ارشيف من : 2005-2008
إيران... صانع سلام إقليمي ودولي
سيريلنكا بلد أهم سماته، بالإضافة لانتمائه إلى شبه القارة الهندية، أنه يعاني من الفقر وحرب أهلية لا تنتهي، ولا تبدي الأسرة الدولية اهتماماً بأمر إنهائها. مشكلتان ستكونان الأبرز، بلا شك، بين اهتمامات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد في زيارته لسيريلنكا، ضمن جولته على بلدين آخرين من بلدان شبه القارة، هما الهند وباكستان، اللذان يعانيان أيضاً من مشكلات قد ينبغي لأحد أن يهتم بحلحلتها، في ظل انصراف الأسرة الدولية نحو أصناف أخرى من الاهتمامات. الهدف الأساسي من الزيارة هو العمل باتجاه إنهاء ذلك الصراع المزمن بين بلدين يحتاجان إلى كل شيء ما عدا الحروب، ويتباريان، مع ذلك، بشكل يومي ومحموم، في تطوير قدراتهما العسكرية، بما فيها النووية والصاروخية الثقيلة. والعمل باتجاه إنهاء الصراع ليس كلامياً ووعظياً من النوع المتعارف في مثل هذه الظروف. بل هو عملي يجعل التوافق إجبارياً عبر توحيد المصالح، وعبر ذلك النوع الإيجابي من المصالح.
إنه "خط أنابيب السلام والتقدم" الذي يراهن الإيرانيون عليه في خلق نوع من التماسك بين الهند وباكستان، ثم بينهما معاً وبين إيران، على خلفية اعتبار يعوّل عليه الإيرانيون ومفاده أن من شأن النفط والغاز، إذا ما تم النظر إليهما بطريقة ملائمة، ضمن إطار مصالح الإسلام والمسلمين (نحو 150 مليوناً من سكان الهند مسلمون)، أن يضعا القوى الغربية في موقع لزوم حدها.
إنه خط لنقل الغاز من إيران إلى الهند، عبر الأراضي الباكستانية، بتكلفة 7 مليارات دولار، وبطول 2700 كلم، منها 1100 كلم في إيران، و1000 كلم في باكستان، و600 كلم في الهند، بهدف تزويد البلدين بـ150 مليون متر مكعب من الغاز، منها تسعون مليوناً للهند والبقية لباكستان. وكانت المفاوضات حول إنشاء خط الأنابيب هذا قد بدأت عام 1994، لكن عقبات عديدة اعترضتها وهددت بإفشالها أكثر من مرة لأسباب منها ما هو تقني ومالي لجهة تقسيم التكاليف والعائدات، ومنها ما هو مرتبط بالعلاقات السياسية الصعبة، خصوصاً بين الهند وباكستان. لكن أهم تلك العقبات هو دخول الأميركيين على الخط من باب التخريب. فقد عملت واشنطن بكل السبل من أجل إفشال هذه المفاوضات، ونجحت من خلال ما قدمته إلى الهند من إغراءات نووية، بوجه خاص، في ثنيها عن المضي قدماً في التعاون الثلاثي لإبرام هذا المشروع. وفي لحظة ما، قرر الإيرانيون والباكستانيون تنفيذه حتى دون مشاركة الهند. لكن هذه الأخيرة عادت وسلكت طريق التفاهم، ويبدو أن زيارة نجاد الحالية للبلدين هي مؤشر على قرب التوصل إلى اتفاق نهائي بهذا الصدد. ومع هذا الاتفاق، وفي ظل العقوبات والحصار المفروضين على إيران، يبدو أن هذه الأخيرة ليست قادرة على فك الحصار وحسب، بل أيضاً على التصدي لمشاريع الهيمنة الأميركية، عبر وضع إمكانياتها المختلفة في خدمة قضية السلام والتقدم في المنطقة والعالم.
وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للغاز والنفط كسلاح أساسي في الصراع المحتدم مع قوى الهيمنة، فإن إيران لا تخفي رغبتها في تشكيل مجموعة دولية للغاز على غرار أوبك. وهي تدعو إلى إنشاء مصرف دولي تودع فيه عائدات النفط والغاز لاستثمارها بطرق مفيدة للبلدان والشعوب المعنية، بدلاً من تركها نهباً للمصارف والشركات الغربية. وهي تلقى في ذلك تجاوباً من بلدان منتجة كروسيا وفنزويلا والجزائر وقطر. كما أنها تدعو، حتى قبل الانهيار الأخير لأسعار صرف الدولار، إلى تنويع سلة العملات المستخدمة في سوق النفط، بهدف إخراجها من قبضة الاحتكار الأميركي شبه الكامل. لكنها في الوقت نفسه، لا تكتفي بانتظار إجماع قد يتأخر، بل تبادر إلى إطلاق مشاريع خاصة، منها الاتفاق الضخم الذي أبرمته، في كانون الثاني/ يناير الماضي مع ماليزيا، بقيمة 16 مليار دولار، بهدف تطوير حقول للغاز في الأراضي الإيرانية. ومنها اتفاق أبرمته، قبل أسبوعين من ذلك، مع الصين، بقيمة ملياري دولار. وإذا كانت هذه الاتفاقات وغيرها تتم مع بلدان في الشرق، من باكستان والهند إلى ماليزيا والصين واليابان، فإن مشاريع أخرى تتجه غرباً نحو أوروبا، منها خط الأنابيب الذي يتم العمل عليه، بالتوازي مع خط أنابيب السلام والتقدم، بالاتفاق مع شركة إيديسون الإيطالية، والذي سينقل إلى أوروبا، عبر تركيا واليونان وألبانيا، 128 مليون متر مكعب من الغاز، مع نهاية العام الحالي.
انتصارات حقيقية لإيران في مجال النفط والغاز، تضاف إلى صمودها في الملف النووي السلمي وتحقيقها للكثير من التقدم في المجال العلمي وغيره من المجالات. وكل ذلك برغم العقوبات والتهديدات الأميركية المستمرة. لكن كل هذه الانتصارات تظل ثانوية بالقياس إلى ما يؤمل لمبادرة الرئيس الإيراني أن تحققه من نجاح على مستوى دفع العلاقات بين الهند وباكستان نحو المزيد من التقارب، وعلى مستوى وضع حد للحرب الأهلية في سيريلانكا. لأن كل ذلك ستكون له انعكاساته الإيجابية الأكيدة على العلاقات مع بلدان الخليج وعلى الوضع في العراق وسائر بلدان المنطقة، بالتوازي مع الخيبة المحيقة بالمشروع الأميركي وامتداداته في المنطقة والعالم.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008