ارشيف من : 2005-2008
وقائع المشهد السياسي العراقي وحقيقة الدور الايراني
بغداد ـ عادل الجبوري
في ظرف شهر واحد فقط او اقل من ذلك، قام وفد من كتلة الائتلاف العراقي الموحد (كتلة الاغلبية) في مجلس النواب العراقي بزيارتين لإيران. وربما لم يكن خافيا على الكثيرين الاهداف الكامنة وراء الزيارة، او طبيعة الموضوعات المطروحة على بساط البحث والنقاش. فالزيارتان تزامنتا مع احداث ووقائع ساخنة ما زالت تمر بها الساحة العراقية.
وبحسب المعلومات المتداولة في الاوساط والمحافل السياسية وفي وسائل الاعلام العراقية، والمتسربة من مصادر خاصة، فإن الوفد البرلماني الائتلافي ذهب الى طهران هذه المرة وهو يريد تفعيل الدور الايجابي الايراني في دعم ومساندة الحكومة العراقية، وترجمة المواقف النظرية بدرجة اكبر الى معطيات ووقائع عملية على الارض.
ويبدو أن الصراحة الكبيرة والمكاشفة إلى جانب العلاقات التاريخية التي تربط أعضاء الوفد كأشخاص أو كعناصر قيادية بقوى سياسية فاعلة ومؤثرة، ساهمت إلى حد كبير في وضع النقاط على الحروف وتوضيح الحقائق والمواقف، وإزالة قدر من اللبس والغموض الذي اكتنف العلاقات الإيرانية العراقية.
ارتياح أعضاء الوفد لنتائج زيارتهم الى طهران انعكس عبر تصريحات أدلى بها البعض منهم، تزامنت مع تصريحات ادلى بها مسؤولون ايرانيون كبار من بينهم المتحدث باسم وزارة الخارجية محمد علي حسيني ونائب الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني محمد جعفري، تضمنت تأكيدات وتعهدات ايرانية واضحة وصريحة بدعم طهران الحكومة العراقية ومساندتها الجهود والتحركات المبذولة من قبل الاخيرة للقضاء على الجماعات الخارجة على القانون.
واللافت ان زيارة الوفد البرلماني الائتلافي الى طهران ترافقت مع حملة اعلامية سياسية من بغداد وواشنطن ضد الأخيرة، تمحورت حول تكرار الاتهامات السابقة، بصرف النظر عما اذا كانت صحيحة ام غير صحيحة. فشخصيات سياسية عراقية بعضها برلمانية وبعضها حكومية، وصحف وقنوات فضائية عراقية وأميركية، وقادة عسكريون أميركان وسياسيون في واشنطن، اعتبروا ان ايران تعد عاملا رئيسيا في خلق الفوضى الأمنية في العراق من خلال دعم الميليشيات والجماعات المسلحة. وراحت بعض الاوساط تتجه الى عملية خلط اكبر للأوراق من خلال تسريب معلومات تفيد بأن حزب الله اللبناني يدرب في معسكر يقع في ضواحي العاصمة الايرانية طهران، مجاميع تابعة لميليشيات عراقية مسلحة، في اشارة الى جيش المهدي، الجناح العسكري للتيار الصدري، وهو أمر نفته إيران كما نفاه التيار الصدري.
والواضح هنا ربما في هذا الوقت، هو التهويل والمبالغة وتكثيف الحملات الاعلامية والسياسية ضد طهران لاعتبارات تبدو سياسية صرفة، وإلا فكيف نفهم تزامن الاعلان عن تشكيل لجنة من قبل رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي للتحقيق في التدخلات الايرانية ودعم الجماعات الخارجة على القانون، مع تصريحات أدلى بها نواب في البرلمان العراقي من كتل سياسية مختلفة، مع تصريحات لقادة عسكريين اميركان، مع تقارير صحافية وإعلامية تضمنت ارقاما عن التدخل الايراني في العراق، الى جانب تصريحات مسؤولين عسكريين وأمنيين عراقيين في اكثر من محافظة عراقية تحمل مزاعم عن التدخل الايراني! كما جاء على لسان مدير شرطة محافظة كربلاء وقائد عملياتها اللواء الركن رائد جودت شاكر.
ويذهب عدد من السياسيين والمعنيين بشؤون العلاقات بين العراق ومحيطه الاقليمي، الى انه من الخطأ معالجة الاخطاء والمشكلات بطريقة انفعالية متسرعة عبر التصعيد الاعلامي والسياسي مع ايران أو غيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار ان طهران كانت من اوائل الاطراف الاقليمية والدولية التي ساندت ودعمت التحولات السياسية في العراق بعد التاسع من نيسان/ ابريل 2003، واعترفت بشرعية العملية السياسية وما أفرزته من حقائق ومعطيات، مع رفضها الاحتلال الأجنبي للعراق باعتباره يتعارض مع مبادئ السيادة والاستقلال المنصوص عليها في الكثير من المواثيق والعهود الدولية.
ويضيف هؤلاء السياسيون أن التعاطي العراقي الهادئ وعبر القنوات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية المناسبة مع دول ساهمت بدرجة كبيرة في ارباك الأوضاع الأمنية العراقية بعد الإطاحة بنظام صدام، أثمر عن نتائج ايجابية وجيدة ما كان لها ان تتحقق لو لجأ صناع القرار العراقيون الى التصعيد والتهديد والتلويح بالرد بالمثل.. وقد لا يختلف الامر بالنسبة مع ايران اذا كان لها بالفعل دور سلبي في توجيه مسارات الامور في المشهد العراقي، لكنه بالتأكيد يختلف بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية، فهي من دون شك لا تتعاطى مع خصمها التقليدي ايران، مثلما تتعاطى مع حليفها التقليدي المملكة العربية السعودية، وهذه الازدواجية لا تنسجم في كل الاحوال مع الرؤية العراقية الرسمية المنطلقة من اعتبارات المصالح والأولويات الوطنية، وتبني مبدأ الحلول السياسية الدبلوماسية التي يترتب عليها أقل قدر من الاستحقاقات والخسائر.
ولا شك في أن الحضور الدبلوماسي الايراني المبكر في العراق بعد التاسع من نيسان/ ابريل 2003 مثل مؤشرا ايجابيا مهما.. والحراك السياسي بين بغداد وطهران على أعلى المستويات انطوى هو الآخر على مؤشرات مشجعة لبناء أسس ومرتكزات قوية ورصينة لعلاقات استراتيجية متعددة الابعاد والجوانب بين العاصمتين، وقد انعكس وتكلل ذلك واضحا وجليا عبر الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد للعراق مطلع شهر آذار/ مارس الماضي، والتي كانت اول زيارة لرئيس ايراني الى العراق منذ ثلاثة عقود او اكثر، وتمخضت عن نتائج مهمة للغاية لكلا الجانبين. ومثل ذلك الحضور وذلك الحراك لم يكن له وجود بهذا المستوى مع اي عاصمة عربية او اقليمية اخرى في تعاطيها وعلاقاتها مع بغداد.
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008