ارشيف من : 2005-2008
العرض الإسرائيلي لسوريا: مناورة عقيمة من طرف يائس
ما الذي تريده اسرائيل من اعادة طرحها فكرة التفاوض مع سوريا مرفقة بإبداء استعداد للانسحاب من هضبة الجولان السوري المحتل، ما مدى جديتها في هذا العرض؟
السؤال المزدوج بديهي وضروري لتقصي خلفية التسويق الاسرائيلي لفكرة التفاوض في هذا التوقيت بالذات وتظهير "حسن نوايا" عبر تكثيف الكشف عن رسائل متعددة بهذا الشأن، آخرها تفويض تركيا القيام بدور رعائي تمثل بتوجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى دمشق حاملاً رسالة بهذا المعنى، ردت عليها الاخيرة بابداء استعدادها للتجاوب مع اي مسعى تركي ضمن قواعد التسوية التي اعتمدتها منذ انطلاق مفاوضات مدريد.
لكن الرئيس السوري بشار الاسد وفي آخر مقابلة صحفية له نشرتها جريدة الوطن القطرية كان واضحا في استحضاره امرين جوهريين غير متوافرين لتفعيل عملية السلام: الاول شكوكه بجدية الطرح الاسرائيلي، وثانياً، جزمه بعدم قدرة الادارة الاميركية الراهنة على القيام باي دور في اي مفاوضات نزيهة، وطبعا علنية وليس سرية كما يحاول الاسرائيليون التلميح اليه مراراً.
واذا كان السبب الثاني لا يحتاج الى شرح بسبب الخلفية العدوانية لادارة جورج بوش تجاه سوريا، فضلاً عن عدم وضعها هذا الملف في اولوية ملفاتها، فان مصدر الشكوك بصدق النوايا الاسرائيلية يقوم على مرتكزات عدة ابرزها التالي:
1ـ صحيح ان حرب لبنان الثانية التي شنتها اسرائيل في تموز 2006 انتجت قواعد صراع جديدة واعادت احياء مفهوم الحروب التقليدية، واعطت لمنظومة الدفاع الصاروخي ارض ـ ارض قيمة عالية تتجاوز الاعتبارات الجغرافية، فان الموقع الاستراتيجي للجولان لم يتراجع الى درجة يصبح التخلي عنه امرا وارداً، لا بل انه ضمن قواعد الاشتباك الجديدة تصبح له اهمية مضاعفة في المواجهة المباشرة، اضافة الى احتفاظه بميزات الموقع الاستراتيجي المطل والذي يبقى عنصرا اساسيا في الحروب مهما طرأ على تقنياتها من تغيرات.
2ـ اتصال هضبة الجولان بضفاف بحيرة طبريا التي تعتبر اكبر خزان للمياه
العذبة لاسرائيل، واصرار سوريا على استعادتها بالكامل، مع ما يعنيه ذلك من تاثير على مصدر المياه للاسرائيليين في واحدة من اكثر المراحل التاريخية التي تعتبر فيها المياه مسببا للحروب، هذا قبل ان تستفحل الظواهر المناخية باتجاه تحويل المياه الى ذهب ابيض، وبالتالي ليس منطقياً ان تضع اسرائيل مصدر حياتها في قبضة السوريين.
3ـ ليس هناك التزام رسمي اسرائيلي بالانسحاب الكامل. فما يتداول به كلام لا يرقى الى مستوى التعهد، وحتى لو وجد فان ما حصل مع وديعة رابين لا يبعث على تكرار التجربة. فالمسألة لا تزال محل جدل اسرائيلي، وايهودا اولمرت لم يصرح رسميا بتاييده الانسحاب الكامل، وهو إن عرضه فانه يعرضه كمحصلة لنهاية المفاوضات، ودون ضمانات. مع الاشارة الى أن اولمرت ليس صاحب القرار في هذا الموضوع، فالامر يحتاج الى اجماع اسرائيلي غير متوافر اساساً، واحدث استطلاع للراي اجراه معهد "داهاف" المستقل على عينة تمثيلية شملت 500 اسرائيلي اظهر ان اكثر من ثلثي الاسرائيليين (68%) يعارضون انسحابا كاملاً من الجولان، في حين ان 74 في المئة منهم لا يصدقون ان الرئيس الاسد يسعى جديا للتوصل الى سلام مع اسرائيل.
وعلى المستوى السياسي فان الاصوات ارتفعت من داخل الحكومة ومن المعارضة الاسرائيلية تعلن رفضها لاي خطوة في هذا المجال. فنائب رئيس الوزراء الاسرائيلي شاوول موفاز اعتبر ان اعادة هضبة الجولان الى سوريا سيفتح المجال امام وجود ايراني فيها، ليضاف الى وجودها في لبنان من خلال حزب الله وفي قطاع غزة كما قال. الامر نفسه كرره زعيم المعارضة رئيس الليكود بنيامين نتنياهو الذي قال ان اي انسحاب من الهضبة سيحولها الى قاعدة ايرانية.
بناء على ما تقدم فان التساؤل عن الاستهدافات الاسرائيلية من خلال عرض التفاوض هذا يصبح اكثر من مشروع، خصوصا اذا كان المسار الفلسطيني ينتقل من تعقيد الى آخر برغم وضع ادارة جورج بوش كل ثقلها لانجاز ولو بيان سلام وليس اتفاقاً يتوج به ولايته الثانية، لكن الامور تبدو مسدودة بالكامل. فكيف يمكن تحقيق اختراق على المسار السوري ودمشق صاحبة نظرية السلام العادل والشامل. لذا يبدو العرض الاسرائيلي في جانب منه محاولة لنسف القاعدة السورية حول تلازم المسارات وعزل الجانب الفلسطيني، وهو نتيجة بسيطة ازاء ما تذهب اليه الشروط الاسرائيلية من وجوب ان تفك سوريا تحالفها مع ايران ومع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وهي النتيجة الاساس التي يرمي اليها الاسرائيليون، معتقدين ان بامكانهم حشر دمشق في الزاوية واجبارها على التخلي عن مصادر قوة باتت اساسية لديها، من خلال شبكة التحالفات الاقليمية التي فعّلت خط الممانعة والممقاومة في وجه المشاريع الاميركية الى حد جعل من الرئيس بشار الاسد شخصا يحتل مرتبة متقدمة من حيث تاييد الشارع العربي له وفق الاستطلاع الذي اجرته جامعة ميريلاند الاميركية مؤخرا، برغم كل ما يتعرض له من حصار ومضايقات من بعض الدول العربية. وبالتالي فان ما يقدم لدمشق من جانب اولمرت ليس سوى مناورة تظهر عقم التفكير الاسرائيلي وسذاجته فضلا عن ارتباكه في كيفية التعامل مع الاخطار التي باتت تحيق بالدولة العبرية وتهدد وجودها، الى درجة بات يظن فيها قادتها انه يمكن عزل سوريا عن التزامها خيار الرأي العام العربي، وتحالفها الاستراتيجي مع ايران مقابل عملية تفاوضية غير مضمونة النتائج.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1265ـ 2 ايار/مايو2008