ارشيف من : 2005-2008
«النصف الآخر» لسليمان: أي حسابات ستأتي برئيس الحكومة؟
سليمان خطابه على قاعدة «السهل الممتنع»، فاستطاع ان يقارب أكثر الملفات تعقيدا بلغة بسيطة زاوجت بين الالتزام بالثوابت والبراغماتية في التعبير عنها، الأمر الذي أتاح له ان يقدم نفسه من أول الطريق رئيسا توافقيا، يستطيع ان يطمئن الجميع، من دون ان يعني ذلك انه بلا لون ولا طعم.
ولعل التحدي الاكبر الذي سيكون على الرئيس المنتخب مواجهته هو ان يستطيع الاحتفاظ أطول وقت ممكن بالبريق الذي اكتسبه في بداية عهده، وحتى قبله، باعتبار ان معظم الرؤساء يبدأون ـ كما دلت التجارب ـ بفقدان جاذبيتهم مع انقضاء «فترة السماح» المتعارف عليها والمباشرة في ارتطامهم بأرض الواقع، التي تمتص في معظم الاحيان حبر خطابات القسم.
وقد تسنى للعماد سليمان ان ينطلق في عهده «مترسملا» بأوراق قوية تجمعت في يديه مرة واحدة، بدءا من اتفاق الدوحة الذي وفر عليه الكثير داخليا، مرورا برصيد المؤسسة العسكرية والاجماع الشعبي، وصولا الى شبكة الامان الاقليمية والدولية التي تمتد من دمشق الى الرياض ومن طهران الى باريس وعواصم أخرى، في لحظة تقاطع نادرة بين مراكز القوى الخارجية، احتاج لبنان الى انتظارها ثلاث سنوات تقريبا من أجل الخروج من نفق الازمة.
وسليمان مُطالب الآن بأن يُحسن استخدام هذه الاوراق ـ الهدايا، في المكان المناسب والوقت المناسب، بما يعطي دفعا إضافيا لمسار التسوية الذي انطلق من قطر، لا سيما ان عهودا سابقة كان قد توفر مع انطلاقتها رصيد كبير كذلك، إلا انها سرعان ما فرطت به، لينكشف الحساب لاحقا، وتبدأ «الاستدانة السياسية» من هنا وهناك.
وفي الانطباعات التي تكونت لدى مراقبين حياديين حول خطاب القسم ودلالاته، ان سليمان أراح المقاومة وسوريا في النقطتين المتعلقتين بهما، وإن كان قد نسجهما بصيغة قابلة للتسويق ولا تستفز فريق الموالاة، كما فعل حين أكد وجوب الاستفادة من طاقة المقاومة لخدمة الاستراتيجية الدفاعية، اي انه انطلق من مبدأ الحفاظ على السلاح ليحصر النقاش في كيفية توظيفه وليس في كيفية نزعه، لكنه دعا أيضا في العبارة التالية الى وجوب عدم استهلاك إنجازات المقاومة في صراعات داخلية، الامر الذي وجدت فيه الموالاة محاكاة لهواجسها بعد الاحداث الاخيرة.
وفي ما خص الملف السوري، اعتمد سليمان أيضا «المقاربة المركبة» التي جمعت بين تمسكه بالعلاقات المميزة مع سوريا (بعدما غاب تعبير «المميزة» طويلا خلف غبار الازمة التي انفجرت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري) وبين إصراره على الندية التي تستند الى الاحترام المتبادل لسيادة وحدود كل من البلدين، لتكون النتيجة ان كلا من فريقي الموالاة والمعارضة وجد في «تعريف» الرئيس للعلاقات الثنائية ما يعانق ثوابته.
لكن الاهم بعد خطاب القسم ان يجد سليمان «نصفه الآخر» في الحكم، بما يجعل انطلاقته أكثر فعالية وإنتاجية، وهذا يتوقف بطبيعة الحال ـ والى حد كبير ـ على طبيعة الشخصية التي ستُكلف برئاسة الحكومة الاولى في العهد الجديد.
وليس خافيا، في هذا الاطار، ان الخيار محصور تقريبا بين النائب سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة، ما لم تقرر قوى الاكثرية في اللحظة الاخيرة توسيع بيكار الاحتمالات وترشيح شخصية أخرى لتولي رئاسة الحكومة، في ضوء ما يمكن ان يفضي اليه النقاش الحاصل في صفوف هذه القوى.
وعُلم ان المشاورات كانت قائمة أمس على قدم وساق بين رموز الموالاة من أجل حسم هوية المرشح خلال الساعات القليلة المقبلة، بعد الانتهاء من الدرس المستفيض للعناصر الايجابية والسلبية في تولي الحريري او السنيورة لرئاسة مجلس الوزراء.
ولئن كانت المعارضة تنتظر ما سترسو عليه المشاورات داخل فريق 14 آذار، مع ميل لدى غالبية أطيافها نحو الحريري، إلا ان أوساطا في تكتل التغيير والاصلاح تؤكد ان التكتل لن يسمي عند بدء استشارات التكليف لا الحريري ولا السنيورة، انسجاما مع الموقف المبدئي لرئيسه العماد ميشال عون الذي كان قد طالب بعد انسحابه من معركة رئاسة الجمهورية بان يحذو الحريري حذوه، منعا لازدواجية المعايير في التعاطي مع مواقع السلطة، وحتى ينسحب مقياس التوافق الذي اتبع في اختيار رئيس الجمهورية على رئاسة مجلس الوزراء.
أما السنيورة، فإن أوساط التكتل تعتبر انه يجب استبعاده كليا وعدم البحث بتاتا في اسمه لانه يتحمل المسؤولية عما حصل في البلد منذ وصوله الى السرايا الحكومية، وبالتالي يجب عدم إعادة إنتاج تجربته مجددا.
وفي اعتقاد مصادر سياسية متابعة ان ترشيح الموالاة للسنيورة، إذا حصل، إنما سيعني الآتي:
ـ استمرار انسداد شرايين العلاقة بين الرياض ودمشق، بما يدفع المملكة العربية السعودية الى عدم تشجيع سعد الحريري على تولي رئاسة الحكومة في هذه المرحلة بالذات، لان من سيشغل هذا المنصب سيكون ملزما بالتواصل مع القيادة السورية، الامر الذي لن يستطيع الحريري فعله قبل ترتيب الوضع السوري ـ السعودي.
ـ ربما تكون الولايات المتحدة الاميركية متحمسة لمنح السنيورة «جائزة ترضية»، بعد الذي تحمله طيلة الفترة الماضية، بحيث تتيح له السنة التي سيمضيها في رئاسة مجلس الوزراء ان يمارس الحكم في ظروف مختلفة.
ـ عودة السنيورة ستشكل امتصاصا معنويا لبعض من زخم العهد الجديد، الذي سيكون من الافضل له ان يُقلع متخففا من «الحمولة الثقيلة» التي تعود الى المرحلة السابقة، في حين ان بداية العهد ستكون أقوى إذا كان الشريك فيها شخصا لم تستهلكه الازمة الاخيرة.
ـ ترؤس السنيورة الحكومة المقبلة، قد يجعل اطرافا عدة ولا سيما في المعارضة، تعتمد مواصفات معينة في اختيار وزرائها، تأخذ بعين الاعتبار احتمال الاضطرار الى خوض مواجهات سياسية مع السنيورة داخل مجلس الوزراء.
أما إذا رشحت الموالاة الحريري، فإن ذلك سيعني ـ بحسب المصادر ـ الآتي:
ـ انفراج في العلاقة السعودية ـ السورية، بموازاة الانفراج في لبنان من خلال اتفاق الدوحة وانتخاب سليمان رئيسا للجمهورية.
ـ انكفاء أميركي عن الساحة اللبنانية، مقابل تعزيز «مرجعية» الدور السعودي في التعامل مع الاكثرية.
ـ تسهيل مهمة الرئيس المنتخب وتزخيمها عبر ضخ دم جديد في عروق رئاسة الحكومة.
ـ احتواء الاحباط السني الذي ترتب على الاحداث في بيروت.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، التاريخ: 27/5/2008