ارشيف من : 2005-2008

أميركا غير موافقة على توافق الباكستانيين... والأفغان... وغيرهم!

أميركا غير موافقة على توافق الباكستانيين... والأفغان... وغيرهم!

آخر الأخبار من أفغانستان تحدثت عن مقتل جندي أسترالي وجرح أربعة آخرين. خبر عادي من النوع الذي ألف الناس سماعه يومياً منذ العام 2001، تاريخ بداية الغزو الأميركي ـ الدولي لأفغانستان، مع فارق تغير جنسيات القتلى بين أميركي وبريطاني وهولندي وفرنسي ودانماركي وكندي... والكثير من الأفغان، بين مقاتلين ومدنيين. إثنا عشر ألف أفغاني قتلوا خلال العامين الماضيين، جلهم مدنيون، مقابل 330 أجنبيا، كلهم عسكريون. ارتفاع عدد الضحايا المدنيين كان أبرز المواضيع التي بدا أنها تثير استياء الرئيس حامد قرضاي في آخر كلام له، قبل نجاته من الهجوم الذي شنه مقاتلو طالبان على العرض العسكري الكبير الذي أقيم في كابل قبل أيام، احتفاءً بالذكرى السادسة عشرة لسقوط نظام بابراك كرمال الشيوعي.
 ففي مقابلة له مع نيويورك تايمز، انتقد قرضاي طريقة الأميركيين والبريطانيين في تنفيذ الأعمال الحربية والأمنية، مشتكياً من ارتفاع نسبة الضحايا المدنيين، ومن الهجمات التي تشنها قوات التحالف على القرى الأفغانية، بينما التهديد الأكبر يأتي من مناطق الحدود مع باكستان. كما اشتكى من كثرة أعمال الاعتقال والتنكيل التي يتعرض لها الأفغان من قبل قوات التحالف، معتبراً أن ذلك يزيد نقمة الناس على نظامه الحاكم ويحول دون استسلام مقاتلي طالبان للسلطات الأفغانية. كما طالب بالمزيد من استقلالية القرار، وغمز من قناة التحالف عندما أكد أن المطلوب هو بناء الدولة الأفغانية لا إضعافها.
من الواضح أن هذا الكلام الخطير الصادر عن قرضاي بحق قوات الاحتلال، التي حملته إلى موقع الرئاسة في أفغانستان، يعكس حالاً من الاضطراب في العلاقة بين الطرفين، ويقدم دليلاً كبيراً على فشل قوات التحالف والنظام الأفغاني في الإمساك بزمام الوضع، بعد سبع سنوات من حرب يشارك فيها 70 ألف جندي من تحالف يضم 36 دولة، إضافة إلى قوات الجيش والشرطة الأفغانية. ولا ندري ما إذا كان هذا الكلام على صلة بالهجوم الذي تعرضت له المنصة التي كان يجلس فوقها قرضاي وسط حشد القادة والوجهاء المشاركين في الاحتفال بيوم الجيش الأفغاني. فالحقيقة أن بعض المراقبين استغربوا تمكن طالبان من الاقتراب من المنصة، في قلب كابل، وقدرتهم على مهاجمتها بالقنابل والأسلحة الرشاشة، برغم ما يفترض من وجود إجراءات أمنية احترازية. وإذا ما وضعنا الشك جانباً واعتبرنا أن الهجوم هو من صنع طالبان، وأنه قد برهن على الوهن الذي تعاني منه قوات التحالف والقوات الحكومية، فإن ذلك لا يلغي وجود تضارب في التوجهات، حول أشكال التعامل مع طالبان، في وقت يدور فيه الحديث عن مساع للتهدئة والمشاركة بين طالبان وقرضاي. وعلى أي حال، فإن انتقادات قرضاي التي جاءت في وقت بات من المؤكد فيه أن الاحتلال الأميركي لأفغانستان قد فشل في تحقيق أهدافه، ووضع الحلف الأطلسي نفسه على حافة التفكك، تعكس حالاً من التململ ربما تكون الأساس في ظهور توجهات نحو وفاق داخلي غير مرضي عنه أميركياً.
وإذا كان الغموض يكتنف، إلى درجة ما، الحالة الأفغانية في هذا المجال، فإن الحالة الباكستانية أكثر وضوحاً. فالمعروف أن نظام الرئيس برويز مشرف هو الحليف الأول للإدارة الأميركية في حربه على الإرهاب، وأن هذا النظام يخوض بدفع ودعم من قبل الأميركيين حرباً لا هوادة فيها على من يوصفون، على اختلاف التسميات، بالمتشددين الإسلاميين، أو رجال القبائل، أو طالبان باكستان، أو فلول القاعدة في المناطق الباكستانية المحاذية لأفغانستان. والمعروف أن كلاً من الفصيلين الأساسيين في المعارضة الباكستانية قد أبدى استعداده، خلال المعركة الانتخابية الأخيرة، للتفاوض مع الإسلاميين. ومنذ فوز المعارضة في الانتخابات التشريعية التي جرت في 18 شباط/ فبراير، وتشكيلها حكومة وفاق وطني في الأول من نيسان/ أبريل، دخلت بالفعل في مفاوضات مع أولئك المقاتلين وتم بنتيجة ذلك، التوصل إلى مشروع اتفاق للسلام، بعد أن وافق كل طرف على أكثر المطالب التي تقدم بها الطرف الآخر. لكن هذا الاتفاق بين الباكستانيين والذي تحتاج إليه باكستان أكثر من أي شيء آخر من أجل لملمة أوضاعها الصعبة على أكثر من مستوى، لم يعجب الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين! فقد أعربت واشنطن، بلسان الناطق باسم البيت الأبيض، دانا بيرينو، عن انزعاجها من المفاوضات، وطلبت من الحكومة الباكستانية أن تستمر في مقاتلة من وصفتهم بالإرهابيين. أما خافيير سولانا، المفوض الأوروبي لشؤون الخارجية والأمن، فقد أعلن رفضه لمفاوضات تجري مع جماعات على صلة بالقاعدة.
وعلى اختلاف الذرائع والتسميات، وسواء تعلق الأمر بباكستان وأفغانستان أم بالعراق وفلسطين ولبنان وغيرها من الأقاليم والبلدان، فإن النهج المعتمد من قبل الأميركيين وحلفائهم واضح تمام الوضوح: على الدول والشعوب والقبائل والفئات والأفراد أن تختلف وأن تتقاتل، وخصوصاً في العالم العربي والإسلامي. وإذا كان البعض قد وضعوا بيوضهم في السلة الأميركية، فإن بوادر التلاقي والتفاهم الضروريين قد بدأت بالظهور هنا وهناك، لتكون الكلمة الأخيرة لأم الصبي ولأهل الدار، لا للقادمين بجيوشهم من وراء البحار! 
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008


2008-05-01