ارشيف من : 2005-2008
أنقرة متفائلة... وواشنطن تترقب : قصة الوساطة التركية
كتب حلمي موسى
يفرك رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان يديه فرحاً بالنتيجة التي أفلح في الوصول إليها، وهي استئناف المفاوضات الإسرائيلية السورية حول السلام وإعادة الجولان. ولا يستخف احد بقيمة هذا الحدث في أوروبا وأميركا، ولكن بالأخص في تركيا لحزب يُلاحق، في تركيا نفسها، باسم الأصولية. وقد واصلت تركيا اتصالاتها الإسرائيلية السورية فقط بعد أن نالت من الجانبين تعهداً بأنه لا مسار تفاوضياً آخر غير التركي بينهما في الفترة القريبة.
والعملية التفاوضية التي جرت في العاصمة التركية في الأيام الثلاثة الأخيرة هي الجولة الأهم من جولات تواترت بشكل متقطع منذ منتصف العام الماضي، وقد تقرر في هذه الجولة تحديد موعد لجولة مقبلة بعد أسبوعين ستتم أيضاً بطريقة الوسيط المكوكي.
ومنذ أشهر عديدة والاتصالات تجري في المسار التركي بشكل متواتر. وقد توقفت الاتصالات مرات عديدة، أبرزها بعد الغارة الإسرائيلية على المنشأة العسكرية السورية التي قيل إنها مفاعل نووي، وكذلك بعد اغتيال القيادي في المقاومة الشهيد عماد مغنية، وقد بدأ المسار التركي أصلاً بتبادل رسائل بين كل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت.
ويعيد المراقبون بداية الاتصالات إلى زيارة أولمرت إلى تركيا في شباط من العام الماضي. حينها عرض أردوغان مساعيه الحميدة لتسهيل التوصل إلى السلام بين إسرائيل وسوريا، وقد وافق أولمرت على هذا العرض فبدأت تركيا بتكثيف اتصالاتها مع الجانبين.
وسبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية أن أعلن أنه يرى في «تركيا جسراً بالغ الأهمية لبناء العلاقات بين إسرائيل ودول إسلامية في المنطقة». أما الرئيس السوري فأشار في خطاب له أمام مجلس الشعب السوري إلى المسار التركي، فقال إن أقصى ما يمكن أن يحدث «هو أن نرسل شخصاً سورياً إلى تلك الدولة، لا لكي يلتقي بالإسرائيليين، وإنما ليلتقي بهذه الدولة الوسيطة، إذا كانوا يريدون سرعة التواصل».
وقد جرت المفاوضات في فندق «كونراد» المطل على مضيق البوسفور بإدارة المستشار السياسي لرئيس الحكومة التركية الدكتور أحمد داوود أوغلو، الذي كان يتنقل بين جناحين في الفندق أقام فيهما وفدان سوري وإسرائيلي. ومما نشر حتى الآن فإن الوفد السوري كان برئاسة رئيس الشعبة القانونية في الخارجية السورية الدكتور رياض الداوودي. وترأس الوفد الإسرائيلي رئيس طاقم أولمرت يورام تورفوفيتش وعضوية المستشار السياسي شالوم ترجمان، وقد عمل أوغلو بطريقة «الوسيط» الذي كان يتردد بين الجناحين حاملاً الأسئلة والردود من طرف لآخر.
الأتراك متفائلون جداً، ويستندون في عملهم على الوعود التي قطعها لهم في العاصمة التركية كل من أولمرت ووزير دفاعه إيهود باراك بالتعهد للتنازل عن هضبة الجولان في مقابل السلام مع سوريا. وأكدت مصادر تركية أن الرجلين قدما خلال العام الأخير هذه الوعود لتركيا مما أفسح المجال لها للتحرك الجدي مع سوريا.
وكانت هذه هي الرسالة التي سلمها الأتراك للرئيس السوري والتي شكلت أرضية المفاوضات التي جرت وسوف تتواصل في تركيا. ومثلت هذه الرسالة في نظر الإعلام الإسرائيلي ما يمكن تسميته بـ«وديعة أولمرت» التي أتاحت انطلاق الجولة التمهيدية من المفاوضات بين الدولتين.
تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يرفضون الإقرار بوجود أي تعهد كهذا ويكتفون بتكرار ما سبق لأولمرت أن أعلنه بأنه يعرف ما تريده سوريا من إسرائيل وأن الرئيس السوري يعرف ما تتوقعه إسرائيل.
البلاغ المفاجئ
بعد ثلاثة أيام من المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الإسرائيلي والسوري تقرر إصدار بلاغ يوضح حقيقة ما يجري في العاصمة التركية. وكانت الجولة الأخيرة من المفاوضات قد بدأت عملياً قبل ثلاثة أسابيع عندما تم الاتفاق في المسار التفاوضي التركي على وصول الوفدين إلى تركيا. وبالفعل وصل الوفدان يوم الاثنين الماضي، وتداولا بطريقة غير مباشرة في الطريقة التي ينبغي أن تجري فيها المفاوضات المستقبلية بين الطرفين.
وتم الاتفاق، مساء أمس الأول، على الصيغة التي ينبغي الخروج بها، والتي أعلنت تقريبا في وقت متزامن في كل من تل أبيب ودمشق واسطنبول.
وجاء في الإعلان الرسمي الإسرائيلي أن إسرائيل وسوريا ستجريان مفاوضات غير مباشرة عبر تركيا بهدف التوصل إلى سلام شامل وكامل. وقد جرت المداولات بشكل جدي وشامل وفق قواعد مؤتمر مدريد. وأوحى البيان الإسرائيلي بأن المفاوضات لم تجر على أساس «وديعة رابين» ولا وفق المطلب السوري بالعودة للمفاوضات من النقطة التي توقفت فيها.
أما البيان السوري فقال: «صرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية بما يلي: بدأت سوريا وإسرائيل محادثات سلام غير مباشرة تحت رعاية تركيا وذلك لتحقيق هدف السلام الشامل وفقاً لمرجعية مؤتمر مدريد للسلام».
وتركز الخلاف في الشهور الأخيرة عبر المسار التركي على طريقة إجراء المحادثات. فقد طالبت إسرائيل بمفاوضات سرية ومباشرة ومن دون شروط مسبقة. أما سوريا فأصرت على مفاوضات علنية وغير مباشرة وبوساطة أميركية، مع تعهد مسبق بالانسحاب من هضبة الجولان.
ويبدو أن ما تحقق هو نوع من الحل الوسط بين المقاربتين الإسرائيلية والسورية: المفاوضات شبه علنية وغير مباشرة عبر الأتراك ومن دون شروط مسبقة على الأقل ليس الشروط المعلنة. وكما هو معروف فإن الأميركيين ليسوا في قلب المفاوضات كما طالب السوريون ولكنهم ليسوا بعيدين عنها.
وبحسب المعلومات المتوفرة حتى الآن فإن الإدارة الأميركية لم تعط لا ضوءاً أخضر ولا ضوءاً أحمر وإنما اكتفت بعدم الاعتراض تاركة أمر القرار النهائي للمسار السوري للإدارة الأميركية المقبلة. وكان الأميركيون في صورة كل الاتصالات الإسرائيلية السورية عبر كل من الإسرائيليين والأتراك. وثمة تقديرات إسرائيلية بأنه إذا تطورت الاتصالات الحالية إلى مستوى مفاوضات جدية فإن الأميركيين سوف يدخلون على الخط بثقلهم.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 22/5/2008