ارشيف من : 2005-2008

بعد كوسوفو، جورجيا في مهب رياح الحرب الباردة

بعد كوسوفو، جورجيا في مهب رياح الحرب الباردة

سواء تعلق الأمر بكوسوفو أم بالدرع الصاروخية الأميركية، أم بتقدم الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي من حدود روسيا، يبدو أن الروس يعولون، في الحرب الباردة الجديدة، أولاً، أو بانتظار حدوث تحولات استراتيجية، كانتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى الديموقراطيين، في ظل مآزق الأميركيين في الشرق الأوسط... يعولون على القوى المحلية: صرب كوسوفو ونوازع انفصالية في بلدان أوروبية أخرى، المعارضة الأوكرانية المعادية لفكرة الانضمام إلى الأطلسي، والمعارضة التشيكية المعادية لفكرة الرادار والوجود العسكري الأميركي، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لتأديب جورجيا المستعجلة على تحصيل هوية غربية. تظاهرات عديدة جرت في تشيكيا لرفض إقامة الرادار الذي يشكل جزءاً من منظومة الدرع الصاروخية، واستطلاعات الرأي بينت أن ثلثي السكان التشيك يعارضون المشروع. الناطق باسم البيت الأبيض لا يرى أن ذلك هو السبب في تعثر المفاوضات الجارية حول هذا الموضوع بين الحكومتين الأميركية والتشيكية، وهي المفاوضات التي كان من المفترض أن تفضي إلى التوقيع في أوائل أيار/ مايو الحالي، والذي أجل إلى حزيران/ يونيو على أقل تقدير، وفق ما تريده الحكومة التشيكية. السبب هو، برأيه، ضيق وقت كوندوليسا رايس، مع التأكيد على عدم وجود خلافات بين الطرفين... برغم الموقف المعارض من الأكثرية الساحقة في الشارع التشيكي!      
وبانتظار التوصل إلى اتفاق في هذا المجال، ينتقل مركز التوتر إلى جورجيا، حيث يبدو أن روسيا قد اختارت العمل عليها رداً على استقلال كوسوفو المدعوم أميركياً وأوروبياً، وكذلك على السعي الجورجي الحثيث للانضمام إلى الحلف الأطلسي. وقد بدأ الرد في 16 نيسان/ أبريل الماضي، أي قبل ثلاثة أسابيع، عندما قررت روسيا رفع مستوى التعاون الاقتصادي مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما إقليمان تابعان لجورجيا سبق لهما أن أعلنا استقلالهما من طرف واحد، في بداية التسعينات، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ودافعا عن استقلالهما بقوة السلاح، في حرب استمرت لسنوات مع السلطة المركزية في جورجيا. الخطوة الروسية تجاه الإقليمين اللذين لم يحظيا، على العكس من كوسوفو، بأي اعتراف دولي، اعتبرتها جورجيا إجراء يسبغ شرعية على أمر واقع يفضي  إلى ضمهما من قبل روسيا. وبعد مقابلة مع خافيير سولانا، نبه وزير الخارجية الجورجي إلى أن عملية الضم لم تعد غير مسألة وقت إلا إذا عمد كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقوى الفاعلة في الأسرة الدولية إلى اتخاذ مواقف تعلم روسيا بأن المضي قدماً في مشروعها سيكون مكلفاً وذا تأثيرات سلبية على علاقاتها بشركائها الكبار. وإلى جانب الاستنجاد بالغرب، هددت جورجيا، على طريقة الكبار، بتعطيل انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية  إذا لم تضع حداً لعملية التقارب مع الإقليمين الانفصاليين. وفي هذه الأثناء، اكتفى الغربيون بالتعبير عن القلق وبمطالبة روسيا بالتراجع عن قرارها، وسط اتهامات بالتقاعس وجهها العديد من الكتاب المرتبطين بجماعات الضغط.
ولم يلبث التوتر أن ازداد حدة مع اتهامات متبادلة بالتوتير. فقد وجهت روسيا إلى جورجيا تهمة الإعداد لحملة عسكرية على الإقليمين وعمدت إلى زيادة عدد جنودها فيهما بغية الدفاع عن الرعايا الروس. وإذا كان أحد المصادر الجورجية قد نفى التهمة واعتبرها أمراً سخيفاً يعتمد على معلومات تضليلية، فإن مصدراً جورجياً آخر، صرح بأن جورجيا قد أعدت، بالتعاون مع خبراء أجانب، لعمل عسكري ضد أبخازيا، مؤكداً أن هذا العمل سينفذ في غضون أيام وسيشارك فيه سبعة آلاف جندي. التناقض نفسه برز في نفي جورجيا إسقاط طائرة تجسس تابعة لهم فوق أبخازيا، ثم اعترافها بأنها أسقطت بصاروخ روسي. وقد أعقب هذا النفي نفي آخر لتصريحات أعلن فيها مسؤولون أبخاز أن قواتهم المسلحة أسقطت طائرتي تجسس غير الطائرة الأولى. ومع تصاعد التوتر، تصاعدت حدة الاتهامات الغربية لروسيا بالعمل على زعزعة منطقة القفقاس، وأسرع وزير الخارجية الجورجي إلى واشنطن، ثم إلى بروكسل، ليقنع الغربيين بأن روسيا تحضر لعدوان عسكري واسع النطاق على جورجيا ضمن إطار خطة لاسترجاع جميع البلدان الخارجة من الأسرة السوفياتية، في وقت ترددت فيه اتهامات، في جورجيا وخارجها، مفادها أن تردد الناتو والغرب عموماً يشجع روسيا على المضي بمشروعها حتى النهاية. وفي غمار سعي بعض الأوساط المتطرفة إلى دفع الأمور باتجاه المزيد من التوتر، تتصاعد الحملات على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وسط تصريحات تتهمه بإعادة روسيا إلى "نوع فج من الشمولية بملامح فاشية"، على ما يقوله أحد الأكاديميين الفرنسيين. ومع انتقال منصب الرئاسة في روسيا إلى ديمتري ميديفييف، لفت العديد من المصادر الغربية إلى أنه سيكون الصانع الأول للسياسات الخارجية الروسية، وأن ميوله الليبرالية قد تجعله أكثر ليونة من سلفه، في حين تؤكد مصادر اخرى، منها كوندوليزا رايس، الخبيرة بالشأن السوفياتي سابقاً، بأن ميديفييف لن يفعل غير مواصلة وتعميق سياسات بوتين الذي لا يزال يتحكم عملياً بمجمل القرار الروسي.   
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008

2008-05-09