غير ميثاقي وبين ميثاقيين غير دستوريين، فاشتعل لبنان بفتنة الـ58.
ويمكن ملاحظة واستنتاج هذه الحالة النموذج في كافة المراحل التي سادت فيها الفرقة بين اللبنانيين، منذ نهاية عهد الرئيس سليمان فرنجية، حتى نهاية عهد الرئيس إميل لحود، وبدون استثناء أي رئيس. الهراوي، شكل  استثناءً، لأن الرئاسة كانت تحت مظلة التوافق الخارجي الذي فرض ظله على الخلافات الداخلية.
وراهناً، سلطة الرئيس فؤاد السنيورة، تتمسك بحرفية الدستور، لـ"وجه ماء" الحكومة، وتصدر قرارين في لحظة انقسام خطيرة، يمسان عنق المقاومة. إن حكومة غير دستورية، يمكن إسقاطها دستورياً، أما إذا كانت غير شرعية، فما العمل؟
لأول مرة، تجرؤ حكومة على أن تحكم، والشرعية التوافقية تحتل الشارع والساحات، اعتراضاً على الاستئثار ثانياً، وعلى توجهات غير ميثاقية، في السياسة الخارجية أولاً. إذاً، لولا الميثاقية، لكان يمكن احتمال الخلل الدستوري، حتى الانتخابات المقبلة، أما وقد باتت الشرعية الدستورية، منصة لإعدام المقاومة، إلى جانب استبعاد مكوّنين من مكونات "الطوائفية الدستورية" في لبنان، فإن ذلك يؤذن ببداية رحلة اللبنانيين إلى "جحيم دافئ".
لم يخلص اللبنانيون حتى اللحظة، وبرغم ما آلت اليه أحوالهم السياسية والاقتصادية والحياتية من بؤس، إلى نظام سياسي، قادر على التوفيق بين الديموقراطية العددية وبين الديمقراطية التوافقية.
لعل ذلك من المستحيلات.
ولعلنا لم نجرب بعد، أن نصدق مع النصوص، بسبب ما في النفوس.
أو، لعل العلة، ليست في النظام، بل في طبيعة السكان، عندها، لا حول ولا قوة، إلى أن تحين ساعة التغيير، على مستوى المنطقة.
ما زال سايكس ـ بيكو حياً، ويقتلنا.
الانتقاد/ العدد1267 ـ 15 ايار/مايو2008

2008-05-16