ارشيف من : 2005-2008
الاتفاق بين الائتلاف العراقي والتيار الصدري: نزع فتيل أزمة كانت مرشحة للاتساع
بغداد ـ عادل الجبوري
وأخيراً نجحت جهود كتلة الائتلاف الموحد (الاغلبية البرلمانية) في مجلس النواب العراقي في حلحلة الازمة بين الحكومة والتيار الصدري بعد خمسة وأربعين يوما من اندلاع المواجهات المسلحة في محافظة البصرة (550 كم جنوب بغداد) ومحافظات أخرى، الى جانب مدينة الصدر في العاصمة بغداد، بين القوات الحكومية من جهة وجماعات مسلحة تنتمي الى جيش المهدي، الجناح المسلح للتيار الصدري، من جهة اخرى.
وإذا كان النجاح في حلحلة الازمة وإيقاف تداعياتها وتصاعدها عند حدود ومستويات ونقاط معينة لا يعني انتهاءها وطي صفحاتها بالكامل، الا انه يشير الى تحول مهم في تفاعلات المشهد السياسي العراقي، محوره النجاح في نزع فتيل أزمة خطيرة للغاية، كان يمكن ان يتسبب اتساع رقعتها ومدياتها في خلق المزيد من اجواء ومناخات التوتر والاحتقان، بصرف النظر عن نتائج الصراع بين طرفي ـ او اطراف ـ الصراع والمواجهة.
هذا التحول المهم عبرت عنه بوضوح وترجمته بنود الاتفاق المبرم بين الائتلاف العراقي الموحد والتيار الصدري في العاشر من شهر ايار/ مايو الجاري، وكان من بين أهم فقراته:
- "وقف اطلاق النار الفوري من يوم الحادي عشر من هذا الشهر مدة اربعة ايام، تمهيدا لإنهاء كافة المظاهر المسلحة غير المشروعة، وقيام القوات الحكومية بإزالة العبوات والألغام والمتفجرات على اختلاف انواعها من الطرقات، والمباشرة بفتح منافذ جديدة لمدينة الصدر.
- دخول القوات العراقية مدينة الصدر وممارسة مهامها بعد انتهاء الايام الاربعة لبسط سيطرة الدولة وفرض سيادة القانون فيها، ومتابعة المظاهر غير القانونية، ولا يحق لأي شخص او جهة التدخل في عملها، سواء كان عملا أمنيا او خدميا او اقتصاديا او غير ذلك.
- يؤكد التيار الصدري عدم امتلاكه الأسلحة المتوسطة والثقيلة، ومن حق الحكومة مداهمة وتفتيش أي مكان يشك في وجود اسلحة متوسطة وثقيلة فيه حسب القوانين المرعية، مع مراعاة شأنية مكاتب الشهيد الصدر أثناء التفتيش.
- يمنع استهداف المناطق المدنية والأجهزة والمؤسسات الحكومية والخدمية ومكاتب الاحزاب، بما فيها المنطقة الخضراء من مدينة الصدر او غيرها.
- الحكومة هي المعنية بتحديد القوات العراقية اللازمة لبسط الأمن في المدينة، بحيث تتفادى الاستعانة بالقوات الأجنبية في حالة الالتزام بالنقاط أعلاه.
وتبرز أهمية الاتفاق بين الائتلاف العراقي الموحد والتيار الصدري، في انه جاء نتيجة مفاوضات ومباحثات على أعلى المستويات بين الجانبين، وبمشاركة ومساعدة اطراف اقليمية مؤثرة وفاعلة مثل ايران.
فزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر أصدر بيانا موقعا من قبله يخول فيه لجنة من قياديين كبار في التيار الصدري التفاوض لإنهاء الازمة، واعتبار النتائج التي يتوصلون اليها ملزمة. وتتألف اللجنة من الشيخ محمد رضا النعماني والشيخ صلاح العبيدي والسيد فاضل الشرع، والنائبين في البرلمان عن الكتلة الصدرية نصار الربيعي ووليد الكريماوي. وقال السيد الصدر بالنص: "على المؤمنين الالتزام بما يصدر منهم وطاعتهم، على ان تكون لجنة مشرفة على تطبيق الاتفاق بما يحفظ للشعب العراقي والمقاومة العراقية عزتها. ونهيب بالقوى الدينية والسياسية ان تأخذ على عاتقها إنجاح المساعي السلمية لإنهاء اراقة الدم العراقي، فهي مسؤولية الجميع".
وبيان زعيم التيار الصدري يعطي قوة للاتفاق ويقطع الطريق على الجماعات التي قد تحاول خلط الأوراق وتحريف المواقف.
هذا الموقف الجديد يمكن النظر اليه من زاوية انه قراءة اكثر واقعية للمشهد السياسي ابتعدت عن التشنج والانفعال والتطرف. ولعل بعض العبارات في بيان السيد مقتدى الصدر توحي بذلك. أضف الى ذلك أن التيار الصدري ربما أراد ان يقطع الطريق أمام الجانب الاميركي وينزع الحجج التي قد يتذرع بها لتوسيع رقعة انتشاره في مناطق من العاصمة بغداد ومحافظات اخرى، ويفوّت عليه فرصة إحداث المزيد من التصدع والتشظي داخل الكيان السياسي الشيعي.
ويبدو ان التيار الصدري مصرّ وجادّ هذه المرة اكثر من المرات السابقة في ترجمة بنود الاتفاق الى واقع عملي على الارض. فقد صرّح الشيخ صلاح العبيدي قائلا: ان الائتلاف العراقي الموحد والتيار الصدري مصران على المضي في تطبيق الاتفاقية برغم الخروق التي كنا نتوقع حدوثها.
وتشير مصادر مقربة من الحكومة العراقية الى ان قيادة التيار الصدري بدأت تتجاوب بدرجة جيدة وتشجع على مساعدة قوات الجيش والشرطة في تنفيذ مهامها في مدينة الصدر ومناطق اخرى.
وفي مقابل ذلك فإن بنود الاتفاق لم تشر صراحة الى حل جيش المهدي، ذلك المطلب الذي حرصت الحكومة من خلال رئيسها نوري المالكي ومسؤولين آخرين فيها على ترديده باستمرار خلال الأسابيع القليلة الماضية، الى جانب قوى وكيانات سياسية اخرى.
ومع ان اوساطا سياسية وشعبية عديدة أظهرت تفاؤلا حذرا ممتزجا بنوع من التوجس من ان يكون مصير هذا الاتفاق كمصير اتفاقات ومواثيق سابقة، الا ان اوساطا اخرى قريبة مما شهدته الكواليس مؤخرا في اكثر من مكان، ترى ان الارضيات والظروف التي بلورت وأوجدت الاتفاق الاخير قد تكون مختلفة عما سبق، ما يعني ان الصورة التي ستتشكل على ضوئه ان لم تكن مختلفة تمام الاختلاف عن الصور السابقة، فإنها ستختلف عنها في أوجه كثيرة.
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008