ارشيف من : 2005-2008
سعد يتمسك بالزعامة وجنبلاط ابتعد عن معراب وجعجع يبحث عن نصر على سلاح المقاومة: الأكثرية تعيد ترميم أقلياتها بدعم سعودي
تصدعت جبهة الموالاة تحت ضغط الحوار الوطني، وسيطر عليها شبح الانقسام الداخلي، بعدما أعاد قانون الانتخابات البرلمانية قيادات ما يسمى بثورة الأرز الى أحجامها الطبيعية في دوائر ضيقة، وصناديق طائفية مقفلة، وسجلات قيد ممسوحة بأحقاد مذهبية، تشترك جميعها في ضرب العيش المشترك.
سيحاول سعد الحريري بدعم سعودي لا محدود اعادة ترميم جبهة 14 شباط قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية في صيف 2009 لأن اتفاق الدوحة عطل الحكومة، وكبل رئيسها بالثلث المشارك، ولن يتمكن أي رئيس للحكومة سواء كان فؤاد السنيورة نفسه أو غيره من تجاوز الحل العربي بورقتي فينيسيا والشيراتون أو تجاوز المعارضة.
يعتقد زعيم الأكثرية البرلمانية ان المرحلة المقبلة تحتاج الى اعادة بناء على مختلف المستويات، فهو وبصعوبة بالغة كان قد تمكن من المحافظة على وحدة فريقه في فندق الشيراتون في العاصمة القطرية، لاقناعهم بعدم تقديم تنازلات "بالمفرق" أمام المعارضة التي تريد فرط سلطة الأكثرية، وتفريق جمع تيار الموالاة، ما يمكنّها من فسخ ثورة الأرز، وتشتيت شملها السياسي.
جاء موقف سعد الحريري هذا بعد تذمر قوى الأكثرية من ربطه حل الأزمة اللبنانية بتقسيم الدوائر الانتخابية في بيروت دون سواها من القضايا التي تحتاج الى تشدد، وتجاهل نتائج عدم الاتفاق في الدوحة على لبنان عموماً، واتهامه بالصبيانية السياسية لاعتقاده بأن المعارضة استنفدت كل ما لديها وهي تحاول احداث ثغرة في جدار السلطة.
واستناداً الى مواقف فريق السلطة في الدوحة وما صدر عنها خلال لقاءات فندق فينيسيا في بيروت أثناء صياغة ورقة الحل العربي بحضور اللجنة العربية، فقد كان بارزاً ان الرئيس فؤاد السنيورة ليس سوى مجرد لاعب صغير لحساب المثلث السياسي بين معراب وقريطم وكليمنصو، وقد غاب السنيورة ومعه المجموعة الحكومية عن دائرة الجدل، لكنها لم تكن بعيدة عن التصدع، وكان لافتاً انها جنت على نفسها بعد اعلان الحرب على سلاح المقاومة وقرارها نزع سلاح الاشارة الذي تراجعت عنه عنوة، وفقدت مبرر استمرارها ولو بتصريف الأعمال. وبحسب وزراء في الحكومة شاركوا في مؤتمر الدوحة فإن حكومة السنيورة سقطت في الشارع وما تبقى منها مجرد جثة سياسية غير قادرة على الحراك، سواء تم انتاج حل سياسي في قطر أو عاد اللبنانيون بلا اتفاق.
ظهر الانقسام الحكومي في الدوحة عندما التزم السنيورة توجهات سعد الحريري، فيما التف وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي حول النائب وليد جنبلاط، وتموضع فريق معراب في جناح سمير جعجع.
صورة التصدع في الحكومة انسحبت على فريق الأكثرية الذي انقسم بدوره الى أقليات صغيرة لكل منها رأيها ومصالحها ومطالبها وهواجسها السياسية وطموحاتها في دور استراتيجي كبير في لبنان.
لم يتمكن قائد القوات اللبنانية من تحقيق مكاسب استراتيجية لمصلحة قوى خارجية تريد انتزاع سلاح المقاومة أو على الأقل تقييد حركته على جميع الأراضي اللبنانية، من خلال تضمين الاتفاق نصوصا تلزم المقاومة بعدم تحريك أو استخدام السلاح، والضغط على قوى الأكثرية لطلب قوات عربية تنتشر في بيروت والجبل وعلى الحدود مع سوريا بذريعة الاطمئنان بعدم استخدام السلاح في الداخل للحصول على مكاسب سياسية.
لم تكن هواجس جعجع هي التي تسيطر على عقل النائب سعد الحريري، كما كان يتمنى البعض أو يسعى من أجله. كانت كل هموم الحريري محصورة في كيفية المحافظة على زعامته السياسية في بيروت أولاً بعدما انهار تياره بين ليلة وضحاها بعد ثلاث سنوات من الاستفزازات والعنتريات. لذلك كان سعد يرى أزمة لبنان كلها في دوائر بيروت الانتخابية، ولم يتردد في نسف الحل العربي اذا خرجت مقاعد بيروت الى غير كتلة المستقبل. وبسبب تعنته واجه سعد الحريري انتقادات كثيرة من رفاق دربه في الأكثرية، ونصحوه بعدم القبض على مقاعد الآخرين في بيروت وخصوصاً تلك التي تخص المسيحيين، ولا سيما النظر الى الارمن وكأنهم مجرد صندوق اقتراع.
أما النائب وليد جنبلاط فإنه قرر رسم مسافة بينه وبين بقايا تجمع قوى 14 شباط وابتعد عن مجموعة معراب، واختلف معها في النظرة الى الحلول والى مستقبل لبنان.
اختار جنبلاط ان يكون الى جانب النائب سعد الحريري في ربط الحل العربي بدوائر بيروت دون الذهاب خلف سمير جعجع في انتزاع نصر عربي على سلاح المقاومة، نزولاً عند رغبة الولايات المتحدة الأميركية. وبالرغم من تحفظات جنبلاط على الدفع السعودي لادانة حزب الله، وتحميل الجمهورية الاسلامية الايرانية مسؤولية قرار "السلاح لحماية السلاح"، والتحذير من تغيير هوية لبنان العربية الى هوية قومية غير عربية، فإن النائب جنبلاط ربط مستقبل السلاح بالمتغيرات في المنطقة والعالم، أما الحديث عن تبديل في هوية لبنان فهو مرتبط بحسب رأيه كما نقل البعض عنه بالمخاوف السعودية من امتداد "الهلال الشيعي" الى لبنان وسوريا.
لذلك دعا جنبلاط الى قراءة متأنية لمرحلة ما بعد السابع من أيار، والتأسيس عليها لإعادة بناء السلطة بأقل الخسائر، لأن ذلك من شأنه أن يطوي هذه المرحلة بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة تمهيداً لانتخابات صيف 2009.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008