ارشيف من : 2005-2008

بعد ثلاثة أعوام والقرار الوطني رهينة فريق السلطة: قانون انتخاب عادل مدخل لبناء الدولة القادرة

بعد ثلاثة أعوام والقرار الوطني رهينة فريق السلطة: قانون انتخاب عادل مدخل لبناء الدولة القادرة

قبل فترة ليست بالبعيدة قال رئيس مجلس النواب نبيه بري صراحة وفي مجالسه الخاصة "إن القضية الأساسية لدى فريق السلطة والتي يناور ويقاتل من أجلها هي في شكل قانون الانتخاب وليس في أي شيء آخر". ويومها أطلق بري مقولته الشهيرة بأن "الدب غنى ألف موال وموال لكن مواله الأساس هو بالإجاص"، فالرئيس بري كان يدرك منذ البداية من خلال حدسه السياسي ومعرفته العميقة "بألاعيب" فريق السلطة و"الرسائل المشفرة" التي تناهت اليه، أن هذا الفريق شرع في رحلة بحث عن أيسر السبل التي تضمن له العودة إلى الإمساك بزمام السلطة مجدداً على النحو الذي استطاع أن يمسكها به منذ انتخابات عام 2005، وذلك عبر قانون انتخاب يكون على غرار قانون عام 2000، وبمعنى آخر، فإن فريق السلطة الذي ماطل وناور طوال العامين الماضيين رافضاً التجاوب مع صيغة أو حل يؤدي إلى  وضع حدّ لهيمنته على القرار الوطني ويعطي للآخرين خصوصاً في المعارضة حقهم المشروع في المشاركة في ادارة البلاد وقرارها، بات يجاهر برغبته العارمة، بصيغة جديدة تسمح له بتجديد هذا الوضع الذي يعلم علم  اليقين أنه كان سبباً أساسياً، إن لم يكن السبب الأساس لانزلاق البلاد برمتها إلى براثن الأزمة السياسية الخانقة التي ما زالت مقيمة بعناد منذ أكثر من عام ونصف عام مفتوحة دوماً على الاحتمالات السوداء.
وعليه فإن الأوساط السياسية العليمة لم تتفاجأ بعناد فريق السلطة ومكابرته في مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة، ورفضه أي صيغة قانون جديدة تحرر بيروت من "هيمنة" عليها، فالمعلوم أن حكومة فؤاد السنيورة غير الشرعية وغير الميثاقية رفضت من الأساس المضي قدماً في مناقشة قانون الانتخاب الذي وضعته الهيئة الوطنية لصوغ قانون انتخاب جديد برئاسة الوزير والنائب السابق فؤاد بطرس.
فبالرغم من أن قضية وضع قانون انتخاب وطني يؤمن تمثيلاً نيابياً عادلاً ويعطي كل ذي حق حقه، هي واحد من البنود الأساسية للبيان الوزاري لحكومة السنيورة، وبالرغم من أن هذه الهيئة التي شكلت بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء، وكانت مهمتها تقريرية وليست استشارية قد أنهت عملها بعد دراسة مستفيضة استمرت أشهراً ووضعت صيغة قانون عصري يجمع بين النسبية والأكثرية، ويمهد السبيل لحياة سياسية جديدة، تخفف من حدة الاصطفاف الطائفي والمذهبي، فإن حكومة السنيورة رفضت التجاوب مع هذه الصيغة الجديدة، وآثرت أولاً ابقاءها بعيدة عن الأضواء مجمدة في غياهب الأدراج، وآثرت ثانياً عدم تعديلها أو رفضها أو البحث عن صيغة جديدة تطور هذه الصيغة التي وجد الباحثون عن حياة سياسية وطنية ضالتهم فيها.
ولم يكن هذا الأمر صدفة أو أمراً عابراً، بل كان أتى في سياق خطة مدبرة سلفاً غايتها عدم إقرار أي صيغة ثابتة وإبقاء البلاد في حالة فراغ لهذه الجهة، لكي يأتي حين من الدهر، وبالتحديد عندما يقترب الموعد المقرر للانتخابات النيابية، وعندها تكون البلاد، أمام أمر واقع فحواه إما القبول بقانون الألفين، أو بصيغة مشابهة توضع على عجل وكيفما اتفق وتأتي وفق ما تشتهيه توجهات فريق السلطة ورغباته، على غرار ما حصل عام 2005، وبالتحديد عندما استغل هذا الفريق السلطوي، تداعيات جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واستغل الضغط الأميركي ونجح في اجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الألفين، وهو القانون المعروف بقانون غازي كنعان، لأن الأخير ساهم بوضعه لكي يؤمن للرئيس الحريري وللنائب وليد جنبلاط أغلبية نيابية في عملية سرقة موصوفة للأكثرية في مجلس النواب تمهيداً للإمساك بمقود الحكومة والسلطة.
لذا لم يكن غريباً أن تكشف المعلومات والأنباء المستقاة من سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة أن فريق السلطة استشرس وهو "يقاتل" للحيلولة دون التوصل إلى حل يضمن ولادة قانون انتخاب جديد يعيد تقسيم بيروت إلى دوائر على نحو مختلف عن التقسيم الوارد في قانون العام ألفين.
فلقد أفادت هذه المعلومات بأن فريق المعارضة في المؤتمر قدم أكثر من صيغة لتأمين تقسيم عادل لبيروت يمنع هيمنة صوت على صوت ويؤمن تمثيلاً للناخبين في عاصمة يفترض أنها عاصمة كل الوطن.
وفي المقابل فإن كل الصيغ التي عرضها فريق السلطة أو كان هو وراء طرحها، ووضعها قيد التداول والبحث كانت تتبنى في جوهرها مضامين قانون العام ألفين الذي يضمن بطريقة "التوائية" أن يحصل فريق السلطة على 19 نائباً دفعة واحدة.
ولم يعد خافياً أن فريق السلطة حاول "إرشاء" المعارضة واللجنة الوزارية العربية المشرفة على الحوار الوطني من خلال ما أسماه "التنازل" عن الثلث الضامن للمعارضة في الحكومة المقبلة، في مقابل أن تتخلى المعارضة عن أي مطالبة بتقسيم للدوائر الانتخابية في بيروت على أساس يضمن المنافسة الديموقراطية من جهة ويؤمن حق الجميع بأن يكون لصوتهم قيمته وتأثير في مجرى العملية الانتخابية من جهة أخرى، وهذا إن برهن عن شيء إنما يبرهن على أن فريق السلطة لم يتعلم بعد من عبرة الأعوام الثلاثة الماضية التي أمسك فيها عبر خيانة التحالفات والتحلل من التعهدات وشراء ذمم الوزراء الثلاثة المحسوبين بالأساس على رئيس الجمهورية، وهو يريد الآن تكرار تجربة الاستئثار بالسلطة مجدداً وتجديد هيمنته عليها عبر قانون انتخاب يؤمن له الأكثرية بلا أي مسوغ قانوني أو مشروعية دستورية، حتى وإن اقتضى الأمر إطالة أمد الأزمة الحالية، وتمديد معاناة اللبنانيين والتلاعب بعيشهم وبأعصابهم، ولم يعد خافياً أيضاً أن فريق السلطة تؤرقه منذ زمن حقيقة أن الانتخابات النيابية المقبلة، بأي صيغة جرت ووفق أي ظروف تمت ستجعله يخرج وبلا ريب، خاسراً للأكثرية التي يدرك تماماً أنها كانت طوال الأعوام الثلاثة الماضية أكثرية وهمية وستعيده إلى حجمه الطبيعي المحدود خصوصاً إذا لم تتأمن له ظروف العودة إلى "التحالف الرباعي" الذي أنتجته على عجل ظروف ومعطيات عام 2005 والتي كانت في أعقاب اغتيال الحريري.
لذا لم يكن غريباً المعلومات التي ذكرت أن فريق السلطة سعى عبر أكثر من وسيلة إلى تأمين اعادة بعث الحياة في هذا التحالف، من خلال أمرين، أولاً الاغراء والتهديد، وثانياً العمل على شطب العماد ميشال عون من المعادلة السياسية عبر اضعافه لإفقاد المعارضة ركنها القوي في الساحة المسيحية، ووضعها أمام الأمر الواقع.
ولم يتورع هذا الفريق حسب معلومات أخرى عن التلاعب بالقضايا الوطنية ووضع البلاد على شفا المجهول من خلال افتعاله بالأصل قضية شبكة الهاتف التابعة لسلاح المقاومة ومن ثم أخذ القرارين المتعلقين بها، إذ أن  هذا الأمر كله أراده فريق السلطة "لتبرئة ذمته" أمام الاميركيين وغيرهم من حلفائه في الخارج من جهة، ولمقايضة المعارضة لاحقاً عليه من جهة أخرى، وإجبارها على الانصياع والانضواء معه في حلف انتخابي جديد يبيح له اعادة انتاج هيمنته على القرار الوطني، وهو واقع يناقض كل ادعاءات هذا الفريق عن رغبته ببناء دولة عادلة وقادرة.
وبالاستناد إلى هذه الرؤية فإن ما توصل اليه حوار الدوحة من اتفاق وما يتصل ببيروت فإنه يبدو جلياً أن المعارضة الوطنية وضعت في أولوية أهدافها العمل لإخراج البلاد من أزمتها الحالية الخانقة من خلال قانون انتخاب عادل، يعيد انتاج السلطة على أسس وطنية، ولا يعيد انتاج "عبوة" سياسية تنفجر بعد حين كما حصل أخيراً من خلال قانون مفخخ يحمل في طياته بذور موت الوطن أو في أحسن الأحوال إغراقه في خضم مآزق جديدة.
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23