ارشيف من : 2005-2008
العالم في مهب الكوارث الطبيعية
كتب عقيل الشيخ حسين
حرّكت الطبيعة غضبها بشكل ملحوظ خلال الأيام القليلة الماضية: أعاصير وأمطار وزلازل وبراكين ومستتبعاتها من انزلاقات أرضية وسيول وموجات طينية، وكل ذلك في وقت واحد، وفي بلدان عديدة تمتد من سيريلانكا في المحيط الهندي، إلى غالاباغوس في المحيط الهادئ مروراً بأوروبا وبعض جزر المتوسط. أعاصير سيريلانكا، أمطار مصحوبة برياح عاتية، قتلت ستة عشر شخصاً وجرحت العشرات وشردت المئات، وخلفت دماراً في الممتلكات والمحاصيل.
في أوروبا الغربية، اقتصر الأمر على الأمطار، لكنها أمطار "طوفانية"، كما يصفونها هناك.
في مدينة لياج البلجيكية، بلغت الأمطار حداً من العنف تمكنت معه من نزع الأحجار التي ترصف في الشوارع بدلاً من تعبيدها بالإسفلت، والشوارع نفسها تحولت إلى أنهار جارية أو إلى بحيرات راكدة ارتفعت فيها المياه لتطفو على الطوابق الأولى ولتصل إلى الطابق الثاني في العديد من الأبنية. سيارات كثيرة تلاعبت بها المياه المتدفقة وحملتها بعيداً لعشرات ومئات الأمتار. كما سجل غرق سكة حديدية في المدينة.
غير بعيد، في منطقة الألزاس الفرنسية، المحاذية لألمانيا، كانت الكلمة الأولى للوحول التي زحفت من المرتفعات لتستقر على طرق المواصلات عازلة بذلك قرى ومدناً عن بعضها البعض. أما على الحدود الفرنسية الإيطالية، فقد قطعت الأمطار والوحول طرقاً ومعابر وأنفاقاً في منطقة جبال الألب. والظاهرة نفسها تكررت في منطقة الباسك الفرنسية قريباً من جبال البيرينيه.
الأمطار التي هطلت على إيطاليا أدت إلى ما صنف على أنه كارثة طبيعية، حيث ارتفعت المياه في نهري بو ودوار وفاضت مصحوبة بكتل الطين التي شكلت أمواجاً بلغ ارتفاع بعضها خمسة أمتار.
الأمطار والوحول اجتاحت مساحات واسعة من الأرض وأدت إلى إتلاف موسم القمح، في وقت تشتد فيه الحاجة، عالمياً، إلى هذا المحصول الذي بات في حكم النادر. كما أدت الأمطار إلى مقتل عدد من الأشخاص.
أما الأمطار التي هطلت على جزيرة كورسيكا الفرنسية في البحر المتوسط، فلا سابق لها في الغزارة منذ ستين عاماً. في آجاكسيو العاصمة، سجل خلال ساعات هطول 150 ملم من الماء، مقابل أربعين كمعدل وسطي للسنوات السابقة في الفترة نفسها من السنة. وقد جرفت الأمطار أكثر من 200 سيارة، وتسببت بالعديد من الانهيارات في الطرقات والجسور. فنادق كثيرة وأبنية أخرى ومخيمات استجمام على الشواطئ تم إخلاؤها من السكان بعد أن دهمها الخطر. أما في المناطق الواطئة من المدينة، فقد تفجرت مجارير المياه المبتذلة واختلطت بسيول الوحول في الشوارع، ما استدعى تدخل مئة إطفائي للعمل على إزالة الوحل عن الطرقات.
وفي جزر غالاباغوس الواقعة في أعالي المحيط الباسيفيكي على مسافة ألف كلم غربي الإكوادور، في أميركا الجنوبية، فقد ثار أحد البراكين وتدفقت سيول الحمم الملتهبة نحو الشواطئ. تلك الجزر غير مأهولة بالسكان الآدميين، غير أن سيول الحمم تهدد فصيلة من السلاحف الضخمة والنادرة، وسلطات الإكوادور استحدثت خلية طوارئ للعمل على إنقاذ السلاحف بواسطة الطائرات المروحية.
والجدير بالذكر، وإن لم يكن الأمر على صلة مباشرة بالكوارث الطبيعية، أن رافعة ضخمة من النوع المستعمل في أعمال البناء قد سقطت على مبنى من 22 طابقاً في نيويورك، قبل أن تهوي إلى الشارع، لتتسبب في جملة الخسائر، بسقوط قتيلين وجريحين. رافعة أخرى كانت قد سقطت، في 15 آذار الماضي، على بناية قريبة من مبنى الأمم المتحدة وأوقعت سبعة قتلى.
كل ذلك، في وقت لا تزال فيه الأخبار تتلاحق وتتجدد عن مفاعيل زلزال سيشوان في الصين وإعصار نرجس في ماينمار.
ففي ميانغ يانغ الصينية تم إخلاء 180 ألف شخص مهددين بانهيار أحد السدود التي تضررت بالزلزال، وفي بيشوان، تعمل السلطات على تفجير بحيرة هائلة نشأت عن انهيار جبل سدّ مجرى أحد الأنهار في منطقة يتعرض فيها أكثر من مليون و300 ألف شخص لخطر الطوفان، إضافة إلى أكثر من مئة ألف قتيل ومفقود وخمسة ملايين مشرد.
وفي ماينمار، وضع مشابه يزيده صعوبة فقر البلد وعجزه عن مواجهة الكارثة. آلاف الجثث لا تزال منتشرة في الحقول، وملايين المشردين يتراكمون في مخيمات أكثرها غير صحي، وسط تفشي الجوع والمرض والعوز.
وفي الوقت نفسه، على ماينمار أن تواجه، بالإضافة إلى الكارثة مفاعيلها السياسية. فالمعروف أن النظام العسكري هناك مسخوط عليه من الولايات المتحدة والأسرة الدولية اللتين وجدتا في الكارثة الطبيعية فرصة ذهبية للعمل على تقويض النظام، عبر التشهير بعجزه وبإعراضه "المقصود" عن فعل ما ينبغي فعله، وخصوصاً عبر المساعدات الإنسانية.
محاولات حقيقية لاجتياح البلاد بالصحافيين والمسعفين والمبشرين، بالتوازي مع وعود بمساعدات بلغت 150 مليون دولار. مبلغ زهيد بالقياس إلى حجم كارثة تتطلب إزالة آثارها عشرة مليارات دولار.
لهذا، ولما تخفيه المساعدات من نوايا سياسية مشبوهة، في وقت يشارك فيه وزير الحرب الأميركي، روبرت غيتس، في حملة الإعلام التحريضي، ومن ورائه جوقة المنظمات الإنسانية... لم تسمح السلطات لزوارق المساعدات الأميركية والبريطانية والفرنسية بالاقتراب من شواطئ ماينمار، وأهابت بالسكان أن يتدبروا شؤونهم وأن يقتاتوا على الضفادع، بدلاً من ألواح الشوكولا التي تتكرم بها الأسرة الدولية!
التاريخ: 4/6/2008