ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقالة: إلى أين يريد فريق السلطة أخذ لبنان؟
كتب مصطفى الحاج علي
إلى أين يريد فريق المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي دفع الأمور في لبنان؟
لماذا اختيار هذا التوقيت بالتحديد، وهو توقيت مريب ومشبوه بكل المقاييس والمعايير؟ ما صلة كل هذا التصعيد مع الرسائل الاقليمية والدولية المشجعة على التدويل، والداعية إلى اتخاذ قرارات أقل ما يقال فيها إنها تضع البلاد على حافة الانفجار الشامل؟ هل المطلوب تفجير الأمور تمهيداً لملاقاة تطورات ما اقليمية، أم أن كل ذلك هو الصحوة الأخيرة التي تسبق عادة لحظة لفظ الأنفاس الأخيرة؟ وأولاً وأخيراً لمصلحة من يجري ايصال الأمور إلى ما وصلت اليه، ويتم القفز باستخفاف فوق كل الأيدي الممدودة والصادقة لإخراج لبنان من الأزمة المصيرية التي يتخبط فيها منذ أمدٍ ليس بالقليل؟
دعونا بادئ ذي بدء نسجل شهادة في وليد جنبلاط هي براعته الفذة في توتير الأجواء ونقلها بسهولة إلى درجة من الغليان تلامس حدود الانفجار، ولو شاء أحد الاستفادة من هذا الرجل لوجد له وظيفة مفجر النزاعات، والفتن والحروب، إنه يوم الموت والخراب والدمار بامتياز، هذا الرجل الذي يعيش في داخله تناقضاً مراً، ينغص عليه حياته يتركه أسير أظافر وأنياب القلق والهواجس والمخاوف والرعب، لدرجة لا يعرف معها لحظة سلامٍ داخلية ولو للحظة واحدة، وإذا كانت أفعال الإنسان وأقواله امتداداً لما يدور في ذاته، فهذا الرجل انما يصدر الينا حروبه وفتنه الداخلية، ليجعلها حروباً وفتناً عامة.
ومن الواضح، أن هذا الرجل البائس فعل ما فعل مؤخراً عن يأسٍ عميق، فكلنا نعلم أن كل رهاناته وفريقه على شيطانهم الكبير الولايات المتحدة قد خابت، فلا حروب قادمة، هكذا أبلغهم وولش، ولا محكمة ذات طابع دولي في متناول اليد على الأقل في المدى المنظور، ولا احتمالات أن يحقق الوحش الأميركي شيئاً من التوازن لموقعه ودوره، فهو ما فتئ يتنقل من اخفاق إلى اخفاق، ومن فشل إلى فشل، ومن احباط إلى احباط، وأمر العمليات الذي تبلغه جنبلاط بالحرف: عليكم تدبير أموركم على أساس ما تقدم.
ومأزق هذا الفريق جزء لا يتجزأ من مأزق معلمهم الأميركي، فهو بات لا يستطيع أن يتقدم خطوة إلى الأمام، بل على العكس تماماً، فإن الوقت لا يعمل لمصلحته، فكل مراوحة في المكان هي بمثابة تراجع إلى الخلف، ولا يستطيع أن ينجز أي تسوية مهما كانت طبيعتها، لأنه يدرك تماماً أن هذه التسوية، ومهما كان سقفها، سيكون هو من يقدم التنازلات فيها، ما يعني فوزاً ولو بالنقاط للمعارضة، فكيف إذا كان قوام التسوية اليوم هو حكومة الوحدة الوطنية، وقانون الانتخابات، حيث ان انجاز أي منهما، او كليهما، سيفتح الباب واسعاً أمام خلطة جديدة في التحالفات، التي ستنتقل سريعاً من تحالفات سياسية إلى تحالفات انتخابية، تصيب جسم فريق السلطة المتصدع أصلاً بالمزيد من الشقوق التي تهدده بالانحلال السريع.
من هنا، فإن معلمي هذا الفريق من اميركيين وعرب، أخذوا يعملون على خطوات بديلة، أو قل استراتيجية بديلة، تمكنهم من تقطيع الوقت بأقل كلفة ممكنة، واحتواء الخسائر، والإمساك بمزيد من أوراق الضغط على المعارضة، بما يكفل لهم شيئاً من التوازن، ويوفر لهم ما يحتاجون من إسناد للصمود أكبر قدر ممكن.
هذه الاستراتيجية يمكن تحديد معالمها وفق التالي:
أولاً: انتشار عسكري من البحر الأبيض المتوسط، وكجزء من تموضع استراتيجي معنية به كل قوى وحركات المقاومة والممانعة في المنطقة.
ثانياً: وضع الأزمة اللبنانية في مسار تدويلي جديد يستفيد من القرارين رقم 1559 والـ1701، لجهة الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية فوراً، وتهديد كل من يعرقل بعقوبات ما، ولجهة تفصيل وتطوير القرار 1701 ليشمل المرافق والحدود كما كان يطالب الكيان الاسرائيلي، وبما يوفر فرض الحصار المطلق على حركة المقاومة والمعارضة، ويضعها تحت النظر الاميركي ـ الاسرائيلي، وهذا ما يفسر اختيار مطار بيروت تحديداً، ومحاولة تصويره وكأنه خارج السيطرة الأمنية.
ثالثاً: شن حملة على حزب الله، ومناطق انتشاره، وتصويرها وكأنها مناطق خارجة عن القانون والشرعية، وبما يلاقي التقارير الاميركية التي دأبت مؤخراً على نحوٍ مركز في وصف حزب الله بالارهاب، وتصويره كأخطر منظمة ارهابية. كل ذلك امعاناً في تشويه صورة المقاومة، ونزع غطاء الشرعية والمشروعية عنها، وبما يبرر ملاحقتها على أكثر من صعيد، لا سيما من قبل العدو الاسرائيلي.
رابعاً: بذل جهد حثيث لإضعاف الجنرال عون وتياره.
لقد تجاوز فريق السلطة في قراراته الأخيرة العديد من الخطوط الحمراء، وهو لا شك، أخذ يلعب في النار، واذا كان رهانه أن المعارضة ستقف موقف المتفرج، فهو خاطئ، فعندما ينقل فريق الصراع الى هذا المستوى، بحيث يضع نفسه، ومن موقع السلطة، في مواجهة قوى وطوائف بأسرها، فإنما يسرع في مواجهة الناس له، وما من أحد واجه شعبه، إلا وانتصر الشعب.
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008