ارشيف من : 2005-2008

حصار غزة.. مصانع الخياطة مشلولة وأصحابها مثقلون بالديون

حصار غزة.. مصانع الخياطة مشلولة وأصحابها مثقلون بالديون

غزة ـ فادي عبيد
ما من شك في أن الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة منذ عدة أشهر لم يترك جانباً من جوانب الحياة فيه إلا وأتى عليه؛ حتى باتت آثاره السلبية جلية بقدر الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها الكثير من القطاعات، وفي مقدمتها مصانع الخياطة والنسيج؛ ولا سيما أنها تعد ثالث القطاعات الصناعية من حيث المشاركة في الناتج المحلي فهي تساهم بنحو 17% من ناتج الدخل القومي، كما أنها تمثل ثاني القطاعات من حيث تشغيل الأيدي العاملة.
أحمد عباس ـ مواطن غزي في الأربعين من عمره، صاحب مصنع للخياطة لم يجد أمامه سوى الجلوس في بيته، وإقفال مصنعه جراء نفاد مسلتزمات العمل من أقمشة وخيوط جراء الإغلاق الصهيوني المستمر لمعابر غزة تحت ذرائع أمنية واهية.
يقول عباس وهو متزوج وأب لثمانية أبناء: "إن مصنعه توقف عن العمل بشكل كامل منذ عام ونصف، ما دفعه إلى تسريح جميع العمال لديه وعددهم 50 عاملاً وبالتالي حرمان أسرهم من مصدر الدخل الرئيسي لهم في ظل ندرة فرص العمل".
وعن الخسائر التي لحقت به جراء الحصار، أوضح عباس أن خسارته المادية بلغت أكثر من 70 ألف دولار، لافتاً إلى أن هناك خسائر أخرى غير ظاهرة تتمثل في الأعطال التي قد تلحق بماكينات الخياطة لديه وعددها 60 ماكينة؛ نتيجة قلة استخدامها وتراكم الغبار عليها منذ عدة أشهر.
صور من المأساة
إياد صالح ـ نموذج آخر للمأساة التي يعيشها أصحاب مصانع الخياطة؛ التقيناه داخل مصنعه بمدينة غزة، وقد بدا في حال لا يحسد عليها، وهو يتأمل مصنعه الذي لطالما سمع فيه ضجيج الآلات، وشوهدت داخله حركة العمال تبدد سكون المكان، لتضفي عليه أجواء الحياة والأمل.
يقول صالح الذي تكبد خسارة بقيمة 60 ألف شيكل: "فقدنا مستحقاتنا لدى الشركات الإسرائيلية بفعل الحصار، ولم نتلق أي تعويض من أي جهة رسمية أو غيرها"، مؤكداً أنه ليس بالإمكان العمل لمصلحة الأسواق المحلية البائسة، خاصة في ظل عدم توافر مستلزمات العمل وتردي الوضع الاقتصادي". 
ومضى صالح يقول: "لم يعد بإمكاني دفع رسوم الحضانة لطفلي.. بت أعيش على الديون، مع فقداني لعملي".
الحال لم يكن بالأفضل لدى محمد حماد حيث لم يجد أمامه سوى تسريح عماله الخمسين، في ظل عدم وجود أمل بقرب فتح المعابر.
يقول حماد الذي أثقلت مصروفات أفراد أسرته الثلاثين كاهله: "عندي بضاعة بقيمة 50 ألف شيكل، لم استطع تصديرها بفعل إغلاق المعابر، وإن قمت ببيعها في الأسواق المحلية لن تأتي إلا بعشرة آلاف شيكل.. وبالتالي الخسارة ستتضاعف".
أما كيف يقضي يومه؛ فأضاف حماد أنه لا بديل أمامه سوى النوم بعد أن تقطعت به السبل وبات بلا عمل.
الآثار السلبية للحصار لم تقتصر على أصحاب مصانع الخياطة فحسب؛ بل امتدت لتطال العمال المغلوبين على أمرهم، والذين أحيوا عيدهم العالمي في الأول من أيار بمسيرات، وتظاهرات ليس للمطالبة بزيادة أجورهم؛ وإنما لإرسال صرخة مدوية مفادها "أن من حقهم الحصول على مصدر دخل يساعدهم على توفير أقوات صغارهم".
محمود عوف (26 عاماً)، يعمل في مجال الخياطة منذ 10 سنوات، انضم كغيره إلى قوائم البطالة القاتمة التي تضم الآلاف من الشباب، عقب توقف المصنع الذي كان يعمل فيه نتيجة إغلاق المعابر؛ ليس هذا فحسب بل فقد آماله بتكوين أسرة صغيرة؛ بعد أن أصبح بلا مصدر دخل.
كثيرة ولكن...
هذا الواقع المأساوي بجوانبه المتعددة، عبر عنه  محمد أبو شنب ـ رئيس اتحاد مصانع الخياطة بالقول: "إن إجمالي الخسائر المباشرة لهذا القطاع خلال الفترة السابقة يقدر بحوالى 20 مليون دولار نتيجة لتوقف المصانع عن الإنتاج وإلغاء العقود والصفقات المتفق عليها مع المصانع الصهيونية لموسمي الصيف والشتاء".
وأكد أبو شنب أن العاملين في مجال الخياطة وعددهم يقدر بنحو 25 ألف عامل موزعين على أكثر من 600 مصنع مسرحون ويعيشون بلا أي مصدر دخل، وحول الدور المنوط باتحاد مصانع الخياطة للتخفيف عن أصحاب المصانع، ومساندتهم في أزماتهم، قال أبو شنب: "نظراً لما يعانيه أصحاب المصانع، وضياع مستحقاتهم لدى الشركات الإسرائيلية، ومنهم من اضطر لأخذ قروض من البنوك ولا يستطيع سدادها، ومطالب بدفع ضرائب وغيرها، توجهنا لعدة جهات من بينها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"؛ لكن دون أن يلتفت إلينا أحد".
كثيرة إذاً هي الجوانب السلبية للحصار الصهيوني الجائر على غزة؛ وقليلة هي التحركات الفعلية العربية والإسلامية للتخفيف منها، إن لم نقل إنها معدومة.
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23