ارشيف من : 2005-2008
كيف حمى سلاح المقاومة لبنان؟
ما بين الخامس والعشرين من أيار عام 2000 والخامس والعشرين من أيار عام 2008 ثماني سنوات من التحرير، عاش خلالها اللبنانيون وما زالوا أيام العز والاستقلال الحقيقي بفضل درع لبنان التي اسمها المقاومة الإسلامية، حيث حافظت هذه المقاومة على لبنان بعد أن حررت القسم الأكبر من ترابه، وبقيت على جهوزيتها واستعدادها الدائم لصد أي عدوان صهيوني في أي لحظة.
وقد استطاعت المقاومة خلال هذه السنوات أن تراكم من قوتها استعدادا للحظة المواجهة، وهذا ما حصل خلال عدوان تموز عام 2006، إذ حققت المقاومة أعظم انتصار في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وقدمت للأمة انتصارا إلهيا تاريخيا بكل المقاييس.
لكن هذه المقاومة تتعرض اليوم لأبشع حملة تشويه وإساءة يقودها فريق السلطة في لبنان، من أجل إدخال سلاحها في النزاعات الداخلية خدمة للمشروع الاميركي الصهيوني.
لكن وعي المقاومة وقيادتها أبقى هذا السلاح موجها نحو وجهته الحقيقية، ألا وهي الكيان الصهيوني، من أجل الدفاع عن لبنان الوطن.
كيف يمكن قراءة دور المقاومة وسلاحها في حماية لبنان في ضوء الذكرى الثامنة للتحرير؟ وهل حافظت المقاومة على إنجازات التحرير؟ سؤالان طرحتهما "الانتقاد" على كل من نائب رئيس الحكومة السابق ونائب رئيس التيار الوطني الحر اللواء عصام أبو جمرا والكاتب والمحلل السياسي سليمان تقي الدين والكاتب والباحث أمين قمورية.
اللواء أبو جمرة
يرى اللواء عصام أبو جمرا ان ضغط المقاومة طيلة سنوات على جيش "إسرائيل" حتى انسحب مهرولا من جنوب لبنان في 25-5-2000 كان بالنسبة الى لبنان إنجازا رائعا في مضمونه ومهما في مفعوله. وأشار الى أن استقلال الأوطان يُبنى على دم شهدائه وأجسادهم، وسيادة الشعوب يحققها ويحميها رجالها الأقوياء بإيمانهم.
ويضيف: استطاعت المقاومة أن تحافظ على إنجاز تحرير القسم الأكبر من أرض جنوب لبنان. وقد أصبح العدو يحسب لها ألف حساب بعد أن أثبتت قدرتها في حرب تموز 2006، عندما حاول الجيش الإسرائيلي الانقضاض عليها بأسلحته المتطورة لتجريدها من سلاحها وسحقها، فصدته وألحقت به أكبر هزيمة في تاريخه. وهي اليوم مع جيش لبنان وشعب لبنان الحر تواصل النضال والجهد سياسيا وعسكريا على جبهتي الداخل والخارج لإكمال تحرير ما تبقى من أرض محتلة واستعادة الأسرى، برغم ما تواجهه من "إسرائيل" وممن يحالفها ويدعمها، من مضايقات واستفزاز وتهديد.
تقي الدين
يؤكد تقي الدين أن المقاومة هي الطرف الوطني الأساس الذي أنجز التحرير عام 2000. وهي مقاومة ورثت واستكملت نضال اللبنانيين بأشكال ومحطات مختلفة منذ نشأة الكيان الصهيوني. وهذه المقاومة قامت أساسا لتملأ فراغ القوة الذي تركته الدولة اللبنانية تاريخيا في الجنوب. ويلفت الى أن السلطة السياسية في لبنان تعاملت تاريخيا بالعجز والتسليم لمنطق العجز والادعاء بأن قوة لبنان في ضعفه، وقد أدى ذلك الى تمادي العدو الصهيوني باعتداءاته المتكررة على لبنان.
وقد فرض منذ مطلع السبعينيات عمليات نزوح وتهجير كبيرة في الجنوب، لكن أخطر تلك الاعتداءات كان احتلال القوات الصهيونية عاصمة لبنان عام 1982.. وقد جاءت قوات الحلف الأطلسي لتؤازر هذا الاحتلال ولتفرض على لبنان شروطا مذلة باتفاقية (17 أيار)، ولتدعم قيام نظام سياسي موالٍ لـ"إسرائيل".
في تلك اللحظة التاريخية انطلقت المقاومتان اللبنانية والإسلامية وناضلتا حتى التحرير عام 2000، وبدا واضحا أن "إسرائيل" التي شنت حربها على لبنان بذريعة إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية، قد احتلت لبنان سنوات طويلة، وكانت ترغب في قيام اتفاقات تؤكد أطماع "إسرائيل" في لبنان من الأرض الى المياه، فضلا عن استباحة سوقه الداخلية وتطبيع العلاقات معه واستخدامه جسرا الى علاقات عربية أوسع.
هذه المقاومة التي حققت التحرير عام 2000 هي التي دافعت عن سيادة لبنان الحقيقية، وهي التي أعادت لهذا الكيان جغرافيته الكاملة ومكوناته الإنسانية، وما زالت تدافع عن وجوده، وهي الأساس في أي مشروع وطني يحفظ جميع اللبنانيين.
وفي ما خص الحفاظ على إنجازات التحرير، يرى تقي الدين أن المقاومة لم تستثمر سياسيا ما يكفي من إنجازات التحرير نظرا لتعقيدات الوضع الطائفي الداخلي، كما أنها لم تكن تملك رؤية للتحول الى حركة تحرر وطني تمزج بين المقاومة العسكرية والمقاومة الاجتماعية والسياسية والثقافية في عموم البلاد.. لكن صدمة حرب تموز 2006 وما سبقها من قرارات دولية وما تلاها، أدى الى إلزام هذه المقاومة بالتفكير على المستوى الوطني وبضرورة ضمان عمقها الداخلي.
فبعد أن انتصرت المقاومة في حرب تموز هذا الانتصار التاريخي بالمعنى الفعلي للكلمة، وبما يؤسسه من مسار معاكس لكل الخيبات العربية السابقة، كان على المقاومة أن تؤمّن ظهرها مع عمقها الوطني، فاضطرت أن تتعامل مع وقائع النظام السياسي، ومع حاجتها الى حزام شعبي في الداخل، ومن المبكر القول انها نجحت أو فشلت في ذلك، لأن المعيار هو في قدرتها على تصحيح الأجواء المشوهة وطنيا التي نتجت عن حملات خصومها في الداخل والخارج. ونحن نعتقد أن المقاومة مطالبة الآن بتطوير برنامجها السياسي وتقديم تصور وطني مع سائر حلفائها لمستقبل النظام السياسي في لبنان.
قمورية
يرى قمورية أن الدول عادة تدفع مليارات الدولارات من أجل بناء قوة دفاعية، فكيف بدولة صغيرة مثل لبنان استطاعت أن تفعل بمقاومتها ما لم تفعله الدول العربية مجتمعة! وبالتالي فإن هذه المقاومة هي كنز وطني يتعين حمايته والدفاع عنه والحفاظ عليه، لأن "إسرائيل" لم يغب عن بالها لحظة أن لبنان في دائرة استهدافها. ويضيف قمورية: نقرأ ما يجري في موريتانيا وبعض الدول الأفريقية، نجد البصمات الإسرائيلية واضحة.. فإذا كانت "إسرائيل" معنية الى هذا الحد بما يجري في تلك الدول، فكيف لا تكون معنية ببلد على حدودها استطاع إنزال هزيمة نكراء بها، ورسم لها حدودا وأزال احتلالها. وبالتالي فإن الخطر الإسرائيلي دائما محدق بلبنان لأسباب كثيرة، أهمها أن لبنان هو نقيضها عيشا وتنوعا ثقافيا وحضاريا، والأهم مقاومة.
لكن حتى تُحفظ هذه المقاومة وتكون سندا للبنان سياسة واقتصادا واجتماعا، فإن هذه المقاومة لا يمكن أن تُحمى إلا بحماية وطنية شاملة، ويجب أن تكون هاجسا لكل اللبنانيين من كل الانتماءات والأطياف، وأن يكون وجودها حماية لهم وللوطن.
ويعتبر قمورية أن نجاح المقاومة في تحرير كامل الأرض، ومن ثم إنزالها هزيمة بالعدو اعترف هو نفسه بها، يعني أن التحرير لم يكن منّة من أحد ولا ضربا من ضروب السياسة، بل نتيجة لما بُذل من تضحيات كبيرة على مدى سنين طويلة، شاركت به أطياف واسعة من اللبنانيين.. ثم كرست لبنان على الخريطة السياسية في المنطقة كدولة تستحق الحياة وتعطي شعبها وتعيد لشعبها كرامة فقدتها شعوب أخرى بفضل تخاذل أنظمتها. لكن من أجل تثبيت هذا الإنجاز يتعين على كل اللبنانيين وفئاتهم العمل على حماية هذا الإنجاز بحماية هذه المقاومة وعدم جرها الى متاهات الزواريب الداخلية، حتى تبقى سليمة لهم وللبنان.
مصعب قشمر
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008