ارشيف من : 2005-2008
"محرقة صهيونية" تهدد قرية العقبة الفلسطينية الخضراء
فلسطين المحتلة – "الانتقاد"
على أبواب الشتاء عام 2003، قرر الفلسطيني أحمد حمدان الجابر من قرية العقبة في الأغوار الشمالية، المجازفة بسقف منزله الذي لم تعد "ألواح الصفيح المغطى به" تقي أطفاله التسعة برد الشتاء ولا حر الأغوار القيظ، "وبرغم التهديد الإسرائيلي بهدم المنزل" تقول زوجة الجابر أكملنا بناءه.
ومؤخرا بعد خمسة أعوام تقريبا، قررت المحكمة الإسرائيلية العليا، هدم منزل عائلة الجابر، ضمن ما عرف بقرار "إبادة قرية العقبة الفلسطينية" الذي ضم هدم 18 منزلا ومسجد القرية وروضتها ومركزها الصحي ومدرستها الابتدائية.
تقول الزوجة "أم نصر الجابر": "لدينا تسعة أبناء أكبرهم ابنتي في العشرين من عمرها، وأصغرهم في الخامسة، ولا يوجد لدينا أي مأوى عدا هذا المنزل الذي بنيناه بعرق سنوات طويلة، وإذا ما نفذ قرار هدم منازل القرية، فإننا سنلقى في الشارع، هذا إذا سمح لنا أن نبقى هنا".
إلى الخيمة مرة أخرى
تعيش أم نصر وزوجها وأبناؤها التسعة كما نحو 300 مواطن فلسطيني يسكنون قرية العقبة الصغيرة "شمال الضفة الغربية" من خلال رعي أغنامها وزراعة أرضها التي صادر الاحتلال أغلبها منذ احتلال القرية عام 1967.
وفي الذكرى الستين لنكبة فلسطين الكبرى، توجه أم نصر باسم أطفالها التسعة نداءً إنسانيا للعالم، كما تقول: "إسرائيل تريد إعادة نكبة القرية وإبادتها، لكننا باقون هنا، وإذا ما نفذوا قرار هدم المنزل فسنعود للخيمة ولن نرحل".
وللاطلاع على حيثيات "المحرقة" التي تخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها في قرية العقبة "الأكثر شبها بقرى الجنوب اللبناني" حسب وصف الضباط الإسرائيليين، يتحدث رئيس المجلس القروي سامي صادق، عن حالة من الصمود المتواصل امتد مع بضع عشرات من العائلات الفلسطينية منذ عام 1967 وحتى العام 2008 الجاري، دون أن تتمكن معسكرات الجيش الإسرائيلي وتدريباته بين أنفاس المواطنين وأطفالهم من تفريغ القرية من أهلها.
معسكرات وحملات تهجير
يقول رئيس المجلس القروي إن العقبة وهي إحدى قرى الأغوار الفلسطينية التي تقع اليوم خارج أية محادثات سلمية يفرضها الجانب الإسرائيلي على الفلسطينيين، إنها لم تكن يوما فارغة من السكان، أو معسكرا لتدريب الجيش الإسرائيلي كما يروج الاحتلال، حيث صمدت عشرات العائلات بينهم من سكن بيوتا من الطوب وآخرون في بيوت من الشعر منذ احتلالها عقب حرب عام 1967، برغم المضايقات الإسرائيلية اليومية ومحاولات تهجيرهم.
700 مهجّر وعشرات الضحايا
وفي ظل استمرار منع البناء في القرية، وتواصل الهجمات العسكرية المتكررة التي نفذها جيش الاحتلال أجبر عدد كبير من سكان القرية بعد الحرب مباشرة على الهجرة إلى الأردن، في حين اضطر 700 مواطن آخرين للانتقال والعيش في قرية تياسير أو بلدة طوباس المجاورتين بعد أن هدمت بيوتهم أو فقدوا فرصة البناء بعد منعهم من ذلك.
وعقب انتهاء الحرب مباشرة، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرية العقبة منطقة عسكرية مغلقة يمنع الدخول إليها أو الخروج منها لفترة طويلة، وضيقت سبل العيش على السكان في محاولة لتوفير أسباب الهجرة.
يقول سامي صادق: أقامت إسرائيل على أراضي العقبة ثلاثة معسكرات لتدريب الجيش الإسرائيلي، وبدأت باستخدام القرية كنموذج للتدريب على الحرب في لبنان في سنوات نهاية السبعينات، حيث وصفها الضباط الإسرائيليون بأنها شبيهة جدا ببيئة وتضاريس القرى اللبنانية المحاذية لحدود فلسطين الشمالية.
وخلال التدريبات العسكرية التي كانت تنفذها وحدات الجيش الإسرائيلي المختلفة على أرض القرية، سقط أكثر من ثمانية شهداء و50 جريحا، وكان رئيس المجلس نفسه أحد هؤلاء الجرحى في مناورات عام 1971.
حين ظنوا أن هناك سلاماً!!
وفي هذه الأثناء، منعت سلطات الاحتلال توفير أية خدمات إنسانية في القرية حتى عام 1998، حيث يروي رئيس المجلس: عندما اعتقدنا أن الإسرائيليين دخلوا في اتفاقية سلام مع الفلسطينيين وأصبح بالإمكان توفير خدمات إنسانية لعشرات العائلات التي صمدت في القرية،
وبعد فشل الضغوط على أهالي القرية من أجل ترحيلهم، يقول صادق: شكلنا عام 1998 مجلسا قرويا وجمعية المرأة الريفية الخيرية لدعم النساء في القرية، وجمعية العقبة الزراعية للاعتناء بالمزارعين، وكذلك بدأنا العمل على رفع قضايا في المحكمة الإسرائيلية العليا من أجل إزالة المعسكر الإسرائيلي المتبقي على أراضي القرية، ومن ثم توجه أهالي القرية إلى بناء منازل على أراضيهم بمساعدة بعض المؤسسات المدنية.
وقام الأهالي في ذلك العام ببناء مسجد صلاح الدين الأيوبي وكذلك مستوصف الأمل الصحي وروضة أطفال تضم اليوم 130 طفلا، إلى جانب بناء مدرسة ابتدائية، للمساهمة في سد حاجة القرية إلى الصفوف المدرسية حيث كان على الطلبة الأطفال والكبار التوجه إلى قرى مجاورة لتلقي تعليمهم.
في عام 2003 نجح أهالي القرية في استصدار قرار من المحكمة الإسرائيلية العليا لإزالة المعسكر الإسرائيلي الأخير الجاثم على مدخل القرية، وهو الذي هدد أملاك وأرواح المواطنين، حيث كان جنوده يجرون تدريباتهم بين المنازل وفي حقول المواطنين على مدار عشرين عاما- من 1983-2003.
بدأت المحرقة
ولكن بعد هذا القرار، وفي 23-12-2003 ومباشرة بعد إزالة المعسكر سلمت سلطات الاحتلال انذرات بهدم 13 منزلا ومنشأة في القرية بينها المسجد والروضة والمركز الصحي. وعدد من الجدران الاستنادية العامة إلى جانب تدمير الشوارع العامة والداخلية بين المنازل.
وبعد عام 2003 دأبت حكومة الاحتلال على إنذار كل من يشرع في بناء منزله في القرية حتى وصل عدد الإنذارات إلى 35. وسبق ذلك هدم سبعة منازل مع بركة مياه عامة وتدمير شبكة الكهرباء والخطوط الهاتفية عام 1999.
وحسب رئيس المجلس، كانت الذرائع تتركز على أن هذه القرية مخصصة لتدريبات الجيش الإسرائيلي، وهي منطقة عسكرية مغلقة لا يجب السماح بالبناء فيها، ولكن في الآونة الأخيرة عندما تدخل عدد من السفارات الأجنبية بناء على نداءات وجهتها القرية، صارت سلطات الاحتلال تعلل قرار الهدم بسبب "عدم الترخيص".
ويفند صادق الادعاء الإسرائيلي بالقول إن هذا افتراء وحملة إسرائيلية للتغطية على قرار إبادة القرية، لأن كافة المنازل والمؤسسات في القرية تمتلك الأوراق التي تثبت التقدم بطلبات ترخيصها من سلطات الاحتلال.
خارطة جديدة..بلا أراض
عام 2004 سلمت سلطات الاحتلال المجلس القروي في العقبة خارطة جديدة للقرية تضم فقط 3% من أراضيها، وهذه النسبة تعادل فقط 100 دونم يسمح ببناء المنازل والزراعة وإقامة مؤسسات عامة فيها. وهي المنطقة التي ضمت المنازل القديمة للقرية والتي تفتقر إلى أراض للبناء.
ومن اللافت أن القرار الإسرائيلي بهدم 35 منزلا ومنشأة في البلدة، ضم أيضا المسجد والمركز الصحي والروضة التي بنيت في هذه المنطقة المسموح بها، وبذلك تكون الإنذارات بالهدم شملت حتى المباني وبعض المنازل الواقعة ضمن المخطط الذي قرر في عام 2004، ورسمت 97% من الأراضي خارج مخطط القرية.
ويوضح رئيس المجلس أن المنازل التي وقعت في خارج حدود الدائرة التي رسمتها سلطات الاحتلال تقرر هدمها كاملة أيضا وتبلغ 18 منزلا، وعند قرار الهدم اعتمد القاضي الإسرائيلي الخارطة التي أعدها الجيش عام 2004.
مخطط للسيطرة على الأغوار
ويرى سكان القرية أن قرار إبادة قريتهم وتهجيرهم منها، هو مخطط عسكري وسياسي ولا يتعلق بأي حال من الأحوال بالتراخيص، لأن طلبات التراخيص التي تقدموا بها منذ عام 67 موجودة لدى الجيش الإسرائيلي لكنه رفض اصدار أية وثيقة تثبت حق المواطنين أو ملكيتهم لأرضهم أو منازلهم بحجة أن هذه منطقة عسكرية.
وتظهر جليا الغاية الإسرائيلية من إبادة قرية العقبة الصغيرة عند معرفة جغرافيا العقبة المميزة التي تتخذ موقعا استراتيجيا يشرف على الأغوار الشمالية وفي حالة إزالتها سيكون من السهل على السلطات الإسرائيلية السيطرة الكاملة على كل الأغوار.
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008