ارشيف من : 2005-2008

مشكلة دارفور: من نجامينا إلى الخرطوم!

مشكلة دارفور: من نجامينا إلى الخرطوم!

فوجئ السودان أواخر الأسبوع الماضي بهجوم شنه متمردون من حركة العدل والمساواة، الناشطة في دارفور، على العاصمة الخرطوم وعلى مدينة أم درمان الواقعة على الضفة الأخرى لنهر النيل. مئات المقاتلين عبروا مسافة طويلة بآلياتهم تحت شعار معلن هو قلب نظام الرئيس السوداني عمر البشير. وقد فشل الهجوم مخلفاً عشرات القتلى والجرحى من الطرفين، وإن كان المهاجمون ما زالوا يؤكدون تمركزهم في بعض النقاط في الخرطوم وأم درمان. أول ما يلفت الانتباه في هذا التطور هو شبهه "المعاكس" بالهجوم الذي انطلق، قبل ثلاثة أشهر من دارفور أيضاً واستهدف العاصمة التشادية نجامينا لقلب نظام الرئيس إدريس ديبي. وقد انتهى ذلك الهجوم إلى الفشل بعد تدخل الطائرات الفرنسية التي قامت بقصف المهاجمين. يومها وجه النظام التشادي إلى النظام السوداني تهمة الوقوف وراء الهجوم على نجامينا، واليوم يوجه النظام السوداني إلى النظام التشادي تهمة الوقوف وراء الهجوم على الخرطوم. ومن هنا، عمدت السلطات السودانية إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع تشاد وقامت بتفتيش السفارة التشادية في الخرطوم، وأكدت عثورها على أدلة تثبت أن السفارة كانت واحدة من نقاط الاتصال بين المتمردين. كما أكدت نيتها رفع شكوى أمام مجلس الأمن على الحكومة التشادية. وقد ردت تشاد بأن نفت التهمة بشكل قاطع، وزادت بأن أعلنت إدانتها للمحاولة الانقلابية. وبين تداعيات الحدث عمدت السلطات السودانية إلى اعتقال زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، حسن الترابي، قبل أن تطلق سراحه بعد ساعات. وقد أعلن الترابي عدم صلته بالهجوم، وإن كان بعض قادة حركة العدل والمساواة في عداد مناصريه السابقين. ومهما يكن من أمر الترابي، أو من أمر الاتهامات المتبادلة بين النظامين السوداني والتشادي، فإن الهجوم الأخير يشكل تطوراً لافتاً في خضم التطورات التي يشهدها النزاع القائم في دارفور وحولها، وكذلك في خضم الهجمة الإقليمية والدولية التي يتعرض لها السودان والتي يضطلع فيها النظام التشادي بدور هام، إن لجهة الاصطفاف المعادي للسودان، وإن في الحرب بالوكالة التي تدور رحاها بين المعسكرين في دارفور. 
والمعروف أن دارفور، وهي مقاطعة سودانية محاذية لتشاد وليبيا يسكنها خليط من العرب والأفارقة المتنوعي الانتماءات الدينية والاتنية قد احتلت واجهة الحدث، منذ سنوات، بسبب غناها ببعض الثروات الطبيعية، وبعدما تبين امتلاكها لثروات باطنية ضخمة من النفط واليورانيوم. وبالنظر إلى التوجهات السياسية للنظام السوداني، وهي توجهات متعارضة مع المشروع الأميركي وما يرتبط به من مشاريع إقليمية، فقد نظمت حملات إعلامية واسعة حول النزاعات بين سكان دارفور على ملكية الأراضي والمراعي. وفسرت هذه النزاعات التي يستشري الكثير منها في معظم بلدان العالم على أنها مظهر من مظاهر اضطهاد العرب للاتنيات الأخرى، وانبرت المنظمات الانسانية الغربية إلى حشد الأرقام حول أعداد القتلى واللاجئين من سكان دارفور نتيجة لذلك الاضطهاد. كما جرى فرض عقوبات اقتصادية على السودان وظهرت أفكار تنادي بإخضاعه لحظر جوي أو حصار بحري على الطريقة التي استخدمت مع العراق أو يوغوسلافيا السابقة. ثم اتجه الاهتمام نحو حلول عسكرية ودار الجدل بين استخدام قوات دولية تحت علم الأمم المتحدة أو بين التدخل المباشر من قبل الحلف الأطلسي. ثم رست الخيارات على تشكيل قوة إفريقية بموافقة السودان. لكن هذه القوة لم تلبث أن أظهرت عجزها عن فرض الأمن في دارفور بفعل معارضة بعض الفصائل المعارضة للنظام السوداني. من هنا، تطورت الخيارات لتصل إلى دعم القوة الإفريقية بقوة دولية، وصدرت عن مجلس الأمن قرارات لوحت بإمكان تدخل تلك القوة تحت البند السابع.
وإذا كان السودان قد تقبّل فكرة القوة الإفريقية فقد عارض التدخل الدولي، في البداية، قبل أن يعود إلى الموافقة عليه مع التشديد على نيته في المقاومة بالطرق الملائمة فيما لو تبين أن تلك القوة ستعمل كقوة احتلال لا كقوة سلم في دارفور. وفي الوقت الذي يصطدم فيه مشروع تشكيل القوة الدولية وتحديد أواليات انتشارها وعملها بصعوبات عملية وسط مخاوف الغربيين من التعرض لانتكاسات شبيهة بتلك التي جرت في الصومال أو أفغانستان، يبدو أن الخيارات العاجلة قد عادت لترسو مجدداً على استخدام القوى المحلية إلى الحد الأقصى، وهو الأمر الذي يتمثل في التوترات التي شهدتها الساحة الداخلية السودانية مؤخراً، وفي الهجوم الذي نفذته حركة العدل والمساواة على العاصمة السودانية. وإذا كان هذا الهجوم قد أخفق، فإنه لا يشكل نهاية المطاف, فالسودان، إضافة إلى كونه يحتل موقعاً بارزاً على لائحة البلدان غير المرضي عنها أميركياً، بات يقيم علاقات اقتصادية متقدمة مع الصين لا سيما في مجال الاستثمارات النفطية. وقد تبين حتى الآن أن هذه الاستثمارات تعود بفائدة أكيدة على السودان وتمنحه المزيد من القدرة على التماسك في وجه المشروع الأميركي، وأن هذه الفائدة ستأخذ أبعاداً أكبر فيما لو تم استثمار المخزون النفطي في دارفور والذي يزيد، وفق التقديرات عن المخزون السعودي. هنالك إذاً ما يكفي من الأسباب!      
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1267 ـ 16 ايار/مايو2008

2008-05-16