ارشيف من : 2005-2008

اتفاق الدوحة يرسم معادلة جديدة في لبنان: المعارضة حققت انجازا وطنيا وفريق السلطة يحصي خسائره

اتفاق الدوحة يرسم معادلة جديدة في لبنان: المعارضة حققت انجازا وطنيا وفريق السلطة يحصي خسائره

اذا كان "اتفاق الدوحة" لم يرث "اتفاق الطائف" بالمعنى الدستوري لأنه شكل اتفاقا سياسيا بين فريقي المعارضة والموالاة، لكنه بالتأكيد سيشكل عنوان الحياة السياسية اللبنانية، لأنه سيرسم مرحلة جديدة من تاريخ لبنان ستؤسس لمستقبل هذا البلد سنوات عديدة مقبلة. وقد أعطى هذا الاتفاق الذي جرى برعاية دولة قطر التي بذلت جهودا مضنية للتوصل اليه، وجها جديدا للبنان مع ارساء موازين قوى سياسية جديدة، بعدما تمكنت من خلاله المعارضة الوطنية من تحقيق جميع مطالبها السياسية التي نادت بها طوال ثمانية عشر شهرا من عمر الأزمة التي كانت تبلورت عمليا بالقرار الاضطراري لوزراء حزب الله وحركة أمل وبالتضامن من الوزير يعقوب الصراف، الخروج من الحكومة بتاريخ 11-11- 2006.
وفي تقييم لاتفاق الدوحة، فإن المعارضة تعتبر نفسها حققت جميع أهدافها السياسية، حيث حصلت على الثلث الضامن في حكومة الوحدة الوطنية (أحد عشر وزيرا من أصل ثلاثين وزيرا)، ونالت قانونا انتخابيا عادلا يرضي أغلبية القوى السياسية اللبنانية، من خلال اعتماد قانون العام ستين، مع تقسيم دوائر العاصمة بما يرضيها ايضا.
وإذا كانت المعارضة ترفض اعتماد "خطاب الغالب والمغلوب" بعد اتفاق الدوحة وما سبقه من تراجع الحكومة اللاشرعية عن قراريها المشؤومين حول سلاح الاشارة في المقاومة وقائد جهاز أمن المطار, فإنها تؤكد انها "حققت انجازا سياسيا كبيرا".. وترى مصادر المعارضة ان المنتصر هو لبنان كل لبنان، وليس فئة ضد اخرى. وتضيف المصادر: "ما جرى أثبت عقم المراهنات على المشاريع والقوى الخارجية، وأنه عندما تحضر العزيمة والتصميم لدى القوى السياسية اللبنانية يمكنها اجتراح الحلول والتسويات التي تنقذ لبنان وتمنع مشاريع الفتنة التي راهن عليها الاميركيون والصهاينة".
مكاسب المعارضة 
المصادر المتابعة تفصل في حسابات "المكاسب" التي حققتها المعارضة "والإخفاق" للقوى الموالية من خلال اتفاق الدوحة, وترى ان العماد ميشال عون كان في أوائل الرابحين, أولا لأنه بعدما ضحى بحقه في الترشح لرئاسة الجمهورية أكد وهم المراهنات على عدم جديته في تأييد المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان، وهو ما كان يركز عليه فريق السلطة للإيقاع بين عون وقائد الجيش.
ثانيا: تمكن عون من استرداد الجزء الأكبر من حقوق المسيحيين في العاصمة بيروت من
خلال المعركة الناجحة التي خاضها بشأن تقسيم الدوائر في العاصمة، حيث نجح مع المعارضة في انتزاع دائرة مسيحية صرفة مع دائرة ثانية لا تخضع لكتلة أصوات المستقبل.
ثالثاً: حقق عون المطلب المسيحي التاريخي بقانون انتخاب عادل على أساس القضاء، وإضافة الى ذلك سوف يحظى عون بحصة الأسد في التمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة.
اما حزب الله وحركة أمل فقد حققا مطلب الشراكة الوطنية من خلال الثلث الضامن، وكذلك نجحا في تكريس معادلة عدم الاقتراب من سلاح المقاومة، والتأكيد ان هذا السلاح لا يُمس ما دام هناك احتلال وتهديد صهيوني للبنان. كذلك كان هناك التزام من الراعي القطري بأن البيان الوزاري للحكومة الجديدة سيتضمن الفقرة ذاتها في البيان الوزاري للحكومة الحالية في ما خص دعم المقاومة ضد الاحتلال.
إخفاقات الموالاة
شكل تقسيم الدوائر في العاصمة بيروت انتكاسة لتيار المستقبل الذي خسر "دوائر قانون غازي كنعان" التي ابتلع من خلالها جميع مقاعد العاصمة في انتخابات عام ألفين وخمسة. وبالاتفاق الجديد سيخسر المستقبل تسعة مقاعد حسبما هو متوقع. كذلك سيخسر عددا من مقاعد الشمال بعد اعتماد القضاء دائرة انتخابية. كذلك فإن المستقبل سيكون محرجا جدا أمام جمهوره بعدما وافق على الثلث الضامن للمعارضة، بعدما كان ربّى هذا الجمهور طوال سنتين على ان القبول بهذا الثلث هو بمثابة الهزيمة والانكسار وما الى ذلك من مواقف كان فريق السلطة يتلطى خلفها رفضا للشراكة في الحكومة.
ومن أبرز الخاسرين في صفوف فريق السلطة كان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي كان دوره في الدوحة "إكمال عدد"، حيث لم يكن له أي تأثير او دور في سير المفاوضات التي جرت. وهو انفضح عندما تجنب أي مسعى للضغط باتجاه تحقيق حقوق المسيحيين في بيروت، تاركا لحليفه الحريري خوض معركة مواصلة مصادرة هذه الحقوق، فيما نجح العماد ميشال عون متحالفاً مع المعارضة في استعادة جزء كبير من هذه الحقوق. كذلك تسجل خسارة لجعجع في الحملة التي شنها على المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان، وتسجيله تحفظه عليه كمرشح توافقي في اتفاق الدوحة. وهذا الإخفاق لجعجع ينسحب ايضا على رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الذي كان همّه الأول هو إثارة ضجيج اعلامي حول سلاح المقاومة وضرورة وضعه على الطاولة، من دون ان يتمكنا من تحقيق أهداف من كلفهما بهذا الدور.
اما رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط فقد بدا منكفئا عن السجال الاعلامي الذي كان يحصل، وهو أخذ بعين الاعتبار الوقائع السياسية وغير السياسية التي طرأت على الجبل. وهو كان ايضا من بين الخاسرين في السياسة بعدما أدى به "تعطل راداراته السياسية مؤخرا" الى افتعال أزمة القرارين التي جرت، فكان من أبرز الخاسرين. وهو بحسابات قانون الانتخاب الجديد قد خسر تلقائيا مقاعد قضاء بعبدا الستة، ما يفقده ثلث أعضاء كتلته النيابية في الانتخابات المقبلة.                  
هلال السلمان
ــــــــــــــ
انتخاب سليمان الأحد ومهمات ثقيلة أمام الحكومة الجديدة
الفراغ الرئاسي الذي استمر ستة أشهر ينتهي بعد يومين مع بدء ترجمة بنود اتفاق الدوحة بانتخاب رئيس الجمهورية التوافقي قائد الجيش العماد ميشال سليمان في جلسة تاريخية لمجلس النواب, وهي الجلسة العشرون بعد تسعة عشر موعدا لم يتأمن لها النصاب القانوني بسبب غياب اتفاق السلة المتكاملة بين الموالاة والمعارضة, حيث بقي رئيس مجلس النواب نبيه بري يرجيء الجلسات من تاريخ الخامس والعشرين من أيلول من العام الماضي الى الإرجاء الاخير للجلسة في العاشر من حزيران، الذي قدم الى الأحد في الخامس والعشرين من ايار بعد تأمين التوافق على السلة المتكاملة للحل  ضمن اتفاق الدوحة.
الجلسة التي سيحضرها عدد من الضيوف والسفراء العرب والأجانب سيؤدي خلالها الرئيس الجديد خطاب القسم.
ويلي هذه الجلسة تقديم الحكومة اللاشرعية استقالتها للرئيس الجديد الذي يدعو بعد ذلك النواب الى جولة استشارات ملزمة في قصر بعبدا لتسمية رئيس الحكومة الجديد. وبعد نتيجة الاستشارات يكلف هذا الرئيس بتشكيل الحكومة من خلال استشارات يجريها في مقر المجلس النيابي مع الكتل النيابية والنواب المستقلين. وبعد تأليف الحكومة بمرسوم يوقع من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف, يبدأ العمل على اعداد البيان الوزاري للحكومة الجديدة الذي يقر في مجلس الوزراء، ثم تذهب الحكومة الى مجلس النواب لتنال الثقة على أساسه.
مهمات الحكومة الجديدة التي ستشكل ستنصب على العديد من الملفات، أبرزها مواكبة اقرار قانون الانتخاب الذي جرى الاتفاق عليه، ومراجعة كمّ كبير من المشاريع التي كانت أقرتها الحكومة اللاشرعية على مدى عام ونصف العام. كما ان أمامها احالة موازنات ثلاثة أعوام على المجلس النيابي، وإعادة البوصلة الصحيحة لكيفية التعاطي مع اموال اعادة الاعمار جراء العدوان الصهيوني، اضافة الى معالجة الازمة الاقتصادية المستفحلة الناتجة عن السياسات الكارثية لفريق السلطة.
كما سيكون أمام الحكومة الجديدة صياغة سياسة خارجية جديدة تفك ارتباطها بالمشروع الاميركي وتعمل على معالجة العلاقات اللبنانية السورية لما فيه مصلحة البلدين الشقيقين، وهو التعبير الذي تذكره أخيرا رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة خلال كلمته في احتفال توقيع اتفاق الدوحة.
هـ . س
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23