ارشيف من : 2005-2008
انطلاقاً من خطاب القسم الرافض للعبث بالأمن والقضاء: كيف ينفض العهد الجديد إرث حكومة السنيورة الثقيل؟
خلال مرحلة مخالفتها للدستور على مدى تسعة عشر شهراً، وتتعلّق بجملة موضوعات تلامس حياة اللبنانيين، ومنها بالتحديد الأمن والقضاء باعتبار أنّهما ركيزتان أساسيتان لقيام أيّة دولة عادلة وقادرة وقوّية، فالأوّل لضبط الوضع والحفاظ على المجتمع والثاني لمعاقبة المتطاولين على القانون.
وتتبدّى مسؤولية العهد الجديد في التخلّص من هذا الإرث المصمّم بلمسات السنيورة وفريقه السياسي، وذلك عبر معالجة ثغراته ومخالفاته بالشكل المناسب لئلا ترتدّ سلباً عليه، وتعيق حركته باتجاه تنفيذ مضامين خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس سليمان في مجلس النوّاب بعيد انتخابه يوم الأحد في 25 أيّار/مايو من العام 2008، وشدّد فيه على أنّ "استقلال السلطة القضائية يكرّس العدالة ويوفّر انتظاماً عاماً لجميع مرافق الدولة.. وأنّ الدولة لا يمكنها التغاضي عن أيّ عبث بالأمن والسلم".
ويمكن تلخيص مخزون هذا الإرث بنقطتين تعطيان صورة كاملة وشاملة وشافية عنه وهما:
النقطة الأولى ترتبط بتغيير مسار بعض الأجهزة الأمنية عبر تحويلها إلى موظّفة لدى فريق السلطة ولا سيّما "تيّار المستقبل"، واستخدامها ضدّ شريحة كبيرة من اللبنانيين ما جعلها منحازة وطرفاً في الصراع الداخلي كما ظهر في غير مناسبة، منها قيام "فرع المعلومات" التابع لقوى الأمن الداخلي بإصدار بيان مليء بالمغالطات، عن الإشكال الذي اقترفه مناصرو "المستقبل" في منطقة قصقص ـ البربير في العام 2007، متبنّياً وجهة نظر "المستقبل"، وهو ما كذّبته الوقائع على الأرض في اليوم التالي ليظلّ هذا البيان نقطة سوداء في سجلّ المؤتمنين على أمن البلاد والعباد.
سرقة سلاح الدولة وذخيرتها
وتكشف مصادر مطلعة لـ"الانتقاد" أنّه خلال الأحداث الأخيرة التي وقعت في بيروت وطرابلس وعكار وجبل لبنان والبقاع، قام أحد الضبّاط التابعين لتيار "المستقبل"، وهو برتبة ملازم، بسحب أكثر من 11 ألف طلقة نارية من مستودع الجهاز الأمني الذي يتبع له، ونقلها إلى منطقة الشمال، من دون أن يمنعه أحد، أو أن يسأله أحد من مؤسّسته عن هذا الفعل المخالف للقانون، وعن سبب نقل هذه الذخيرة التي يفترض أن تكون وجهة استعمالها لقتال العدوّ الإسرائيلي، وليس أبناء لبنان مهما اختلفت طوائفهم ومذاهبهم وأفكارهم وسياستهم التي يظلّلها الدستور.
كما أنّ فريق السلطة لم يتوان يوماً خلال هيمنته، عن استعمال السلاح الشرعي بوجه الأطفال والمواطنين كما حصل في محلّة الرمل العالي في العام 2006، ومحلّة مار مخايل في العام 2008. وسمح لميليشياته بالتستّر بالزيّ الأمني الرسمي لتغطية تحرّكاتها، وجنّد الكثيرين من عناصره في شرطة البلديات التي يسيطر عليها في غير منطقة لتكون حافزاً له للدفاع عن مشروعه.
وهذا ما كان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله صريحاً في إعلانه في الاحتفال الجماهيري الحاشد بذكرى عيد المقاومة والتحرير يوم الاثنين الفائت، بتأكيده أنّه "لا يجوز استخدام سلاح الدولة لتصفية الحساب مع فريق سياسي معارض".
وبدلاً من أن تقوم الأجهزة الأمنية الرسمية بواجبها لجهة كشف القائمين بالأعمال المخلّة بالأمن والاغتيالات والتفجيرات التي شهدتها البلاد طوال ولاية حكومة السنيورة، استقالت من وظيفتها المُكوّنة أساساً، لتنفيذها، وتراجعت عن أداء دورها الوطني لمصلحة فئة من الشعب على حساب فئة أخرى، فيما القانون يفرض أن تكون حامية للجميع، وهذا ما يرتّب مسؤوليات جمّة على العهد الجديد لتصحيح الخلل الفاضح في مسار هذه الأجهزة.
الضبّاط والاعتقال السياسي
أمّا النقطة الثانية فمتصلة بعمل القضاء الذي عمل فريق السلطة على التنازل عن حقّ هذا القضاء وسلطته لمصلحة الأمم المتحدة من خلال وضع هذا القضاء بتصرّف لجنة تحقيق دولية استقدمت، بطريقة غير شفّافة لكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي صار أوّل رئيس في العالم كلّه تقوم محكمة دولية من أجله، وذلك بخلاف كلّ المحاكم الدولية الأخرى الموجودة للنظر في جرائم الإبادة وضدّ الإنسانية، وهذا ما أجمع عليه كلّ القانونيين والحقوقيين العالميين والدوليين.
ولم يتمكّن القضاء من التخلّص من استئثار وهيمنة فريق السنيورة السياسي، فظلّ أسيره خلافاً للدستور الذي جعل في مادته العشرين، من القضاء سلطة مستقلة، ولكنّ التصرّف والسلوك كانا مغايرين تماماً لهذا المبدأ الهام في انتظام الدولة.
وقد ظهرت ملامح هذه الهيمنة في غير محطّة ومناسبة، ومنها منع الإفراج عن الضبّاط الأربعة المعتقلين سياسياً اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج، والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان على الرغم من تأكيدات لجنة التحقيق الدولية في عهدي رئيسيها القاضي البلجيكي سيرج برامرتز والكندي دانيال بيلمار، عدم علاقة هؤلاء بهذه الجريمة, وحالت الضغوط السياسية دون إخلاء سبيلهم، وعملت على تنحية المحقّق العدلي القاضي إلياس عيد عبر نظرية "الارتياب المشروع" التي تتطابق على قضاة آخرين لا يزالون يمارسون أعمالهم.
وهذا ما يجب أن يلتفت إليه العهد الجديد وسيّده الرئيس سليمان، فيوليه الاهتمام الاستثنائي لكي يعيد تصويب الأمور، وينفض عن كاهله هذا الإرث، ولكي يظلّ القضاء الملاذ الأوّل والأخير لكلّ اللبنانيين بحيث يحول دون لجوئهم إلى تحصيل حقوقهم بأيديهم، وبطريقة تنمّ عن غياب الدولة، وهو ليس لمصلحة قيام الدولة التوافقية والشراكة الوطنية على الإطلاق.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1269 ـ 30 ايار/ مايو2008