ارشيف من : 2005-2008

قمة الوقاحة

قمة الوقاحة

السيادة بالمفهوم القانوني للكلمة هي ولاية الدولة ولاية انفرادية على شؤونها الداخلية والخارجية من دون تدخل، سواء كان مباشراً او غير مباشر. وبما ان السيادة مطلقة فهي لا تتجزأ، وهذا يعني ان اي تدخل خارجي في شؤون دولة أخرى سواء أتى من دولة كبرى او من منظمة دولية او غير ذلك، فهو مساس بالسيادة. هذا في الإطار النظري للكلمة، أما في التطبيق العملي وفي ظل العولمة الحالية، فتنشأ وضعية تسمى "الاعتماد المتبادل" بين الدول، بحيث تتداخل مصالح الدول وتعهداتها، فتعقد اتفاقيات وتقيم علاقات مالية وتجارية وسياسية بعضها مع بعض بملء إرادتها، ما يعني ان السيادة في هذا المجال لا تنتقص، انما يتبدل مفهومها فقط.
لكن هذا الأمر يكون بين الدول السيدة وفي علاقاتها في ما بينها، وليس بين مجموعات داخل دولة ما ودول أخرى، بحيث يقيمون تبعية عمياء ويسهلون مصالح دول غريبة على حساب مصلحة الوطن الأساس، وعلى حساب شعبه وأهله وأرضه واستقلاله، ما يؤدي الى تقويض السيادة.
في لبنان يختلف الأمر، بحيث تقيم الأطراف اللبنانية علاقات مع الدول الأخرى.. كل على هواه. فالموالون في لبنان بعد ان حكموا لبنان وأرهقوه بالديون الطائلة بسبب الفساد والسرقة والهدر الذي مارسوه خلال عهد الوصاية السورية على لبنان، لم يتوانوا عن تجيير تبعيتهم العمياء وانقيادهم الى الأميركيين بعد ان ضعف النفوذ السوري في لبنان إثر الانسحاب العسكري منه.
الحرية والسيادة والاستقلال، شعارات سرقها الفريق الموالي من أدبيات التيار الوطني الحر، واستعملها لدرجة بات يعتبرها له وينكرها على التيار بكل وقاحة.. ولكن سرقة الشعار لا تعني ان مطلقه قادر على تطبيقه، او على الأقل يفقه معناه.
عاش الفريق الموالي على الحملات الإعلامية والسياسية التي تدعو السوريين الى عدم التدخل في الشؤون اللبنانية، وعابوا على المعارضة وعلى التيار الوطني الحر تحديدا، قوله انه بعد خروج السوريين من لبنان فإن لبنان كدولة مدعو الى إقامة أفضل العلاقات المميزة مع الدولة السورية. ثم هاجموا العماد عون معتبرين انه يفرط بدماء الحريري عندما دعا المجتمعين الى طاولة الحوار لتشكيل وفد والذهاب الى سوريا للحوار معها وحل القضايا العالقة! وأخيراً في الأسبوع المنصرم، عابوا عليه قوله انه عندما تنضج الظروف فلا مانع من زيارة سوريا.
لكن ما رأي السياديين الجدد بالموقف الذي أطلقه النائب سعد الحريري من الكويت، ويدعو فيه السوريين الى التدخل وتسهيل عملية الانتخاب الرئاسي في لبنان؟ ألا يعتبر هذا الأمر طلباً مباشراً من السوريين للتدخل في الشؤون اللبنانية؟ ألا يُعد هذا الأمر تفريطاً بدماء الحريري، كما سوقت الموالاة مدة 3 سنوات؟ ألا ينسف هذا القول جميع الادعاءات والاتهامات التي ساقها الموالون ضد سوريا واستغلوها استغلالاً رخيصاً من أجل كسب المقاعد النيابية والاستئثار بالحكم؟ ثم ان الدول ليست جمعيات خيرية، وهي تقيم مصالحها على أساس العرض والطلب، فما الذي يعرضه الحريري على السوريين مقابل طلب التدخل؟
ان طلب الحريري يعيد الى الأذهان ما كان قد كُشف عنه منذ فترة، من ان الولايات المتحدة طلبت من السوريين التدخل في لبنان للضغط على المعارضة لتقديم التنازلات، وأن السوريين رفضوا هذا الأمر. ثم نسمع اليوم المسؤولين الأميركيين يعيبون على السوريين التدخل في الشؤون اللبنانية، واعتبارهم هذا الأمر خطيرا جداً ومسّاًً بالسيادة اللبنانية، وهو ما لا يقبلونه!
لقد اختلطت المعايير وازدوجت، وتخطى الموالون جميع المبادئ والقيم والأعراف.. التدخل السوري يكون ممتازاً ومرغوباً ـ بنظرهم ـ إذا أتى لمصلحتهم، وإن لم يكن كذلك فهو عمالة وتدخل سافر! التدخل الأميركي لا ينتهك السيادة، ويمكن للقائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون ان تزور المعابر الحدودية، وأن تستكشف وتدقق! ويمكن لـ"ولش" ان يتهم من يشاء من اللبنانيين بالعمالة، ويطلق الصفات التخوينية! لكن هذا لا يعتبر تدخلاً ـ بنظر الموالين ـ وهو أمر طبيعي، أما المساعدات الإيرانية والمشاريع التي تقام لإصلاح ما هدمه العدوان الإسرائيلي في مناطق الجنوب، فهو يستدعي طرد السفير الإيراني من لبنان بحسب ما دعا جنبلاط.
ان تصرف السياديين الجدد في لبنان بات لا يُحتمل.. انه قمة الوقاحة السياسية.
ليلى نقولا الرحباني
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008

2008-05-09