ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقالة: فريق بوش في لبنان أمام فرصة أخيرة.. فهل يلتقطها؟
كتب مصطفى الحاج علي
في كل صراع أو خلاف أو نزاع، سياسي وغير سياسي، يحاول كل طرف أن يحشد كل ما في جعبته من ذرائع ومبررات ليقول انه على حق وخصمه على باطل. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنه ما زالت للحقيقة قيمتها واحترامها لدى الرأي العام، وبالتالي لا يستطيع أحد تجاوزها، لأن ما يبنى على باطل فهو باطل، مهما جرت حمايته بالعصبيات العمياء والأحقاد والضغائن السوداء. ولأن الخطاب السياسي ـ الإعلامي هو خطاب جدلي بامتياز، بمعنى أنه لا يقوم على الاستدلال والبرهان، وإنما على لعبة السفسطة والتمويه، فإن مقاربة ما يجري في لبنان يحتاج إلى مقاربة غير مباشرة.
دعونا هنا نسأل هذا السؤال البسيط: من هي الجهة أو الجهات، الطرف أو الأطراف، التي أظهرت قلقها البالغ مما يجري في لبنان؟ من هي الأطراف التي بدت أنها متضررة إلى أقصى الحدود مما يجري في لبنان؟
إن استعراض بسيط لردود الفعل الدولية والإقليمية والمحلية، يقودنا إلى الحصيلة التالية:
أولاً: الكيان الإسرائيلي بكل تلاوينه وأطيافه السياسية الرسمية والاعلامية، وبكل أطيافه الأمنية والعسكرية، تقاطعت عند اعتبار ما يجري بمثابة خطرٍ بالغ وبالمعنى الاستراتيجي على هذا الكيان. والتعليل الذي يعطى أن ما حدث هو بمثابة انتصار لخيار المقاومة في لبنان، ولخيار المقاومة في المنطقة أيضاً.
ثانياً: الولايات المتحدة الاميركية التي وجدت في مسار تطور الأحداث الأخيرة خيبة كبيرة لها ولحساباتها، لأنها أدت إلى سقوط فريقها.. وأكثر لأنها أدت ـ بحسب تعبير بوش ـ إلى سقوط "ديمقراطية ثورة الأرز" التي هي لمصلحة الكيان الإسرائيلي. فما تريده واشنطن هو ديمقراطيات خادمة للكيان الإسرائيلي، بمعنى أن المطلوب هو قوى وأطراف سياسية تلبس لبوس الديمقراطية،إلا أن دورها الحقيقي هو أن تكون أدوات خادمة للمشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة.
ثالثاً: مجموعة تحالف ما يعرف بـ"أصدقاء لبنان".. وفي الحقيقة هم مجموعة أصدقاء فريق السلطة الذي لم يغادر في ردود فعله ما ذهبنا اليه سابقاً.
رابعاً: الانفراد السعودي في مواقف عصابية ومتشنجة عبّر عنها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي قدم نفسه طرفا ومن موقع حاد وبشكل متطابق مع فريق السلطة: جعجع وجنبلاط والحريري.
خامساً: فريق السلطة، وهذا بديهي، لأنه هو من دفع الفاتورة على نحو مباشر.
في المقابل نرى أن كل الأصوات التي أيدت المعارضة عموماً، وحزب الله تحديداً، تندرج في خانة فريق المقاومة والممانعة في المنطقة. وبالمناسبة هم جلّهم من الحركات القومية والإسلامية السنية تحديداً.
ماذا يعني كل ما تقدم؟ إنه يعني التالي:
أولاً: إن حزب المتضررين واحد، وهم يركبون مركباً واحداً، ويخوضون مع المقاومة والمعارضة معركة واحدة.
ثانياً: إن الذي انتكس ووجهت ضربة قاسية له هو المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي وبعض العربي بمرتكزاته اللبنانية.
ثالثاً: ان القرارين اللذين اتخذتهما حكومة فريق السنيورة غبر الشرعية، بل عصابة هذه الحكومة، ليسا مجرد قرارين عاديين، وإنما قراران هما بمثابة اعلان حرب على المعارضة والمقاومة، هو الوجه الآخر لحرب تموز العسكرية. ولقد كان في ظن هذا الفريق أن المعارضة التي وضعت لنفسها اختباراً خطوطاً حمراء أبرزها الفتنة، لن تقوم بأي رد فعل. ولقد كان في حسابات هذا الفريق أيضاً أن نجاحه في توجيه ضربة استراتيجية للطائفة الشيعية وللمقاومة، للذهاب أبعد من ذلك نحو توجيه ضربة للمعارضة عموماً من خلال الذهاب إلى انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد.
لكن ما فات هذا الفريق أن ما قام به هو بمثابة إسقاط لأصل أصل كل المحرمات، والذي بإسقاطه لا يعود هناك قيمة لأي محرم أو لأي خط أحمر.. والمقصود بذلك:
أولاً: سلاح المقاومة الذي يطابق نفس وجودها، وبالتالي فإن المس به هو مس بمصيرها، ونقل للصراع من صراع على الخيارات إلى صراع وجود.
ثانياً: بنية النظام السياسي اللبناني لجهة ضرب مفردة مركزية من مفرداته بالمفرد السياسي ـ المعنوي، فنقل العميد شقير كان يراد منه ممارسة نوع من الإعدام المعنوي والسياسي للموقع الشيعي في المعادلة السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية للنظام الطائفي في لبنان.
من هنا كان بديهياً أن تتخذ المواجهة مع المعارضة طابع الدفاع عن النفس والوجود.
وفي مطلق الأحوال، إن ما جرى أدى إلى نتائج مركزية أبرزها:
أولاً: ترنح المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في لبنان من خلال تهاوي مرتكزاته الرئيسية.
ثانياً: فتح كوّة في جدار الأزمة المقفلة انطلاقاً من حسابات ومعادلات لم يعد بمقدور أحد القفز فوقها، وهذا ما يتيح فرصة للجميع للتوافق مجدداً على صيغة تسوية وطنية جامعة تحفظ مقومات قوة هذا الوطن وتوازناته الاجتماعية ـ السياسية.
ثالثاً: إعطاء فرصة جوهرية للكثيرين لمراجعة حساباتهم وأخطائهم بحق وطنهم وبحق أنفسهم وبحق طوائفهم التي ينتمون اليها، ليعودوا عن غيهم ويأخذوا بالخيارات الصحيحة.
رابعاً: رفع يد الوصاية الخارجية والداخلية عن بعض الطوائف والمذاهب والقوى السياسية، لتعود إلى مكانها الطبيعي ومسارها التاريخي المعروف، بعدما جرى خطفها بالترغيب والترهيب طويلاً.
خامساً: ثمة فرصة جادة للتوصل إلى تسوية فعلية، وكل من يضيعها انما يصر على وضع لبنان أمام مرحلة جديدة لا شك ستكون مختلفة كثيراً عما سبق، وعندها لن ينفع الندم أحد، فهل يلتقط فريق السلطة هذه الفرصة أم يضيعها ويضيع هو معها، ليبقى الوطن؟
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008