ارشيف من : 2005-2008
في الثامنة من عمري
التسلسلي، ولأنه لا يمتّ بصلة إلى منطق الحوادث العربية.
ينتسب التاريخ إلى الخامس والعشرين من أيار (2000)، لأنه بدء التاريخ الجديد، ككل البدايات التي بها يؤرخ ما بعده، فإن سئلت اليوم أنا كاتب هذه السطور، كم عمرك الآن؟ أجيب: أنا في الثامنة بعد التحرير.
بهذا التاريخ أبدأ حياتي الجديدة.
بالتاريخ القديم استكملت انحداراتي وهزائمي وإحباطاتي، وما أقوله ليس من باب التعظيم، بل من باب تأكيد أن حدث الانتصار كان البداية التأسيسية لمرحلة أنجبت صموداً في تموز (2006)، والبداية التأسيسية لمرحلة محو النكبة و"دمار الهيكل".
2 ـ قبل وبعد
أذكر أنني في الخامس والعشرين من أيار من العام ألفين، وكنت آنذاك نائباً لرئيس التحرير في جريدة "السفير"، كتبت مقالة في زاويتي اليومية عن سيد المقاومة، وكانت مختلفة عن كتاباتي السابقة لغة ومفردات، امتلأت العبارات شعراً وتدفقاً من مشاعر.
سئلت عن السبب، قلت: لقد تغيرت، نصري قبل التحرير هو غيره بعد التحرير.
صدقت: فيومذاك كان عمري قيد الولادة الجديدة، وأنا أحدد عمري الجديد: أنا الآن في الثامنة من عمري. وأذكر أنه في اليوم التالي استضافتني محطة تلفزيونية مواكبة للتحرير، ويومها فقدت مقاليد الكلام، ولياقات الجواب عن السؤال، ورحت أطالب المحطة بوقف الأغاني الحزينة، وبث أغاني مرسيل خليفة الوطنية، لأننا بعد اليوم بحاجة إلى فرح حقيقي، كفانا بكاءً وندباً ووقوفاً على الأطلال.. قاطعتني المذيعة وطرحت عليّ سؤالاً يقتضي أن تكون الاجابة عنه من سياقات الكلام، فقاطعتها بدوري، وأشرت عليها بأنه إذا لم يكن لديكم أغنيات تمجد الفرح والانتصار، فما عليكم سوى بث أغنيات زكي ناصيف، رسول الغناء إلى الانتصار.
يومها كان لي من العمر يوم ونصف..
أنا الآن في الثامنة من عمري، بإمكاني أن أشطب الخمسين السالفة بلا ندم، فمن يذوق طعم الانتصار الحقيقي يشعر أنه لا يتقدم بالسن أبداً، فالانتصار في هذا المعنى هو التجدد، هو الولادة، هو الغد الدائم.
3 ـ قدّم سلاحك
غريب أمر استدعاء الهزائم! قسم من اللبنانيين والعرب كان يفضل الهزيمة، كأنه اعتاد منطق "الهزائم البناءة"! ولقد بدا ذلك في مواقفهم وإعلامهم، وليس صحيحاً أن الانتصار شكل لهم إحراجاً، لأنهم في الأساس هم ضد الانتصار، ولأنهم في الثقافة والانتماء من جيل تقبيل الأيادي، ومن جماعات يشبه منطقها منطق العصابات.
فهل يعقل أن يقال للمنتصر: أنت متهم بالانتصار! وعليه فإنه من الواجب أن "تقدم سلاحك" للمهزوم؟!
غريب أمر هذا البعض الكثير!
انهم ورثة سلالة بشرية عرفت بموت ضميرها وانتحار إنسانيتها.
4 ـ تأريخ مرة أخرى
في الخامس عشر من أيار العام 1948 بدأ تاريخ النكبة واستمر، والبعض يتفيأه ويعتبره زمنه، ويفضل الانتماء اليه.
في الخامس والعشرين من أيار (2000) بدأ تاريخ الانتصار، وهو مستمر، والبعض ينتمي اليه ويعتبره زمن المستقبل.
وعليه.. وبناءً عليه..
في يوم ما.. من شهر ما.. من سنة ما.. من عقد ما.. ستزول هذه "الإسرائيل" ويبدأ تأريخ جديد.
لا ننتسب يومها إلى التاريخ، سينتسب هو الينا، سيصبح ضيفاً عندنا، ونلقنه إنسانيته المفقودة من يومياته في دنيا العرب.
الانتقاد/ العدد1269 ـ 30 ايار/ مايو2008