ارشيف من : 2005-2008

لا نكبة بعد انتصار المقاومة في حرب تموز: يوم تحرير فلسطين آتٍ آتٍ

لا نكبة بعد انتصار المقاومة في حرب تموز: يوم تحرير فلسطين آتٍ آتٍ

ستون عاماً وأمل العودة لا يزال يسكن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وبعد انتصار المقاومة في حرب تموز لم يعد الأمل مجرّد تمنيات، إنما بات حقيقة ناصعة.
في ذكرى النكبة المؤرخ الفلسطيني "حسين لوباني" ابن قرية الدامون في قضاء عكا، التي غادرها عندما كان عمره 12 عاماً، حين  أجبرته العصابات الصهيونية على مغادرتها الى لبنان في أواخر أيار من العام 1948، وبرغم عمره السبعيني، يعتقد أن حلم العودة يقترب أكثر من أي وقت مضى.
"الانتقاد" التقت المؤرخ حسين لوباني وكان اللقاء التالي:
 
* بعد ستين عاماً على النكبة، "اسرائيل" تعيش القلق على وجودها ومستقبلها في وقت أعاد انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 الأمل بالعودة الى فلسطين، فهل يمكن استبدال النكبة بالانتصار؟
استبدال النكبة بالانتصار المجلى أمر محسوم في ظل وجود المقاومة الإسلامية مدعومة بقوى اسلامية وعربية تحررية وبفصائل فلسطينية تمتلك النيّة الأكيدة لاستمرار النضال من أجل تحرير التراب الفلسطيني كاملاً.
بالتأكيد تعيش "اسرائيل" قلقاً على وجودها منذ لحظة نشوئها في 15 أيار من العام 1948، وذلك لأنها تشكل كياناً مختلفاً عن جسم الكيان المحيط بها دينياً وقومياً ووطنياً وتاريخاً وحضارة، وإذا عدنا الى التاريخ نتذكر أحد زعماء العدو المدعو بن غوريون، وهو الرئيس الثاني لهذه الدولة المسخ، وكيف بعد أن نجح في طرد أكثر سكان فلسطين قال: بعد (50) عاماً لن يبقى هناك فلسطيني يعتقد بالعودة الى فلسطين، وها قد مضى (60) عاماً بالكمال والتمام وما زالت قضية فلسطين هي القضية المركزية عالمياً، وأكثر المسائل الشائكة التي تواجهها الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

* كمؤرخ فلسطيني، ما هي الأحداث والمواقف التي ارتكبها العرب وكانت سبباً في النكبة؟
من أهم أسباب نكبة الفلسطينيين مواقف بعض الدول العربية في مقابل نكبة الـ48 وأثناءها وبعدها. أضف الى ذلك مواقف بعض القادة الفلسطينيين الذين لم يكونوا بمستوى المعركة التي فرضت نفسها عليهم، سواء سياسياً أو عسكرياً ونحوهما، فكان بالإمكان للشعب الفلسطيني المناضل أن يحرر أرض فلسطين كاملة لولا تدخل دول عربية للقبول بالهدنة الثانية يوم انهارت القوة الإسرائيلية بالكامل، ولم تبقَ لهم إلاّ مدينة تل أبيب، حيث تدخل ملوك ورؤساء، وعلى طريق عادتهم المأثورة "تقبيل اللحى والوعود العسلية" التي أثبتت الأيام أنها كانت وعوداً عرقوبية.
هناك سلسلة من الأخطاء والمواقف الخاطئة التي أوصلت فلسطين وأهلها الى ما وصلوا اليه، منها: قبول العرب بمعاهدة "سايكس بيكو" (1916)، عدم ثورتهم على وعد بلفور وعدم رفضهم له في 2 تشرين الثاني 1917، وقبولهم بمندوب سامٍ صهيوني على فلسطين (هربرت صموئيل)، اضافة الى انشاء المستوطنات الاسرائيلية بدءاً من العام 1882، زمن السلطان التركي عبد الحميد الذي أُسَّست على أيامه عدة مستوطنات، منها كفرعسيون وتل أبيب وكفر تسرين وغيرها، ولا ننسى قبول الفلسطينيين بوساطات ملوك العرب التي لم يأتِ من ورائها إلاّ الضرر، وعدم رفضهم فكّ وحلّ الإضراب الشعبي الذي كان هو أشهر اضراب عرفه التاريخ، بعدما اجتازت مدّته الزمنية ستة أشهر، وقدوم جيش الإنقاذ الذي دخل ليحرر فلسطين، خصوصاً أن دخوله كان ضعيفاً هزيلاً مفككاً وتدور حول بعض قادته علامات استفهام.. مثل هذه المحطات وغيرها العالمي والدولي والعربي والإسلامي والفلسطيني عوامل متشابكة ومختلفة أدّت الى ما وصلنا اليه من نكبة عظيمة حلّت بشعب فلسطين.


* هل النكبة مجرّد فترة زمنية أم هي حالة تلبّستها الأمة العربية والإسلامية ولا تزال مستمرّة الى يومنا هذا؟
ما نشهده اليوم من احتلال لأرض القداسة "فلسطين" هو احتلال مؤقت، وهنا يمكننا أن نعطي الكثير من الأمثلة التي عرفتها أرضنا الطيبة "فلسطين".. يوجد العديد من الشعوب والأمم مرّت فوق التراب الفلسطيني، وإذا سألنا عن مصيرها نرى أنها حُلّت بالمقاومة والنضال وبقيت فلسطين كما كانت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، عربية وكنعانية وإسلامية لاحقاً، لتستمر حتى زمننا هذا. والآن لماذا نذهب بعيداً؟ فقد احتلها الصليبيون مدة تعدّت مئتي عام ثمّ حرّرت بعد هذه المسافة الزمنية الطويلة، وعادت الى أصحابها أهل فلسطين، والتاريخ سيعيد نفسه ولو مضت ستون سنة على احتلال فلسطين، فإنها ستعود الى أهلها ما دام هناك مقاومة اسلامية مؤمنة بتحرير أرض القداسات وبإعادة الحق الشرعي لأصحابه الشرعيين، وهم أهل فلسطين المظلومون الذين طُرِدوا ظلماً وعدواناً.

* ما علاقة القدس بالنكبة، وهل يمكن أن نتحدث عن دولة فلسطينية من دون القدس؟

لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نتحدث عن دولة فلسطينية مستقبلية في الضفة الغربية أو في قطاع غزّة أو في مناطق أخرى من دون مدينة العزّة والدين والرسل والكرامات، أعني بها مدينة القدس، المدينة المباركة في القرآن الكريم. والفلسطينيون يعون خطورة ان تكون لهم دويلة أو سلطة على جزء من فلسطين دون العاصمة التاريخية "القدس". ونحن كفلسطينيين ندرك جيداً أن لا قيمة لأي دولة او سلطة من دون القدس عاصمة لهذه البقعة المحررة.. إذاً القدس باقية وهي عنوان العودة، ولا ننسى ما قاله آية الله العظمى الإمام روح الله الخميني (قده): "الأقصى أولاً"، ونحن مع هذا التوّجه الديني التاريخي.

* ما هي المراحل التي مرّت بها المقاومة خلال حرب التحرير المستمرّة؟ وأين نقاط القوة فيها؟
مرّت المقاومة الفلسطينية بمراحل وظروف مختلفة متماسكة أحياناً ومهتزّة مخلخلة أحياناً أخرى. فالمقاومة الفلسطينية قبل النكبة كانت عبارة عن مجموعات من المجاهدين المقاومين المناضلين الذين اتخذوا من الجبال والأودية والغابات معتصماً لهم لمناجزة العدو الأكبر، وهو الجيش الإنكليزي. هذه المقاومة كان يغلب عليها الحماس والغيرة على الدين والأرض والعرض، غير انها لم تكن تحسن التنسيق والتنظيم والقيادة الموحّدة بين جماعاتها وفصائلها، خاصة أنهم كانوا يواجهون عدواً جاء من أوروبا يمتلك تفكيراً منظماً ويعمل بأداء تقني سليم جماعي. ففي الوقت الذي كان سلاح المناضل الفلسطيني " بارودة مهكعة" كان سلاح اليهودي قطعة حديثة "ستن، برن، هوشكيز".. وبينما كنا نستعمل الدواب لحمل السلاح كانوا يستعملون الملالات والدبابات.
فالبون شاسع بين عقل جماعي منظّم وسلاح حديث، ومقاومة مشرذمة يغلب عليها الحماس والبدائية في السلاح. وشاءت الأقدار أن يخرج جزء كبير من أهل فلسطين الى خارجها، حتى منّ الله على الفلسطينيين بقادة جدد أنشأوا تنظيمات وفصائل يغلب عليها الحماس والشوق لتحرير فلسطين "الحلم"، فظهرت فصائل في الخمسينيات لم تكن بالمستوى التحرري، ثم في منتصف الستينيات ظهرت المقاومة الفلسطينية الحديثة "فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وغيرها، لتشهد زمناً طال واستطال لهذه المقاومة التي انبثق عنها ما يسمى منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وكانت أحداث في الأردن ومعركة الكرامة، فخرج المقاومون من الأردن ليستقروا في لبنان لتكوين أحداث لم يحسن الفلسطينيون استغلالها بالطريقة الحضارية السليمة مع أهلنا في لبنان، فكانت الاعتداءات الإسرائيلية والحرب الأهلية اللبنانية التي اضطرت المقاومة الفلسطينية إلى الخروج من بيروت أواخر آب 1982 لتصبح المقاومة حالة صعبة ويبتعد حلم تحرير فلسطين مؤقتاً، إلى أن كانت ثورة الحجارة في كانون الأول 1987 من الداخل الفلسطيني، لتستعر الثورة من جديد وتبرق لمعات من الأمل بأن الفلسطينيين المجاهدين موجودون ومصمّمون على استعادة حقّهم أو حقوقهم في أرضهم الحبيبة فلسطين.


* برأيك لماذا لا تقف الأنظمة العربية الى جانب المقاومة؟
"غالي والطلب رخيص"! لقد مرّت في الخمسينيات والستينيات ظروف تحررية ذات سمة عالمية، حيث وقفت الدول العربية بكاملها تقريباً وقوى التحرّر العالمية الى جانب المقاومة الفلسطينية عندما كانت تدعمها بالسلاح والعتاد والتدخلات في شؤون هذه التنظيمات، ما تسبّب بظهور بعض التنظيمات الموالية لبعض الدول العربية المتصارعة في ما بينها، ما ترك آثاراً سلبية الى زمن صار من المألوف جداً أن ترى جماعة الحكام العربان يهرولون تجاه القوة العظمى الوحيدة الفريدة "أميركا" لخطب ودّها خوفاً على مناصبهم وكراسيهم، فهذه الأنظمة أصبح دورها الآن حماية نظامها القمعي غير التحرري ليستمروا جالسين على عروشهم.


* العودة هو الحلم الفلسطيني الدائم، هل تعتقد أنه اقترب من الحقيقة؟
كل فلسطيني سواء ولد في فلسطين او خارج فلسطين يحلم باستمرار العودة المؤزرة الى أرض فلسطين الحبيبة برغم صعوبة الظروف الدولية وبرغم بطش "اسرائيل" وافتعال المجازر اليومية بحق أبناء شعبنا في غزة خاصة.. برغم كل هذه الظروف فإن الحلم بالعودة هو حالة ذهنية دائمة، ونعتقد كل يوم أنه في الغد سنعود ونعود بعونه تعالى في ظلّ وجود قوى مؤمنة بالله وبتحرير فلسطين، كما هي الحال في المقاومة الإسلامية اللبنانية التي نعوّل على استمرارها قوية عظيمة في وجه قوى الظلم والعدوان، قوى الباطل، وسينصر الله حزبه المؤمنين وجماعته المؤمنين، وإن يوم التحرر آتٍ لا ريب فيه.


* إذا أردت أن تهدي تاريخ فلسطين، ماذا تقول؟
 يا فلسطين الحبيبة، أرض الرسالات والكرامات والشهداء، تعلمين أكثر من غيرك أن هناك أمماً وأقواماً مروا على ترابك الطاهر فدنّسوه بعضاً من الوقت ثمّ رحلوا وزالوا.. ويا فلسطين استمرّي بالاعتقاد نفسه بأن دولة الكيان الصهيوني العجيب الغريب لن تدوم، وسيكون مصيرها كمصير الأقوام السابقين الذين جاؤوا وراحوا.. يا فلسطين، أقول لك باسم كل فلسطيني:
سنرجع يوماً إلى جبّنا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمرّ الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا
أجرت الحوار: أمل شبيب
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008


2008-05-09