ارشيف من : 2005-2008
"إسرائيل" تهرب من التهدئة الكاملة الى التهدئة الجزئية القائمة
كتب يحيى دبوق
رفعت اسرائيل ثمن اعادة احتلال قطاع غزة، في اطار عملية عسكرية واسعة النطاق، الى 500 قتيل اسرائيلي واستمرار وجود عسكري مباشر لمدة تصل الى نصف عام، لـ"تنظيف" القطاع من حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة الاخرى. هذا ما قدرته محافل امنية اسرائيلية في الآونة الأخيرة.
وتشير المحافل الامنية الاسرائيلية نفسها، بحسب ما ينقل الاعلام الاسرائيلي، إلى أن الثمن المقدّر لاجتياح قطاع غزة يرتفع في كل يوم تعمد فيه إسرائيل إلى تأجيل العملية، بل إن رئيس الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يوفال ديسكين، يرى ان أصل التهدئة مع حركة حماس سيحولها إلى تهديد استراتيجي حقيقي على الحدود الجنوبية للدولة العبرية.
من جهته، قرر المجلس الاسرائيلي الوزاري المصغر للشؤون الامنية والسياسية، تأجيل البحث في قرار التهدئة مع غزة، بمبادرة من وزير الحرب ايهود باراك، كي يمنع اصدار قرار اسرائيلي رافض لها و"يُوجِد وضعاً تظهر فيه اسرائيل كرافضة لاقتراح التهدئة، الأمر الذي يعني إعلانا صريحا من قبلها بالتصعيد العسكري"... مع الإشارة إلى وجود أغلبية واضحة في المجلس المصغر ترفض التهدئة، وتشمل، كما تشير صحيفة معاريف أخيرا، كلاً من "رئيس الحكومة، وزيرة الخارجية، عدد كبير من الوزراء، من بينهم النائب الأول لرئيس الحكومة حاييم رامون، إضافة إلى رئيس جهاز الشاباك. بينما في المقابل يساند التهدئة، وبشكل شبه وحيد، وزير الحرب باراك".
بحسب الأغلبية لدى أصحاب القرار الإسرائيلي الرافضة للتهدئة، أي التهدئة كما تتبلور حاليا، بأنه يمنع على إسرائيل أن توافق على تهدئة مع حماس لا تشمل إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي غلعاد شاليط، كما يمنع عليها التهدئة في حال عدم وجود آلية ما، تضمن عدم تعزيز قدرة حماس العسكرية خلال فترة التهدئة، وخاصة ان التقدير الإسرائيلي يشير إلى حتمية مواجهة مستقبلية مع حماس سيكون الثمن فيها مرتفعا لجهة الخسائر البشرية الاسرائيلية.
هل يعني ذلك أن التصعيد العسكري سيبدأ في الغد؟
بالطبع لا. فما منع اسرائيل من القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في القطاع بالأمس وقبله، هو الأسباب نفسها التي تمنعها الآن: الخشية من الخسائر والأثمان المرتفعة المتوقع اسرائيليا دفعها، إضافة إلى النقص في رؤية نقطة خروج سياسية واضحة تكفل معالجة مرحلة ما بعد الاجتياح العسكري.
اشتد الارباك في الجانب الاسرائيلي، ما بين خيار التهدئة المرفوضة والعملية العسكرية المرفوضة.
إن الخيار البديل الذي عمل عليه وزير الحرب ايهود باراك، وانشغل به في الأسابيع الماضية موفده رئيس الطاقم الأمني ـ السياسي في وزارة "الدفاع" عاموس غلعاد، مع العاصمة المصرية، يبدو انه غير فاعل وغير ممكن، إذ أن المصريين لا يريدون، أو لا يستطيعون إن أرادوا، أن يكفلوا لـ"إسرائيل" عدم تعاظم القدرة العسكرية لحركة حماس في حال إقرار التهدئة، وذلك بدرجة أولى. أما في الدرجة الثانية، والتي تتعلق بالقيادة الإسرائيلية نفسها، فيبدو أن الإسرائيليين أوجدوا معضلات لم تكن موجودة سابقا فيما يتعلق بالأسير الإسرائيلي شاليط، لجهة شروط إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، لا تلبي المطالب الفلسطينية، وقد جرى وضعها من قبل الإسرائيليين كشرط أساسي في التهدئة المطلوبة.
ما الذي يعنيه ذلك، الأرجح أن الواقع الميداني و"المفاوضاتي" سيبقى على حاله، وقد يكون ذلك خياراً أيضا، أي الإبقاء على الوضع الراهن كما هو عليه، برغم انه من ناحية عملية شبه تهدئة، قريبة جدا من التهدئة المرفوضة إسرائيليا، إذ ستواصل حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى تعظيم قدراتها العسكرية وإن بوتيرة أقل من الوتيرة الممكن أن تكون في إطار التهدئة الكاملة.
مشكلة الإسرائيليين أنهم لا ينظرون إلى الواقع بعيون الواقع الجديد، بل من خلال أمانيهم القائمة على معطيات وقوالب صدئت، فوضع الشروط بمعايير ومعطيات ووقائع ميدانية من الماضي حيث كانت "إسرائيل" شبه لاعب وحيد يضع الشروط ويقرر النتائج، هو واقع لم يعد يصلح في الظروف الحالية، حيث للفلسطينيين قدرة على التأثير ورفض الشروط، بل ووضع شروطهم الخاصة بهم.. وبين هذا وذاك، ومع إصرار إسرائيلي على الشروط الحالية بأن يحققوا في السياسة ما لا يستطيعون تحقيقه عسكريا، ستصل "إسرائيل" إلى القبول بالواقع القائم وظروفه ونتائجه، لكن مع خسائر أكبر بكثير مما تحاول تلافيه حاليا.
التاريخ: 3/6/2008