ارشيف من : 2005-2008

جولة خائبة لبوش: وداع شرق أوسطي لا يليق بإمبراطورية عظمى

جولة خائبة لبوش: وداع شرق أوسطي لا يليق بإمبراطورية عظمى

خلال سبع سنوات لم يفكر الرئيس جورج بوش في زيارة الشرق الاوسط،  فقط في العام الاخير من ولايته الثانية انتبه الى ان القضية الفلسطينية بتشعباتها المختلفة تشكل محورا رئيسيا في النزاعات التي تعصف بالمنطقة وتتهدد فضلا عن امن اسرائيل الحليف الاول للولايات المتحدة في العالم، المصالح الاميركية الكثيرة في هذه الجغرافيا المتوترة.
في خلال اربعة اشهر يزور بوش الشرق الاوسط في زيارة على الارجح هي الاخيرة له كرئيس اميركي، وهو كان يامل بانجاز ولو تفاهما شكليا يمكن ان يدرجه في سجله كمسؤول اميركي لم يهمل مصدر القلق الكبير على شبكة مصالح بلاده. وقد اطلق بوش لهذه الغاية مفاوضات اسرائيلية يقودها للمرة الاولى وزيرة خارجية اسرائيل تسيبي ليفني ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق احمد قريع، كدليل على الرغبة في احراز تقدم في ما تبقى من الاشهر الثمانية على مكوثه في البيت الابيض. وقد وفر بوش لذلك غطاء عربيا ودوليا من خلال مؤتمر انابوليس لدعم احياء التفاوض على المسار الفلسطيني، وكثف بعده من زيارات اركان ادارته ومن ضمنهم وزيرته المقربة كوندوليزا رايس ونائبه ديك تشيني. لكن التقديرات الموجودة في دوائر صنع القرار الاميركي لا تتوقع اختراقات جدية يمكن ان تتوج حصيلة المفاوضات، وان كان هناك من يبث تفاؤلات بين الحين والاخر، خصوصا من الجانب الاسرائيلي، لكن احسن التقديرات تذهب الى احتمال التوصل الى تفاهم نظري على الدولة الفلسطينية من دون حلول جذرية لقضايا الحل النهائي المتعلقة بها، ما يعني ان الامور تبقى كما هي دون تقدم حقيقي يستحيل تحقيقه في ظل الاثار الاستراتيجية المدمرة لكلا الطرفين المفاوضين الاسرائيلي والفلسطيني في حال فكّرا بتجاوز الخطوط الحمر المتفجرة من وجهة نظر الشارعين الاسرائيلي والفلسطيني والمنظومة الفكرية والعقيدية التي لا تسمح بالمس بهذه المحرمات، كل من وجهة نظره.
اذاً لا توقعات جيدة بالنسبة لجورج بوش، وبالتالي فهو متوقع ان يعود خالي الوفاض. وعليه فان بوش حول الانظار الى مكان آخر فاختار توقيت الزيارة بالتنسيق مع القيادة الاسرائيلية ليشارك في احتفالات الذكرى الستين لاعلان الدولة العبرية، وهي ليست مناسبة مبررة من حيث تواريخ الاحتفالات التي عادة ما تتعلق باليوبيل الفضي او الذهبي او مرور قرن، اي الفترات التي عادة ما تحتفل بها الدول. لكن اسرائيل استحضرت الستين عاما لتحشد دولياً بسبب خطورة اللحظة التي تمر بها، حيث تجد نفسها محاطة بسلسلة من الاخطار الوجودية المحاذية "لحدودها" الجغرافية، كخطر حزب الله على الحدود الشمالية (لبنان) او خطر الانعطاف في التفكير الاستراتيجي السوري الذي بات لديه قابلية ومؤهلات عسكرية لخوض مواجهة كبيرة مع اسرائيل، او خطر قوى المقاومة الفلسطينية على الحدود الجنوبية في غزة بعد التطورات المهمة التي شهدتها في اساليب وتقنيات وادوات المقاومة وفق ما اكتشفه الاسرائيليون في محاولاتهم الاخيرة لاجتياح غزة. وفوق كل ذلك يقف الخطر الوجودي الاستراتيجي الذي ينضوي تحته ويستفيد منه كل الاخطار الانفة الذكر ويشكلون محورا متصلاً جغرافياً، ذلك الذي ينام الاسرائيليون قيادة ورأياً عاما يومياً على هاجسه وهو تحول ايران الى دولة نووية مع ما يعنيه ذلك بالنسبة إليهم.
وبالتالي جاء بوش ليطمئن اسرائيل كلها الى اهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة والاستمرار في العمل على ضمان وجودها، بعدما وضعت التداعيات الجوهرية لعدوان تموز وانتصار حزب الله على اسرائيل عام 2006،  الدولة العبرية في مهب الريح، وباتت مقاربتها لمختلف الجبهات مسكونة بهاجس ما اصابها من انتكاسات في مختلف المجالات العسكرية والامنية، وهنا يصبح صمام الامان الاميركي حاجة ماسة بعدما باتت هذه الدولة اللقيطة مهددة من البر والبحر والجو، ومحاطة بشبكة من الاعداء القريبين جغرافياً والبعيدين جغرافيا، لكن القريبين بامكانياتهم العسكرية. وازاء العجز الاسرائيلي عن مواجهة شبكة الاعداء هذه وعلى راسهم ايران فان اسرائيل علقت على عاتق حلفائها الدوليين معالجة الخطر النووي الايراني، لذا اول ما استهل بوش زيارته كان تصريحات مكثفة لوسائل اعلام اسرائيلية كثيرة بان كل الخيارات متاحة ضد ايران، لكنه سمى منها الخيار الديبلوماسي ثم العقوبات والضغوط دون ان ياتي على ذكر الخيار العسكري.
لكن سوء حظ بوش واسرائيل معا هو تزامن الزيارة مع التطورات الميدانية في لبنان التي اذهلتها واستنفرت مراكز التفكير والقيادة والاستخبارات فضلا عن الجيش في اسرائيل ومؤسسات اميركية مشابهة، لتفسير ما حصل من تحرك ميداني عسكري لقوى المعارضة الوطنية اللبنانية واخضاع العاصمة بيروت لسيطرتها بعدما مست حكومة فؤاد السنيورة بشبكة اتصالات المقاومة وامن المطار، ما اعتبر تجاوزا للمحرمات، وبالتالي حصل ما حصل ليظهر فريق السلطة في لبنان معزولا خارجيا سوى من بيانات وتصريحات الدعم، وهو ما اكتفت به واشنطن نفسها مواظبة على كيل المديح لصديقها السنيورة، دون ان تبادر الى خطوات عملية، ما ادى في النهاية الى اذعان حكومة السنيورة والغاء قراريها اللذين تسببا بتفجير الازمة، وقد كانت تلك هدية من العيار الثقيل وجهتها المعارضة ومعها حزب الله لبوش وادواته في لبنان، وهو امر سيترك تداعياته على مجمل المقاربة الاميركية للملف اللبناني بعد الانتكاسة الكبيرة التي مني بها فريقها في هذا البلد. وقد كان بوش استدعى السنيورة الى شرم الشيخ للقائه هناك اثناء زيارته مصر لكن ما حصل سيضع اللقاء ان حصل في خانة مختلفة عما كان يمكن ان يوضع فيه لو لم يحصل ما حصل.
اما الملف الآخر الذي يحمله معه بوش فهو اسعار النفط والارتفاع الجنوني الذي يصيبها وانعكاساته على الاقتصاد الاميركي، ولذلك فهو سيحاول مجددا خلال الاحتفال بمرور خمسة وسبعين عاما على انطلاق العلاقات السعودية الاميركية الضغط على الرياض لضخ مزيد من كميات النفط في السوق لخفض سعره بعدما تجاوز المئة والستة والعشرين دولاراً، وهو يريد حسب الخبراء الاقتصاديين زيادة انتاج المملكة مليون برميل يومياً لهذه الغاية، تحت وطأة تهديد اعضاء ديموقراطيين في مجلس الشيوخ الاميركي بتعطيل إمرار صفقة لبيع اسلحة للسعودية بمئات ملايين الدولارات اذا لم تبادر الى خطوات تؤدي الى خفض اسعار المحروقات في الولايات المتحدة بين خمسين وخمسة وسبعين سنتاً، لكن اعضاء آخرين في الكونغرس حذروا من ان التهديد بخفض مبيعات الاسلحة لن يؤدي سوى الى خدمة ايران وزيادة التوتر في المنطقة، مشيرين الى ان المملكة يمكن ان تشتري اسلحة من دول اخرى. وعليه فان الحل حسب الخبراء، ما دام ان القضية دخلت في برامج الانتخابات الرئاسية الاميركية يمكن أن يكون على شكل سلة اقتراحات بينها اعفاء البنزين موقتاً من الرسوم وفرض رسوم على عائدات الشركات النفطية او تحرك الحكومة للحد من احتكار منظمة "اوبك"، فضلا عن ذهاب البعض الى حث المستهلكين الاميركيين على تخفيض استهلاكهم للطاقة ما قد يؤثر على المدى الطويل على المنتجين، لكن هناك من يشير الى الصين والهند كمستهلكين كبيرين يبقيان على الحاجة لهذه الطاقة كمصدر رئيسي عن اي طاقة بديلة.
وعليه فان بوش سيعود الى بلاده خالي الوفاض حتى دون ان يطمئن اسرائيل الى انها ستبقى في امان لانها ترى الاخطار المحدقة بها تتعاظم يوما بعد آخر، وفي المقابل فان قوة الولايات المتحدة وهيبتها تتراجع يوما بعد آخر ايضاً.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008

2008-05-16