ارشيف من : 2005-2008
المشهد الإقليمي الجديد: مؤشرات تسوية أم مؤشرات حرب؟
كتب عبد الحسين شبيب
ماذا يجري في الشرق الاوسط؟ هل تتجه الامور نحو تسويات كبرى بعدما تم استنفاد الخيارات العسكرية؟ ام انه هدوء ما قبل العاصفة؟ سبب السؤال هو خط التهدئة الذي بدأ من مدينة الصدر التي انتشر فيها الجيش العراقي منهياً اسابيع من المواجهات الدامية، مروراً باستئناف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل بوساطة تركيا، وصولاً الى اتفاق الدوحة الذي ادخل نظرياً لبنان في مرحلة جديدة، فضلاً عن النقاش المستمر بشأن التهدئة في غزة وبوساطة مصرية لم تصل الى نتيجة بعد، معطوفاً عليها كشف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن اجراء اتصالات مع حركة حماس.
في المشهد العراقي اعتبر ما حصل تطوراً ما كان ليحصل دون موافقة ايرانية بسبب ما يقال عن رعاية طهران لجيش المهدي الذي ابرم اتفاقا مع الحكومة العراقية اخذ طريقه الى التنفيذ، من دون معرفة امكانية صموده وانعكاسه على المناطق الاخرى في الجنوب التي كانت تشهد مواجهات مماثلة.
اما على المسار السوري الاسرائيلي فجاء الاعلان عن هذه المفاوضات دون الكشف عن مكانها والقائمين بها باستثناء انها تجري بوساطة انقرة، تتويجاً لما قامت به الاخيرة من تبادل للرسائل منذ شباط/ فبراير 2007 انتهى الى موافقة الجانب الاسرائيلي على التوصل الى سلام شامل طبقا للاطار المحدد في مؤتمر مدريد الدولي للسلام، وتقديم التزامات لدمشق بانسحاب من الجولان حتى خط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ما يتيح لسوريا استعادة الهضبة حتى ضفاف بحيرة طبريا خزان المياه العذبة الرئيس في كيان العدو وفق ما اعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
وقد اكتمل المشهد الاقليمي الجديد في لبنان من خلال نجاح الوساطة القطرية في انجاز اتفاق شكل انجازا كبيرا لقوى المعارضة التي حصلت على رئيس للجمهورية هو العماد ميشال سليمان دعمت ترشيحه منذ البداية، وثلث ضامن في الحكومة الجديدة، فضلا عن قانون انتخابي سيعيد تشكيل تركيبة المجلس النيابي بحيث تتحول الاقلية الى اغلبية والاغلبية الحالية الى اقلية، وهو اتفاق وفق كل المقاييس يشكل انتكاسة للمشروع الاميركي وحلفائه في لبنان والمنطقة، بدءا من السعودية واطراف عربية اخرى اصيب دورها باهتزاز وتراجع كبيرين، وصولاً الى اسرائيل التي باتت اكثر قلقا بعدما اصبح وضع حزب الله اكثر ارتياحا من ذي قبل. وهذا يطرح السؤال التالي: هل إمرار التسوية بالصيغة التي حصلت مؤشر على تراجع القوة الاميركية ونفوذها في المنطقة الى درجة ان عملية جراحية موضعية بسيطة قامت بها المعارضة اللبنانية ادت الى قلب الطاولة على رأس واشنطن وحلفائها؟ ام انه نوع من تكتيك يستخدم عادة في ادارة الملفات الساخنة عبر اجراء ترتيب لها ووضعها جانباً عبر حلول مؤقتة للتفرغ للملف الاخطر الذي يعتبر المحور الاساسي او الناظم لحركة الملفات الاخرى، اي البرنامج النووي الايراني الذي تحول مع مرور الزمن الى الهاجس الوحيد للجانبين الاميركي والاسرائيلي، ورفعاه الى مستوى الخطر الوجودي الذي يقتضي علاجاً.
وعليه فان السؤال هو: اذا كانت واشنطن سلمت بهذه البساطة مع ما جرى في لبنان، فان وضعها سيكون اصعب امام ايران التي كانت الرابح الاكبر هي وسوريا من التسوية اللبنانية حسب تقديرات خصومها انفسهم. وبالتالي فان الكلام الذي يجري تداوله حالياً يتعلق بما يمكن ان يذهب اليه جورج بوش في معالجة هذا الخطر، مع حديث اسرائيلي متزايد عن الحرب بات اكثر تداولاً بعد زيارة جورج بوش الاخيرة الى المنطقة، وبعد الكلام المتزايد عن فشل الخيارات الاخرى، ما يمكن ان يفسر منحى التهدئة هذا الذي يمكن التملص منه سريعاً، على قاعدة ان ما سيحصل بعد الحرب يختلف عما هو قائم قبلها، وبالتالي ليس هناك صعوبة في نقض اتفاقات او الغائها برمتها.
اما ما يجري بين دمشق وتل ابيب فان له تفسيرات كثيرة تتعلق بالكشف عنه، منها الازمة التي يمر بها ايهودا اولمرت والمرجح ان تطيح به قضية الفساد المرماة في وجهه هذه الايام. اضافة الى ان فكرة الانسحاب من الجولان هي محل انقسام ليس لدى الرأي العام الاسرائيلي الرافض باغلبيته للتخلي عن الهضبة فحسب، بل ايضا موضع انقسام داخل حكومة اولمرت وداخل حزبه ايضاً عبر عنها نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي شاوول موفاز وهو من حزب كاديما (وسط) الذي يتزعمه اولمرت، حيث يعتبر ان اعادة الهضبة من شانه ان يوصل ايران العدو الى هذه المنطقة الاستراتيجية. وبمعزل عن رأي الجيش والاستخبارات الاسرائيليين في هذه المسألة بالذات، فان طريقة التفكير الاسرائيلي عن محاولة فك تحالفات سوريا عن ايران وحركات المقاومة في المنطقة، يعني سعياً صريحا وواضحاً لاضعافها، وبعد ما حققته خياراتها الاستراتيجية هذه من نتائج على موقعها الاقليمي الذي تعزز كثيراً بعد التطورات الاخيرة، وبالتالي تبدو اللعبة الاسرائيلية غير ذات جدوى اذا كان الجولان ثمناً لاعادة تموضع دمشق خارج قناعاتها، وبالتالي فان هذا الامر لن يقود الى نتيجة ولن يكون سوى تقطيع للوقت يمكن ان يمهد لاشياء كبرى تحصل خلف الاضواء لفك هذا التحالف الممتد من طهران وصولاً الى لبنان، مروراً بكل من العراق وسوريا وفلسطين، والذي يشكل خطاً مؤثراً بقوة على المصالح الاميركية.
من هنا فان مقاربة المشهد الجديد تفترض قدراً من التأني والتريث في تحليل ظواهره وعدم التسرع في البناء عليها، والا فاننا نكون امام هزيمة اميركية ستظهر مؤشراتها تباعاً بحيث يملأ خصومها الفراغ.
الانتقاد/ العدد1268 ـ 22 ايار/ مايو2008