ارشيف من : 2005-2008
"الرشيد" في ذكراه الـ 21: غياب رجل الدولة
كتبت ميساء شديد
قبل ثلاثة أعوام صدر قانون عفو أطلق بموجبه سراح قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، قانون عفو لم يبرئه مما ارتكبه من جرائم، كما لم يمح تاريخ الأول من حزيران 1987 من ذاكرة اللبنانيين وهو اليوم الذي اغتيل فيه رئيس الوزراء رشيد كرامي بأمر مباشر من جعجع نفسه.
اليوم وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات على صعيد التشكيلة الحكومية المقبلة يبدو سمير جعجع عازماً على دخول هذه الحكومة، خطوة شاء القدر أن تتزامن مع الذكرى الحادية والعشرين لاغتيال كرامي، لكأن التاريخ سيظل يلاحق جعجع حائلاً أمام نجاح محاولاته الحثيثة للظهور بمظهر رجل الدولة ذي السجل النظيف.
وكان القيادي في حزب التحرر العربي خلدون الشريف قد أكد لـ"الانتقاد.نت" "أن موقع جعجع الطبيعي هو في السجن ولا حق له في ممارسة العمل السياسي مشيراً إلى "أنه في حال توزير جعجع في الحكومة الجديدة فإن الأخيرة ستتحول عندها الى حكومة مواجهة".
وبعيداً عما اذا كان جعجع سيدخل الحكومة أم لا فإن سلسلة من المواقف رافقت الذكرى الـ21 لاغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي أبرزها للرئيس عمر كرامي الذي قال مخاطباً الرئيس الراحل "أستميحك أيها الشهيد، إذ ترى فيما ترى من عليائك، أن قاتلك سمير جعجع يسرح ويمرح محاضرا في الوطنية والعدالة والتمدن، وكأن الناس يمكن أن تنسى من انتهك القوانين والأديان والقيم والأخلاق. نحن لن ننسى. واطمئن يا رشيد، فلن يضيع حق، مهما تسربل الباطل في لبوس الحق".
وتابع كرامي في تحيته "... لا عجب اليوم، أن صورتك محفورة في القلوب والضمائر في كل البيوت. ولك يا رشيد موقع الأخ والصديق والأليف في كل شارع وفي كل زقاق، من الأسواق العتيقة إلى جبل النار الى قبة النصر إلى باب التبانة إلى جبل محسن إلى أبو سمرا إلى الميناء ونصفك ميناوي حيث مسقط رأس الوالدة رحمها الله، الى القلمون المدينة التي أحببتها وأحبتك. نعم، لا عجب ان اسمك صار من أسماء المدينة، فهي مدينة الرشيد".
وأردف قائلاً "ففي أزمنة الحروب المجانية جنحت الى السلم وقدمت التضحيات لا التنازلات. وفي أزمنة المخاطر الكبرى جندت عمرك وجهدك وإيمانك لحماية مدينتك وتجنيبها المرارات والمواجع. وفي خضم المعادلات الاقليمية والدولية شهرت سلاح الموقف واستعنت بالصبر الجميل إلى أن تمضي العواصف والمكاره إلى شأنها. كل ذلك يا رشيد دون أن تكف لحظة واحدة عن خوض معركة الأمة ومعركة الوطن، تماما كما يخوضها القائد الذي يرتضي أن يموت في ساح المعركة وقد فعلت، ولكنه يأبى أن يدفع بأهله وقومه وبمصالحهم الصغيرة والكبيرة إلى المهالك... وقد فعلت أيضا".
وتابع: "شهدنا يا رشيد، وشهدت طرابلس، الأيام العجاف حين بعض القوم ولربما كثير منهم يضيعون البوصلة، وحين العواطف والنوازع وسواها تغلب العقل والبصيرة، وحين يحل غبش وضباب فيخطئ منا من يخطئ في تحديد العدو وفي وجهة المعركة. غير أننا ما بدلنا وما غيرنا، وما زلنا نقاتل ومعنا تقاتل طرابلس في سبيل الثوابت الوطنية والقومية التي لأجلها قدمت هذه المدينة شهداء ودماء وضحايا.
ومع أن كثرة منا غيروا وبدلوا في لحظة شدة وربما في لحظة ضعف، وتحت أنواع ضارية من الضغوطات والمعطيات المغلوطة، وتحديدا في مناخ عربي عام ينشر فلسفة الاستسلام ويروج لمحاسن التخلي عن الحق بلا أي مقابل تقريبا. رغم كل ذلك فإن الفئة المؤمنة لم تنخدع يوما ولم يصبها يأس أو إحباط، مدركة بأن الصحوة آتية لا ريب في ذلك، وها هي تباشيرها تفوح في ربيع طرابلس عبقا فيه من أريج ليمونها أصالة عطرة، ومن ناسها الطيبين إيمان فطري يملأ القلوب، ومن رشيدها وقفة عنفوان وتواضع هما جوهر هذه المدينة وسرها المباح".
الشيخ قبلان
وللمناسبة أدلى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بتصريح قال فيه " نفتقد في الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي غياب رجل الدولة الذي عمل لحفظ المؤسسات وتطويرها وإبقائها بعيدة عن خلافات السياسيين ومصالحهم الضيقة، فكان رجل الوطن الذي ضحى بحياته لحماية الوطن فدفع دمه في سبيل وحدة الوطن ولم يبخل بجهده ومساعيه لوأد الفتنة التي عصفت بالوطن فكان صوت الحق والحكمة اذ تعاطى الشأن السياسي من منطلق وطني حكيم". وتابع سماحته "في الذكرى السنوية لاستشهاد الرشيد، ما أحوجنا إلى ان نعود إلى مواقفه الرشيدة التي اتسمت بالحكمة والعقلانية وما أحوج السياسيين الى الخطاب الهادىء البعيد عن التشنج والإساءات، الشهيد رشيد كرامي تفتقده الساحة الوطنية والعربية، عرفته هادئا متأنيا عاقلا يبتعد عن كل استفزاز، وعلينا ان نتعلم من مدرسته الحكمة والوطنية والتوجه القومي، لانه كان كبيرا في مواقفه وعظيما في توجهاته لبنانيا من الدرجة الأولى قوميا لا يشك بقوميته، فهو ابن رجل نموذجي في الوطنية واتى من بيت تنطلق منه المواقف الرشيدة والحميدة، وعندما نذكر رشيد كرامي فإننا نتذكره في اجتماعاتنا الخاصة في دمشق ولبنان فكان لا يحيد قيد أنملة عن الحق وكان يتصرف تصرف رجل الدولة ولا يعطي أذنه للمشاغبين ولا المنحرفين بل كان سمعا لكل كلمة حق وقومية ووطنية".
مرهج
وللمناسبة عينها وجه الوزير السابق بشارة مرهج برقية الى الرئيس عمر كرامي تقدم فيها "الى عائلة الرئيس الشهيد وطرابلس المجاهدة ولبنان العربي والامة الصامدة بمشاعر التضامن والاعتزاز بزعيم بقي ثابتا على مبادئه، قابضا على جمر الايمان بربه ووطنه وامته، فشكل في حياته مدرسة في اللبنانية الحقة والعروبة الاصيلة، كما مثل في استشهاده ذروة العطاء من اجل وحدة لبنان وسلامة خياراته الوطنية والقومية".
واضاف مرهج في برقيته "اننا اذ نسترشد بقيم الرشيد الشهيد وسيرته نشد على اياديكم ونقدر ثباتكم على نهجه والتزامكم بنهجه، ونؤكد لكم ان دماء الرجل الكبير ستزهر دوما وطنية وعروبة وستشكل مع الايام السياج الحامي لوحدة لبنان ومقاومته وخطه الاصيل".
الصفدي
أما وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال محمد الصفدي فقد أصدر بيانا أكد فيه "أن الوفاء لسيرة رشيد كرامي ومسيرته يكون برفض التطرف وتغليب الاعتدال وروح الوفاق, هذا هو النهج الذي سار عليه في حياته السياسية الزاخرة بالمواقف الوطنية" مضيفاً "لقد خسرته طرابلس وخسره لبنان, لكن ذكراه الطيبة باقية في نفوس من عرفوه وأحبوه رجلا محبا للسلام ومخلصا للوطن".
معوض
وفي هذا الاطار اتصلت الوزيرة نايلة معوض بشقيق الرئيس الشهيد، معن كرامي معزية مؤكدة "ان الرئيس الشهيد كان زعيما وطنيا كبيرا عمل طول حياته مع الرئيس الشهيد رينه معوض من اجل حماية الدولة وارساء شراكة وطنية متوازنة على الصعيدين اللبناني والشمالي" واعتبرت "ان استشهاده شكل استهدافا للوحدة الوطنية ولقيام دولة القانون والمؤسسات".
لقد تمكن سمير جعجع نتيجة الوضع السياسي الذي كان عليه لبنان خلال السنوات الأخيرة من أن يجد لنفسه مكاناً على طاولة حوار "القادة اللبنانيين"، فهل سيتمكن من حجز مكان له في حكومة "الوحدة الوطنية" التي كانت عنوان مسيرة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، سؤال تبقى اجابته برسم الأيام المقبلة ورئيس الحكومة المكلف.