ارشيف من : 2005-2008

رسالة مفتوحة الى السيد حسن نصرالله

رسالة مفتوحة الى السيد حسن نصرالله

ممن يمتهنون آداب اللغة العربية وفنون الوصف.‏

ولكن قررت أن اكتب لك هذه الرسالة، بعد الهجمة الشرسة عليكم من قبل هجّائي الاعلام وأزلام السلطة وعملاء الخارج، وبعد ما شهده اللبنانيون من تضحيات وتنازل من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر في الدوحة في سبيل إيجاد تسوية سياسية مشرّفة للبنان واللبنانيين. لذا شعرت بأن من واجبي كمواطنة لبنانية، ان أكتب ما يفكر فيه قسم كبير، كبير جداً من المواطنين اللبنانيين، عساني أنقل الرسالة بكل صدق وامانة.‏

حضرة السيد‏

أنا مواطنة لبنانية، من قرية ريفية في الشمال اللبناني، تفتحت عيوني على صور شهداء المقاومة الوطنية اللبنانية يُكرّمون ويعظّمون في منزلنا، بالرغم من اننا لا ننتمي لاي حزب سياسي وليس في عائلتنا محازبون. ولكن العائلة المتواضعة التي تؤمن بلبنان وبالعزة والكرامة والعنفوان، غرست في ذهني وفي سلوكياتي تعظيم المناضلين في سبيل سيادة واستقلال وتحرير لبنان، وطبعت في شخصيتي قيم الحرية التي لا يعلوها الا سقف المسؤولية، والعنفوان الذي يصل الى حد التمرد والثورة على الظلم والخنوع والذل.‏

خلال عقد التسعينات، ساد شعور لدى مجتمعنا - غذّاه الشحن الاعلامي- وارتسمت صورة بأن المسيحيين يعارضون الوصاية السورية والمسلمون يؤيدونها، زادها قتامة الشحن الطائفي والمذهبي الذي غذاه المتسكعون على أبواب المخابرات، واستغله سياسيون يستجدون المناصب والمنافع، ويقتاتون بفتات موائد المخابرات الدولية والاقليمية، ويسكرون بدمائنا ودماء اطفالنا، ويرقصون على قبور الشهداء.‏

صوّرونا قابلين بالاحتلال الاسرائيلي لتكرهوننا، وصوّروكم غطاء للوجود السوري ساعين الى دولة تجعلوننا فيها "إماء"، لنكرهكم...‏

ولكنك يا سيد، أتيت في غفلة من الزمن، وأطللت علينا بوجهك السمح، وكلماتك الصادقة، وهدوئك اللافت.‏

كنت الوحيد الذي كان يشبهنا... الوحيد الذي يبدو اننا منه وهو منا...‏

كنت الوحيد الذي أصدقنا القول، وأشعرنا أن قضيته هي قضيتنا، نضاله يشبه نضالنا، واندفاعه سيادي وتحريري لا يقل عن اندفاعنا.‏

كنا نرى "الآخرين" غمامة سوداء خانقة. كنا نراهم "الجحيم". لكنك اجبرتنا ان نراك مختلفاً.. ان نراك "منا".‏

كنت انت يا سيدي الاستثناء، كنت لبنانياً وطنياً مقاوماً. لم نرك مسلماً ولا مسيحياً، ولم نعرفك شيعياً ام سنياً. لم نرك شريكاً في فرقة الزجل والتطبيل السياسية اللبنانية. لم نرك جزءاً من الطبقة السياسية الاقطاعية الفاسدة التي توارثت الحكم منذ ايام العثمانيين، وحكمتنا تارة باسم المقاطعجية وطوراً باسم الزعامات والعائلات والبيوتات السياسية.‏

رأيناك السيد الذي لا يحتاج الى صفات وعناوين ليكون قائداً... انه قائد بشخصه، بهدوئه، بالكلمة الصادقة الجريئة التي تخرج من فمك فتصيب قلوبنا مباشرةً بدون ان تمر في الاذن..‏

ايها السيد‏

لقد سئم اللبنانيون كذب السياسيين، ودجلهم. لقد سئموا الرياء والوجوه المتلونة والتسويات والمحاصصات الطائفية والمساومات.‏

وها قد أثبتت الايام انكم والعماد عون البقية الباقية من قلة من الزعماء اللبنانيين، الذين لا يبخلون بالتضحيات على الوطن وأهله، لذا نسألكم:‏

أما آن الاوان لننطلق معاً في مسيرة التغيير ومحاربة الفساد وبناء الدولة القوية العادلة؟‏

أما آن الاوان لنبدأ بتطبيق وثيقة التفاهم على اسس مواطنية صحيحة ومهما كلف ذلك من تضحيات؟‏

أما آن الاوان لنبدأ بوضع المداميك الاولى لتطبيق البند الرابع من وثيقة التفاهم؟‏

ألا يستحق هذا الشعب المناضل العزيز الكريم ان يصل الى يوم تصبح فيه الكفاءة هي المعيار، والجدارة والاستحقاق هما المقياس للوصول؟‏

ألا نستحق كلبنانيين بأن نحلم بيوم نخرج فيه من الشرانق الطائفية؟‏

ألا يمكن ان نصل الى يوم يعتبر فيه المسيحيون ان المسلم "الآدمي" يمثلهم أفضل من المسيحي "الأزعر" والعكس بالعكس.‏

لقد سئم الشعب اللبناني من هذه الوجوه التي تساوم على لبنان وأرضه وشعبه وكرامته منذ اتفاق القاهرة ولغاية الآن. فهل نستطيع ان نصل الى يوم نحاسب ونسائل من سهّل وتواطأ وحرض ضد لبنان وشعبه ومقاومته؟‏

الى متى ستظل المظلات المذهبية والطائفية تغطي العمالة وتحصنها ضد المحاسبة وتجعل من هؤلاء فوق القانون؟‏

في الذكرى الثامنة للتحرير، كنت متجلياً متسامحاً صافحاً. ولكن يا سيدي، ان من يُهدى له الانتصار ولم يدفع الدماء والدموع والأبناء من اجله، لن يحافظ عليه، ولن يفرح به مهما عظمت قيمة الهدية التي تهبه اياها.‏

لا يعرف معنى الانتصار في أيار، وفي تموز، إلا من قدم التضحيات في سبيلهما. أما الباقي الذي أهدي له الانتصار مرتين، فلقد رأيناه سريعاً يفرط به لانه لم يدفع ثمناً فيه ولم يشارك في صنعه. فإلى متى؟ وكم مرة سنهديه الانتصار تلو الانتصار، لنراه يتسكع على أبواب الدول الغريبة، يبيع ويشتري بنا وبأولادنا؟‏

في النهاية، لكم أيها السيد من هذا الشعب الأبي:‏

الصلاة، والثقة، والصبر حتى نيل الحرية، وحتى بلوغ التحرر بعد التحرير بإذن الله.‏

الانتقاد/ العدد1269 ـ 30 ايار/ مايو2008‏

2008-05-29