ارشيف من : 2005-2008
حزب الله لن يقبل بأقل مما يتضمنه البيان الوزاري الحالي حول المقاومة
كتب عماد مرمل
يخضع اتفاق الدوحة منذ ولادته الى قراءات متباينة واستنتاجات مختلفة، وأغلب الظن انه سيظل متدليا على مشرحة التحليل، فترة طويلة من الوقت قبل ان تتضح قطبه المخفية. أنصار المعارضة يجدون فيه نصرا موصوفا، وأنصار الموالاة يرون فيه إنجازا لمشروعهم السياسي، وأما «المسالمون» فيفضلون إعطاءه عنوان: لا غالب ولا مغلوب.
والمفارقة ان كلاً من اصحاب وجهات النظر هذه، يستطيع ان يمضي وقتا طويلا في سرد الحجج التي تدعم مقولته، ولعل إحدى أبرز خصائص هذا الاتفاق انه يمنح، حتى الخاسر، جوائز ترضية تتيح له تسويقه في بيئته، على قاعدة ان الحد من الأضرار هو بحد ذاته مكسب.
ومع ذلك فإن القراءة الأقرب الى الموضوعية تمنح المعارضة فوزا بالنقاط في حوار الدوحة، باعتبار ان قواعد اللعبة في لبنان تمنع الانتصار بالضربة القاضية، كما ظهر بعد سيطرة المعارضة على مركز القرار في بيروت، من دون ان تتمكن لأسباب موضوعية من «تسييل» هذه السيطرة الميدانية الى «اكتساح» سياسي.
وبدا واضحا ان أياً من الاطراف الداخلية لم يكن بمقدروه ان يتحمل مسؤولية تعطيل التسوية والعودة الى بيروت بأيد خاوية، لانه كان من شأن ذلك ان يُشرّع ابواب البلد أمام الفوضى غير المنظمة، الامر الذي لا يستطيع أحد في الموالاة او المعارضة تحمل تبعاته.
وحسب المعلومات، فإن هذا القلق من المجهول هو الذي دفع فريقي الاكثرية والمعارضة الى تبادل التنازلات الانتخابية في بيروت في اللحظة الاخيرة، لمنع انهيار المفاوضات بعدما كاد الخلاف على كيفية تفصيل الدائرة الثانية في العاصمة يطيح بكل شيء، فكان «الابداع» في تدوير الزوايا من خلال تحييد هذه الدائرة عمليا عبر تقاسم مقاعدها الاربعة ضمنيا منذ الآن، على أساس إثنين للموالاة وإثنين للمعارضة.
ولكن التسوية في بيروت لا تنفي حقيقة ان العماد ميشال عون حقق إنجازا قد يكون الاهم بالنسبة الى المسيحيين، منذ ان فقدوا امتيازاتهم في اتفاق الطائف، إذ ان اعتماد تقسيمات قانون القضاء للعام 1960وتحسين مواصفات «النسل الانتخابي» في العاصمة، أعادا الاعتبار الى الصوت المسيحي في الكثير من المناطق، وبالتالي حررا هذا الصوت من «عقدة» التبعية للآخر، تحت شعار العيش المشترك.
ويستطيع عون ان يقول الآن وبالفم الملآن ان تفاهمه مع حزب الله قد أثبت جدواه بالعين المجردة، على الرغم من كل الحملات التي تعرض لها، إذ ان ثبات «التحالف الشيعي»، خلال أحرج لحظات التفاوض، في الوقوف الى جانبه في معركة تصحيح التمثيل المسيحي في السلطتين التشريعية والتنفيذية، إنما كان له الاثر الكبير في معالجة الخلل السابق، وهو الامر الذي لم يتمكن البطريرك الماروني ومسيحيو 14 آذار من تحقيقه.
ووفق روايات العائدين من قطر فإن حزب الله وحركة أمل خاضا بكل أنواع الاسلحة، بما فيها «السلاح الابيض»، معركة ميشال عون للوصول الى قانون انتخاب يرضي المسيحيين بالدرجة الاولى، لا سيما انه من المعروف ان المحافظة تشكل الدائرة الاكثر ملاءمة لمصالح الحزب والحركة، وبذلك يكون السيد حسن نصر الله قد وفى بأحد وعوده الشهيرة عندما أكد انه لن يتخلى عن حلفائه الذين وقفوا الى جانبه خلال حرب تموز، ويومها ردد عبارته الشهيرة بأن لهؤلاء ديْناً في رقبته حتى يوم القيامة.
أما حصول المعارضة على «الثلث الضامن» في الحكومة، فقد يكون التعبير الأبلغ عن كفتها الراجحة في اتفاق الدوحة، ويبدو ان «الأكثرية» اختارت أن تقدم التنازل الاهم في الملف الحكومي تحديدا، وذلك للاسباب الآتية وفق انطباعات العائدين من العاصمة القطرية:
ـ الحكومة الجديدة لن تعيش أكثر من عام كونها سترحل حكما بعد انتهاء الانتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي فإن الوظيفة الاساسية لهذه الحكومة ستتمحور حول الاشراف على إجراء الانتخابات.
ـ السلوك الحيادي لقائد الجيش العماد ميشال سليمان أثناء الاحداث الاخيرة دفع الموالاة الى مراجعة حساباتها، بحيث فقدت حماستها لإعطائه 10 وزراء كما كانت تقتضي معادلة حكومة الثلاث عشرات.
ـ معادلة الثلاث عشرات لا تتيح للموالاة إرضاء جميع او معظم رغبات التوزير لدى مكوناتها المتعددة، وخصوصا مسيحيي 14 آذار، في حين ان ذلك يصبح أسهل عندما تكون حصتها 16وزيرا في حكومة الوحدة الوطنية.
تبقى نقطة حظر استخدام السلاح لحسم مسائل خلافية داخلية وتحديد مستقبل العلاقة بين الدولة ومختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية. هنا، تعتبر الموالاة انها حققت مكسبا كبيرا، يعوض من وجهة نظرها، عن التنازلات التي قدمتها في مواضع أخرى، إذ هي تعتقد بأنها تمكنت من وضع سلاح حزب الله على جدول أعمال المرحلة المقبلة، برغم ما سُجل من تحول في موازين القوى الميدانية لصالح الحزب في أعقاب سيطرته على بيروت.
إلا ان أوساطا قيادية في حزب الله ترى انه لم تكن هناك من مشكلة أساسا لدى الحزب في تكريس مبدأ وجوب عدم استخدام العنف لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وهي تعتبر ان المواجهة التي حصلت في الشارع مؤخرا لا تندرج أصلا في هذ السياق، أما سلاح المقاومة فشأن آخر لا مجال للخوض فيه حاليا.
وأكثر من ذلك، تشدد الاوساط على ان الحد الادنى المقبول لدى الحزب في أي بيان وزاري جديد هو ان يتضمن الصيغة ذاتها الواردة في البيان الوزاري للحكومة الحالية، والتي تؤكد شرعية المقاومة وأحقيتها، لافتة الانتباه الى ان هذه الصيغة باتت جزءا من المبادرة العربية، بعدما جرى تثبيتها في المفاوضات التي قادها عمرو موسى وأُدرجت ضمن بيان صادر عن أحد اجتماعات مجلس الجامعة العربية.
وتخلص الاوساط الى توقع هدنة طويلة، ستمتد حى موعد إجراء الانتخابات النيابية، وعندها ستُخلط الاوراق من جديد وسيعاد إنتاج السلطة بناء على قواعد مختلفة.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية/ 23/5/2008