ارشيف من : 2005-2008
خاص "الانتقاد.نت": المعارضة حققت ما وعدت به فسقط الاستئثار وانتصر العيش المشترك
كان طلال يتابع النقل التلفزيوني المباشر لوقائع الجلسة الختامية للحوار الوطني عندما سمع الرئيس نبيه بري يرفع اعتصام المعارضة الوطنية المفتوح في وسط العاصمة منذ 18 شهراً كهدية لاتفاق الدوحة.
يعتبر طلال واحدا من المعتصمين القلائل الذين لم يغادروا ساحة الاعتصام أبداً منذ كانون الأول 2006، وهو يرى بعد كل هذه المدة التي أمضاها في خيمة أشرف على تجهيزها بأثاث متواضع بأن الاعتصام حقق أهدافه بعد خمسمئة وثمانية وثلاثين يوماً.
حصلت المعارضة على الثلث الضامن، واجبرت قوى السلطة على الجلوس الى طاولة الحوار رغما عنها، كما أرغمتها على ترك سياسة الاستئثار والتفرد في الحكم والقبول بالمشاركة والعودة الى الميثاق الوطني وصيغة العيش المشترك، والتوافق أيضاً على انتخاب رئيس للجمهورية وقانون الانتخابات وقضايا وطنية أخرى كانت ترفض البحث فيها أو التنازل عنها.
يقول طلال الذي باشر فوراً في تفكيك خيمته بعد الاعلان عن اتفاق الدوحة انه جاء الى وسط بيروت مع أكثر من مليون متظاهر في 29 تشرين الثاني 2006 لمطالبة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بالوسائل الديمقراطية المشروعة بالاستقالة بعدما تجاهلت استقالة جميع الوزراء الشيعة من الحكومة، وأصرت على مخالفة بند العيش المشترك في الدستور.
كرست المعارضة الوطنية طوال فترة الاعتصام في وسط بيروت معادلة بسيطة وهي المشاركة الديمقراطية في الحكم من الشارع مقابل استئثار فريق السلطة بالحكومة ومؤسسات الدولة كافة، ورفض مشاركة المعارضة في الحكومة بما يتناسب مع حجمها التمثيلي، ويؤكد طلال ان المعارضة كانت تقول يومياً للشركاء في الوطن: انتبهوا الى سياستكم، لقد أخرجتم طائفة من الحكم، ودفعتم المعارضة التي تتمثل فيها جميع الطوائف الى الشارع، وهو ما يُشكل انتهاكاً فاضحاً للميثاق الوطني.
وخلال سنة ومئة وثلاثة وسبعين يوماً مارست المعارضة حقها في التعبير السلمي الديمقراطي فاعتصمت في وسط بيروت وأقامت المنابر الخطابية الحرة أمام القيادات والناس، ونصبت الخيام في ساحتي رياض الصلح والشهداء، واستقدمت جمهورها من جميع المناطق، ومختلف الطوائف، والأحزاب والقوى الوطنية، ونادت بصوت واحدة "بدنا حكومة حكيمة تعمل لبلادها قيمة"، لاعتقادها ان رئيس السراي سيستجيب لصوت الشعب إلا أنه صم أذنيه وأصر على خيانة الدستور.
انهت المعارضة اعتصامها القياسي في المكان والزمان والحشد البشري المتواصل من دون ان تُسجل على نفسها حصول صدامات مع جيرانها سواء من نزلاء السراي الحكومي، أو من القوى الأمنية اللبنانية المنتشرة في وسط بيروت لحماية المقرات الرسمية، وأكد المعتصمون انهم حافظوا خلال وجودهم في ساحة الاعتصام على علاقة طيبة مع المؤسسات التجارية والشركات والمصارف، وقال طلال "كُنا نحرص على طمأنة الجميع هنا بما فيهم مقر الأمم المتحدة الذي كان شاهداً على مدنية الاعتصام، وسلمية التحرك".
وبالرغم من حملات التشويه والافتراء على الاعتصام وتحميله مسؤولية تعطيل الاقتصاد الوطني فإن المعارضة أكدت في أكثر من مناسبة ان خيامها منصوبة في مواقف السيارات، وليس في مداخل الأبنية أو داخل الشقق التجارية، ولم تكن تمنع اي أحد من مزاولة اعماله، وادخال مواد البناء أو البضائع التجارية، كما ان الطريق المؤدية الى الوسط التجاري من جهة البحر ظلت مفتوحة ولم يتم اقفالها أبداً. إلا ان قوى السلطة هي التي مارست التضليل الاعلامي على الناس، ونشرت الخوف من الاعتصام، وحرضتهم على الاعتصام والمعارضة، ونشرت الكراهية، ومارست الكيدية في الاقفال المتعمد للمقاهي والمطاعم من أجل اثبات صحة اتهاماتها للمعارضة بتعطيل الحياة في وسط مدينة بيروت.
بعد الاتفاق في الدوحة بدأ المعتصمون بتفكيك الخيام واستدعوا عشرات الشاحنة لتحميل الأغراض. حدث ذلك أمام عدسات النقل المباشر وأعرب الصحفيون عن دهشتهم وهم يراقبون نقل البرادات المنزلية والمطابخ والمكيفات والصالونات والحمامات والمغاسل والسرائر والفرش والمكاتب، وغيرها من مستلزمات طول الإقامة، وبحسب رجال الصحافة والاعلام فإن المعارضة كانت تتوقع ان يستمر الاعتصام أكثر من ذلك بكثير بدليل التجهيزات المنقولة من الخيام.
في ساحة الشهداء انهمك شباب من التيار الوطني الحر في تفكيك الخيام وتوضيب الأغراض، وهم يؤكدن ان قوى السلطة لا تفهم إلا بالعصا، لأن هذا الاعتصام كان كفيلاً لوحده باسقاط أكبر رئيس حكومة في العالم لو كان عنده ضمير وطني، واعتبر طوني أحد ابرز اعضاء التيار من الذين مكثوا في الاعتصام "ان تجربة الاعتصام عززت قناعتنا بالمشاركة والتعايش لأننا طوال هذه الأيام التي امضيناها هنا تعرفنا أكثر الى شباب من أحزاب وطوائف أخرى نشترك معها في المعاناة من الفساد السياسي والاقتصادي، ونلتقي معها في الحلم بلبنان الجديد".
القوى الأخرى في المعارضة ولا سيما حركة امل وتيار المردة، وتيار التوحيد، ورابطة الشغيلة، انجزوا عملية التفكيك، وقال مسؤول الحركة في الاعتصام ان المعارضة عبرت عن حُسن نية في رفع الاعتصام، "ونحن نعتبر ان حكومة السنيورة باتت في حكم المستقيلة منذ توقيع اتفاق القاهرة، كما اننا نريد تسهيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية، لذلك جاء قرار انهاء الاعتصام".
آخر ما تم رفعه من ساحة الاعتصام كانت صور شهداء المعارضة المعلقة بالقرب من المنصة الرئيسية حيث كانت تُلقى الكلمات مساء كل يوم تقريباً، وأكد طلال ان "المعارضة قدمت العديد من الشهداء، الذين سقطوا برصاص الغدر والحقد لأنهم قالوا لا للطائفية ولا للمذهبية ونعم للعيش المشترك".
بعد مرور 48 ساعة على قرار المعارضة فك الاعتصام، وقبل 48 ساعة من موعد انتخاب رئيس الجهورية وتشكيل حكومة جديدة كانت ساحة الاعتصام خالية تماماً من المعتصمين، لتشهد على حكمة المعارضة، وطول بالها، ورسالتها الديمقراطية واصرارها على العيش المشترك، واحترام الحريات.
قاسم متيرك