ارشيف من : 2005-2008
قراءة في المواقف الغربية والعربية من التطورات!
أميركا تخذل "رهانات جماعتها" غضب السعودية لن يغير شيئاً والموقف الشعبي العربي مع المقاومة
بعد ساعات على ذيوع نبأ عودة البارجة الأميركية "يو أس أس كول" إلى البحر المتوسط، سارعت الإدارة الأميركية إلى قطع كل الشكوك والتفسيرات وأعلنت أن هذه البارجة انما عادت في مهمة روتينية. وبدد هذا التوضيح رهانات الكثيرين على امكان أن تترجم واشنطن تهديداتها شبه اليومية للمعارضة الوطنية في لبنان، ودفع بالعديد من رموز الموالاة إلى القول تصريحاً وتلميحاً إن دعم ادارة جورج بوش لحكومة فؤاد السنيورة ليس إلا دعماً كلامياً. بل ان بعضهم تحدث بوضوح عن أن إدارة بوش قد "خذلت" فريقه في لبنان.
ولم يعد خافياً أن قسماً كبيراً من رموز الموالاة قد أعطوا في السابق لمجيء البارجة الأميركية إلى قبالة الشواطئ اللبنانية بعداً يتعلق بالأزمة اللبنانية، لمنع حدوث أي تغيير في الواقع اللبناني يؤدي إلى تبديل في المعادلات وموازين القوى القائمة منذ أشهر.
وأما وقد شهدت الساحة اللبنانية في الأسبوع الماضي حصول هذا التغير بعدما اضطرت المعارضة إلى توجيه رسالة قوية لكل الذين راودهم الظن أنه بالامكان الشروع في رحلة "جدية" هذه المرة لحصار سلاح المقاومة توطئة لنزعه، فإن الكثير من المراقبين ركزوا في الأيام القليلة الماضية على رصد ردود الفعل الدولية والعربية، على التطورات الدراماتيكية في بيروت والجبل والعديد من المناطق.
ولقد كان لافتاً بالنسبة اليهم أن رد الفعل الأميركي الذي أتى على لسان بوش والعديد من رموز ادارته برغم أنه جاء متأخراً، فإنه لم يخرج عن النطاق المألوف، من حيث اطلاق التحذيرات وكيل الاتهامات التي باتت ممجوجة من كثرة تكرارها، حتى عند فريق السلطة الذي رفع عقيرته في الآونة الأخيرة بالصياح احتجاجاً على بقاء الدعم والتأييد الأميركي في "الإطار النظري". على أن النائب سعد الحريري لمّح في بيانه الأخير إلى احتمال أن "واشنطن" غطت هذه الأحداث، فالكلام الأميركي حيال حدث بيروت الأخير كان عمومياً وقد خلا من أي حديث جازم عن أي خطوات عملية من شأنها أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل يوم السابع من أيار.
وباستثناء تلويح واشنطن حول أنها تدرس فرض عقوبات على سوريا و"حزب الله"، وهو بطبيعة الحال كلام لا معنى له ولا يمكن بالتالي ترجمته عملياً، فإن سقف رد الفعل الاميركي بقي هو هو، أي لم يتعدَّ حدود الاستنكار وتكرار الحديث المكرور عن دعم حكومة السنيورة، وهذا لن يغير من واقع أن هذه الحكومة فاقدة لكل مقومات الشرعية، وأنها محاصرة في السرايا الحكومية، وليس بمستطاع رئيسها سوى اطلاق الشتائم والأكاذيب على طريقة "كذبة" إلغاء القرارين المشؤومين اللذين سببا كل الأحداث الأخيرة.
ولقد بادر العديد من خبراء السياسة الاميركية إلى تفسير هذا السلوك الاميركي حيال أحداث بيروت، الذي كان دون ما توقعه البعض، بأن الادارة الاميركية الحالية قد دنت من المرحلة التي لا يمكن لها فيها أن تأخذ القرارات الكبرى.
ـ ان تطورات الأحداث في بيروت وتسارعها وسرعة حسم المعارضة للأوضاع الشاذة في الكثير من المناطق، أدخلت في يقين هذه الادارة ثابتة أنه لم يعد بمقدورها فعل أي شيء لتدارك الأوضاع وإعادة عجلة الأمور إلى الوراء.
ـ خيبة الإدارة الاميركية من ضعف حلفائها في لبنان وعجزهم المتكرر عن الإيفاء بالالتزامات التي أطلقوها في السابق، وقصورهم عن أداء ما هو مرسوم لهم من أدوار ووظائف.
ولم يعد غريباً القول ان واشنطن قد أدخلت هؤلاء الحلفاء في لبنان في آخر اختبار عملي لهم، لكنهم كعادتهم أخفقوا ورسبوا في الامتحان.
أما الموقف الأوروبي من أحداث بيروت الأخيرة، فإنه كان أيضاً "مائعاً" وعادياً، خصوصاً لجهة اطلاق مواقف الدعم اللفظية لحكومة السنيورة الساقطة. ووحدها فرنسا بادرت في اليوم الرابع لهذه التطورات إلى "التهديد" بأنها لن "تبقى مكتوفة الأيدي"، ولكن هذا التهديد لم يترجم عملياً بسوى الاجتماع الأوروبي المتلفز وبضم جهودها إلى جهود واشنطن لإصدار بيان أو قرار من مجلس الأمن.
وبالطبع فإن ثمة من يتحدث عن أن هذا السلوك الأوروبي الذي لم يتخطَّ اطلاقاً السقف المعلوم، عائد إلى حسابات بعض هذه الدول التي تنطلق من مسألة الحفاظ على أمن وحداتها المشاركة في القوة الدولية العاملة في الجنوب بموجب القرار الدولي الرقم 1701، وللحيلولة دون تطور الأحداث في لبنان على نحو قد يؤدي إلى إجبار هذه الدول على سحب وحداتها من الجنوب، ما يؤدي إلى خلق واقع جديد مفتوح على كثير من الاحتمالات السوداء.
الموقف العربي
أما على مستوى المواقف العربية من هذه التطورات، فقد انقسم في رأي المراقبين إلى ثلاثة أقسام:
الأول موقف القوى والتيارات السياسية الاسلامية والقومية، التي انحازت بمجملها إلى تأييد المقاومة واعتبارها في موقف الدفاع المشروع عن وجودها وعن سلاحها، والتنديد بمحاولة النيل من هذا السلاح.
ولقد تجلى هذا الموقف أكثر ما يكون في كلام المرشد العام للإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية العريقة، اضافة إلى مواقف حركات أخرى في الجزائر ومصر والمغرب.
الثاني: هو موقف العديد من الأنظمة العربية التي رفضت الانجرار إلى الموقف السعودي، وقد تجلى ذلك أكثر ما يكون في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة ليناقش تطورات الوضع في لبنان. إذ كان لافتاً أن ممثلي اليمن وقطر والجزائر ودول أخرى أعربوا صراحة عن رفضهم "للمنطق" السعودي، فيما لم تنجر باقي الدول إلى اتخاذ مواقف واضحة وصريحة.
وبرغم أن مصر أطلقت في بداية الأحداث بعض المواقف العامة خصوصاً لجهة ما أسمته رفضها "سيطرة إيرانية على لبنان"، فإن سفيرها في بيروت جال على معظم المسؤولين والقوى، ومن ضمنهم الوزير محمد فنيش، ليوضح أن جوهر الموقف المصري هو الدعوة إلى معالجة القضايا الخلافية في لبنان بالتزام الحوار الوطني.
وعموماً فإن تركيبة اللجنة الوزارية العربية التي كُلفت بالمجيء إلى لبنان في محاولة لإيجاد تسوية، هي بحد ذاتها انعكاس عملي لرغبة عربية رسمية بعدم الاطلالة على الوضع اللبناني المأزوم بوجود توجهات تزيد من هذه الأزمة وتفاقم من حدتها، وخصوصاً لجهة ترئيس قطر هذه اللجنة، وهي التي تحظى برضا كل الأطراف، وهو ما يمكن أن يشكل عامل اطمئنان وجدية في التعاطي مع المواضيع.. ولم تكن برئاسة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي تحاصره اتهامات المعارضة بالانحياز للفريق الآخر، ما حال في السابق دون نجاح كل المبادرات العربية.
الثالث: الموقف السعودي.. ومما لا ريب فيه ان انحياز الرياض الفاضح لفريق السلطة أمر ليس جديداً، خصوصاً لجهة انتقادها المتكرر لمواقف المعارضة. ولكن الواضح أن السعودية قررت هذه المرة رفع منسوب عدائها للمعارضة إلى المستوى الأعلى، من خلال رفع وتيرة خطابها السياسي واتهاماتها لإيران من جهة، مع انها كانت على تواصل مستمر معها للمساعدة على ضبط الموقف في لبنان والحيلولة دون تداعيه، ومن خلال انتقادها المباشر لـ"حزب الله" واعتبارها أحداث بيروت الأخيرة انقلاباً أو حرباً على بيروت، اضافة إلى استخدام الكثير من المصطلحات والعبارات التي تدل على أن الرياض قد خرجت عن "طورها" واختارت أن تدفع بالتعقيدات اللبنانية إلى مرحلة الانفجارات المستمرة.
ولم يعد خافياً في بيروت ان الرياض ومعها واشنطن هي التي طلبت من فؤاد السنيورة طي فكرة استقالته التي كان شرع بكتابتها وفق بعض المعلومات، رغبة منها بإطالة أمد الأزمة، ولكي لا يقال ان حلفاءها في لبنان قد انفرط عقدهم وأقروا بالهزيمة المحققة.
وفي كل الأحوال فإن هذا الموقف المتشدد من الرياض حيال التداعيات اللبنانية انما يعكس شعوراً من القيادة السعودية بأن رياح الأمور لم تسر في لبنان وفق ما كانت تشتهيه، وللسعودية ان تطلق عنان غضبها إلى المدى الأقصى، ولكن ذلك لن يغير من واقع ان في لبنان واقعاً سياسياً وغير سياسي ارتسم بعناد بعد السابع من أيار، ولم يعد بالإمكان تغييره او تعديله.
إبراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008