ارشيف من : 2005-2008
اعتداءات واستفزازات وتهديدات بالجملة طاولت سياسيين وعلماء دين ومواطنين
قاد استئثار ميليشيات السلطة بالسلطة وتحكّمهم برقاب البشر من خلال استغلال دماء الرئيس رفيق الحريري، إلى شيوع نوع جديد من التعامل في الحياة السياسية اللبنانية لم يكن مألوفاً من قبل، ويذكّر بالأنظمة الديكتاتورية والمتسلّطة، وقوامه اتباع أسلوب القمع، والمنع، والتهويل، والتهديد، والترهيب، مع كلّ من يخالف رأيهم السياسي، ويعارض انقيادهم للمشروع الأميركي، واستباحتهم لمقوّمات الدولة ومال الشعب.
ولم تقتصر ممارسات هذه الميليشيات على فئة معيّنة من الشعب اللبناني، بل طاولت الجميع من دون استثناء، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يُبتزون مالياً ويعطون رواتب زهيدة لكي يحملوا السلاح بوجه أبناء وطنهم ودينهم، ويقاتلوا بهدف حماية تسلّط مسؤولي هذه الميليشيات.
واستخدمت معظم هذه الميليشيات المشهود لها بالقتل والذبح على الهوّية، أساليب مختلفة لترويع المواطنين، ووصلت إلى حدّ شهر السلاح بوجههم وإطلاق القذائف عليهم وإيقاع إصابات قاتلة في صفوفهم.
وهناك شواهد كثيرة ومؤلمة على تصرّفات هذه الميليشيات وسلوكياتها المريبة، تنمّ عن نفس أمّارة بالسوء وجشعة لا تقبل بوجود الآخر، فكيف بمناقشته ومحاورته ومشاركته في إدارة البلاد وتحمّل مسؤوليات العباد؟.
شواهد بالجملة
ومن هذه الأمثلة المحفوظة عن ظهر قلب في "أرشيف" الحياة اللبنانية عن "المستقبل" الزاهر الذي ينتظر اللبنانيين بفضل تعنّت هذه الميليشيات بقيادة الثلاثي سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، نذكر الآتي:
* إطلاق النار من أسلحة حربية على منزل الشيخ زهير جعيد في بلدة برجا الشوفية حيث كانت القوى الإسلامية والوطنية تعقد اجتماعاً. ولم تكتف ميليشيا السلطة بهذا الاعتداء السافر، بل وجّهت عناصرها نحو قذف المنزل بالحجارة، والتهديد بمحاولة اقتحامه، كما أنّهم كسّروا وحطّموا زجاج سيّارات متوقّفة في الخارج. دون ان تتحرّك القوى الأمنية الرسمية لردع هؤلاء عن غيّهم وإلقاء القبض عليهم، بل وقفت تتفرّج على انجازاتهم "الوطنية" في دحر اللبنانيين عن أراضيهم وأرزاقهم ومنازلهم، متنازلة عن واجباتها في تأمين السلامة والأمن لكلّ مواطن.
* إطلاق ميليشيا السلطة قذيفتين من نوع "أر.بي.جي" فوق رؤوس المُذكِّرين بمرور ثلاثين عاماً على أسر المقاوم يحيى سكاف في قاعة المركز الوطني في بلدة المنية في مدينة طرابلس، وذلك يوم الأحد الواقع فيه 16 آذار/مارس من العام 2008. ولم يسفر هذا التعدّي على حقّ الآخر بالتعبير عن رأيه والتضامن مع أسير مقاوم لا يزال موجوداً في غياهب زنازين العدوّ الإسرائيلي بدلاً من العمل على الإفراج عنه، عن وقوع إصابات، فالغاية المرجوة منه هي تخويف المحتشدين وترهيبهم ومنعهم من التذكير بعملية جهادية ضدّ مغتصبي فلسطين المحتلة.
* ضاق أحد المسؤولين في ميليشيا "السلطة ذرعاً بتضامن مدينة بيروت مع الأسير سكاف في محاولة خبيثة منه لنزع صفة النضال والعروبة الحقّة عن عاصمة كلّ اللبنانيين وتضييق الخناق عليها لتكون حكراً على ميليشياته، من دون أن يدري بأنّ بيروت أكبر منه وأعرق من وجوده وتاريخ ميليشياته، فقام بتهديد إدارة مركز "توفيق طبّارة" الكائن في محلة الظريف في بيروت إن هي استضافت حفل التضامن مع سكاف في 15 آذار/مارس من العام 2008. ولكنّ الشرفاء من أهل بيروت رفضوا هذا السلوك الإقطاعي والميليشياوي، وتحدّوا المنع وأقاموا الاحتفال في قصر الأونيسكو، وإن لم يكن في موعده المعلن عنه سابقاً.
* نزول مسلّحي السلطة ليلاً إلى الشوارع في محلّة عرمون حيث أخذوا يوزّعون رصاصات الرعب عشوائياً على السكّان الآمنين ولمدّة زمنية طويلة، من دون وجود دافع لهذا التصرّف الغوغائي والطائش، سوى إقلاق المواطنين وإزعاجهم و"طمأنتهم" إلى أنّ من تسوّل له نفسه منهم، الخروج على طاعة البيك وزمرته سيلقى حتفه فوراً.
وعلى الرغم من تصوير حفلة ترهيب الناس هذه، ومعرفة وجوه المسلّحين فرداً فرداً، وتقديمها كمستند إدانة للقضاء، إلاّ أنّ قوى الأمن الداخلي لم تقم بواجبها لإلقاء القبض عليهم، بسبب تدخّلات أحد الضبّاط التابعين للنائب جنبلاط، كما أنّ القضاء لم يستطع أن يتخذ أيّ إجراء بحقّ هؤلاء الخارجين على القانون، وذلك بسبب هيمنة زعماء هذه الميليشيات على قراراته.
* منع عناصر ميليشيا السلطة مصوّري وسائل الإعلام من الدخول إلى منطقة الحرج في بيروت لتصوير مشاهد "البلطجة" التي كانوا يقومون بها على مرأى ومسمع من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وذلك خلال فترة عودة المشاركين في اعتصام المعارضة اللبنانية في وسط بيروت في شهر كانون الثاني/ يناير من العام 2007، إلى منازلهم في منطقة الضاحية الجنوبية. وقد أبرزت عناصر ميليشيا السلطة بطاقات قالت إنّها "أمن قريطم" في إشارة واضحة إلى مكان سكن سعد الدين الحريري الذي تبعد محلّة الحرج عنه أربعة كيلومترات. واعتقد المصوّرون بأنّ هذه المحلّة العامرة بالسكّان خاضعة لمربّع قريطم الأمني والذي صار الأكبر في لبنان.
* تحرّك ميليشيا السلطة تحت اسم "أفواج طرابلس" ونزولهم بين الحين والآخر بكامل أعتدتهم العسكرية والحربية إلى الشارع لممارسة شتّى صنوف الاعتداء على الناس ومناصري المعارضة الوطنية. وكانت تسير هذه الميليشيا بكلّ أسلحتها في شوارع طرابلس وعلى مرأى من القوى الأمنية الرسمية التي لم توقف أحداً منها. وقد نفّذت هذه الميليشيا في العام 2007، هجوماً على مقرّ حركة التوحيد الإسلامي في طرابلس بهدف خلق فتنة، فوقع اشتباك أودى بحياة مرافق الشيخ بلال شعبان نوّاف حيدر، كما قتل أحد عناصر هذه الأفواج التي تتزوّد بالمال من تيّار السلطة، وأصيب آخرون بجروح مختلفة.
* تطاول ميلشيات قوى 14 شباط/فبراير على عضو مجلس أمناء تجمّع العلماء المسلمين الشيخ مصطفى ملص ثلاث مرّات متتالية في العام 2007، تارة بتهديده بالقتل، وطوراً بإطلاق النار على منزله في محلّة المنية في طرابلس وذلك بهدف ثنيه عن مواقفه الداعمة للمقاومة. وقد اتهم الشيخ ملص جماعة 14 شباط/فبراير بالوقوف وراء هذه الاعتداءات.
* قيام ميليشيا المستقبل بمحاصرة مركز عمر بن الخطاب لتعليم القرآن الكريم في بلدة برالياس البقاعية في شهر آذار من العام 2007، والاعتداء على الشيخين عبد الناصر الجبري وغازي حنينة.
* تهديد ميليشيا السلطة في بلدة بر الياس الشيخ أحمد القطّان بالقتل، وإحراق غرفة الأساتذة في ثانوية البلدة حيث يدرّس القطان مادة التربية الإسلامية.
* قيام ميليشيا السلطة بقطع الطريق في منطقة الشمال لمجرّد توافر معلومات أمنية لها عن إمكانية حضور رئيس تيّار "التوحيد اللبناني" الوزير السابق وئام وهّاب إلى المنطقة، وكأنّ هذه المنطقة اللبنانية بقعة جغرافية واقعة في دويلة السلطة. كما أنّ ميليشيا السلطة في بلدة مجدل عنجر البقاعية هدّدت الوزير وهّاب إن هو مرّ على طريق المصنع على الحدود اللبنانية السورية.
* قيام عناصر من ميليشيا السلطة بإطلاق النار على البيوت في بلدة أنفة في شهر أيّار/مايو من العام 2008، والتواري عن الأنظار.
* احتجاز ميليشيا السلطة شابين لبنانيين في محلّة معراب حيث يقع سكن سمير جعجع، بسبب مرورهما من هناك بحثاً عن عمل. وتدخّلت القوى الأمنية الرسمية وعملت على الإفراج عن الشابين المخطوفين بعد تهديد أقاربهما وذويهما بقطع طريق المطار وتنفيذ عمليات خطف مماثلة.
* إطلاق ميليشيا السلطة النار على المنازل في محلّة جبل محسن في العام 2008، بهدف افتعال إشكالات أمنية وتوتير الوضع، وإشعال فتنة مذهبية سنّية ـ علوية بين أبناء الدين الإسلامي الواحد. وهذا ما عاد وظهر بوضوح في الأحداث الأمنية الأخيرة التي ارتكبتها ميليشيا السلطة في باب التبّانة في طرابلس.
* إحراق ميليشيات السلطة، سيّارة نائب رئيس جبهة العمل الإسلامي في لبنان الشيخ عبد الناصر الجبري.
* قيام أحد الضبّاط المفصولين إلى "قصر قريطم" بعد الأحداث الأمنية الأخيرة التي شهدتها بيروت وتسبّب بها تحريض جنبلاط، باستدعاء المواطنين السوريين الذين يعملون نواطير في البنايات القريبة والواقعة في محيط قريطم، والذين يعملون في شركات ومؤسّسات خاصة، إلى مركزه داخل القصر المذكور حيث طلب منهم الرحيل ومغادرة لبنان فوراً، وهدّدهم بالتنكيل بهم، في حال أفصحوا عنه، أو سردوا لأحد ما، عن عملية طردهم وقطع أرزاقهم.
هذه عينة من ممارسات هذا الفريق خلال العامين الأخيرين على مستوى "الحفاظ" على حرية التعبير وأمن المواطنين.. وهي بالحقيقة لم تكن غير ممارسات هدفها دحر اللبنانيين عن وطنهم بهدف احكام سيطرتهم على البلاد والعباد.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو2008