ارشيف من :خاص

إعترافات محترف في ضرب الإقتصاد

إعترافات محترف في ضرب الإقتصاد

بقلم جون بيركنز
دار نشر (BERRETT- KOEHLER (BK

إن محترفي ضرب الإقتصاد EHMs)  Economic Hit Man) هم محترفون ذوي أجور عالية يحتالون على البلدان حول العالم بسلبها مليارات الدولارات. فهم يمررون الأموال من البنك الدولي، الوكالة الأميركية للتطوير الدولي (USAID)، ومنظمات " مساعدات" خارجية أخرى الى خزائن أموال الشركات الضخمة وجيوب بضع عائلات ثرية تتحكم بموارد الأرض الطبيعية. أما وسائلهم فتشمل تقارير مالية مخادعة وإحتيالية، إنتخابات متلاعب بها (مزورة)، رشاوى، إبتزاز، الجنس، والقتل. هم يلعبون لعبة قديمة قدم الإمبراطورية، إنما لعبة أخذت أبعاداً مرعبة خلال زمن العولمة . كان علي أن أعلم؛ لقد كنت محترفاً في ضرب الإقتصاد( EHM).  


كتبت ذلك في العام 1982، كبداية لكتاب بعنوان يعمل كقاعدة لعمل مستقبلي، "إعترافات محترف في ضرب الإقتصاد". كان الكتاب مكرساً لرئيسيْ بلدين، رجلان كانا وكيلين لي، رئيسان إحترمتهما وإعتبرتهما روحين متشابهين بالأصل والطبيعة والصفات – جيمي رولدوس، رئيس الإكوادور، وعمر توريجوس، رئيس باناما. وكلاهما لقيا حتفهما بحادثتي تحطم مؤلمتين. لم يكن موتهما عرضياً. لقد تم إغتيالهما لأنهما عارضا ذلك التآخي الموجود بين رؤوساء الشركات، الحكومة، والمصارف، الذين هدفهم هو إمبراطورية عالمية. لقد أخفقنا نحن محترفي ضرب الإقتصاد ( EHMS ) بإجتذاب رولدوس و توريجوس، والنوع الآخر من المحترفين بالضرب، شركائنا بالأعمال السيئة المؤيَّدين من الـ CIA ( الجغل) الذين كانوا دوماً خلفنا تماماً، تدخلوا.

لقد حُثثت على وقف كتابة ذلك الكتاب. وكنت قد بدأت كتابته أربع مرات خلال السنوات العشرين التالية. وفي كل مناسبة، كان قراري بالبدء مرة أخرى يتأثر بالأحداث العالمية الجارية : الغزو الأميركي لبناما في العام 1989،  حرب الخليج الأولى، الصومال، صعود نجم أسامة بن لادن. في كل الأحوال، لقد كانت التهديدات والرشاوى تقنعني دوماً بالتوقف.

في العام 2003، قرأ رئيس دار نشر كبرى مملوكة من قبل شركة دولية قوية مسودة ما أصبح الآن " إعترافات محترف في ضرب الإقتصاد" (Confessions of an Economic Hit Man). ووصفها بأنها " قصة مذهلة بحاجة لأن تُروى." ثم إبتسم بحزن، هز رأسه، وأخبرني بأنه بما أن أصحاب السلطة التنفيذية في الدوائر العالمية قد يعترضون، فليس بإمكانه تحمل مخاطر نشرها. ونصحني بإفراغ القصة في قالب روائي خيالي. " بإمكاننا تسويقك في قالب الروائي كـ " جون لو كاري" أو " غراهام غرين."

لكن هذا ليس خيالاً. إنها القصة الحقيقية لحياتي. ووافق ناشر أكثر شجاعة، لا تملكه شركة دولية، بمساعدتي على رواية قصتي.

هذه القصة " يجب" أن تُروى. فنحن نعيش في زمن الأزمات المخيفة – والفرصة العظيمة. إن قصة هذا المحترف المعين بضرب الإقتصاد هي قصة كيفية وصولنا الى حيث نحن وسبب مواجهتنا حالياً أزمات تبدو تعجيزية. هذا القصة يجب أن تروى لأنه فقط بفهمنا لأخطائنا الماضية سنكون قادرين على الإستفادة من الفرص المستقبلية؛ لأن هجمات 11 / 9 حصلت وكذلك فعلت الحرب الثانية في العراق؛ لأنه إضافة الى الثلاثة آلاف شخص الذين قضوا في 11 أيلول/سبتمبر 2001 على أيدي إرهابيين، هناك 24 ألف شخص قضوا بسبب الجوع وأمور ذات صلة به. بالواقع، يموت 24 ألف شخص كل يوم لأنهم عاجزين عن تحصيل لقمة عيشهم. أما الأهم، فهو وجوب إخبار هذه القصة  اليوم، لأن أمة واحدة، ولأول مرة في التاريخ، لديها القدرة، المال، والقوة، لتغير كل هذا. إنها الأمة التي ولدت فيها وخدمت فيها كمحترف في ضرب الإقتصاد ( EHMs) : الولايات المتحدة الأميركية.

فما الذي أقنعني في النهاية بتجاهل التهديدات والرشاوى؟

الجواب المختصر على ذلك هو أن إبنتي الوحيدة، جيسيكا، تخرجت من الكلية ودخلت غمار العالم تشق طريقها بنفسها. وعندما أخبرتها بأني أدرس مسألة نشر هذا الكتاب وشاركتها مخاوفي حول الأمر، قالت، " لا تقلق أبي، إذا نالوا منك سأتولى المهمة من حيث إنتهيت. نحن بحاجة للقيام بهذا الأمر لأجل الأحفاد الذين آمل أن أعطيك إياهم يوماً ما!" هذا هو الجواب المختصر.

أما وجهة النظر المعاكسة الأطول فتتصل بإخلاصي وتفانيي للبلد الذي نشأت وتربيت فيه، وبحبي للمثل العليا المعبَّر عنها من قبل " الآباء المؤسسين"، وبإلتزامي العميق بالشعب الأميركي الذي يعِد اليوم بـ "الحياة، الحرية، ودوام السعادة" لجميع الناس، في كل مكان، ولتصميمي بعد أحداث 11 / 9  بعدم الجلوس متكاسلاً ومتراخياً بعد الآن في الوقت الذي يحول فيه محترفو ضرب الإقتصاد (EHMs) تلك الجمهورية الى إمبراطورية عالمية. هذه هي الترجمة المختصرة للجواب الطويل؛ أما التفاصيل فقد أضيفت في الفصول التي تلي.

هذه قصة حقيقية. عشت كل دقيقة منها. المشاهد، الناس، المحادثات، والمشاعر التي أصفها كانت كلها جزءاً من حياتي. إنها قصتي الشخصية، مع ذلك فهي حصلت ضمن السياق الأكبر للأحداث العالمية التي شكلت تاريخنا، والتي جلبتنا الى حيث نحن اليوم، وشكلت أساس مستقبل أطفالنا. لقد بذلت كل جهد ممكن لتقديم هذه التجارب، الناس، والمحادثات بدقة. فأينما أكون أناقش أحداثاً تاريخية أو أعيد إنشاء محادثات مع أناس آخرين، فإني أقوم بذلك بمساعدة وسائل عديدة : وثائق منشورة؛ ملاحظات وسجلات  شخصية؛ عمليات إستذكار وإستحضار – إستذكاراتي الخاصة وتلك التي لآخرين ممن شاركوا؛ المخطوطات الخمس التي بدأتها سابقاً؛ وروايات تاريخية لمؤلفين آخرين، أشهرها تلك المنشورة مؤخراً والتي تفضح معلومات كانت، سابقاً، مصنفة سرية أو غير متوفرة. أما المراجع فمتوفرة في الملاحظات النهائية، للسماح للقراء المهتمين بمتابعة هذه المواضيع بعمق أكبر . وفي بعض الحالات، أدمج حوارات عديدة لي مع شخص في محادثة واحدة لتسهيل إنسياب الرواية.

سألني الناشر عما إذا كنا ننسب لأنفسنا، بالفعل، إسم محترفي ضرب الإقتصاد. وأكدت له بأننا كنا كذلك، برغم أن ذلك كان يتم بإستخدام الأحرف الأولى فقط. بالواقع، في اليوم الذي بدأت فيه العمل، في العام 1971، مع أستاذتي " كلودين"، أبلغتني قائلة، " إن وظيفتي هي قولبتك بقالب محترف في ضرب الإقتصاد. لا يمكن لأحد أن يعلم بتورطك – ولا حتى زوجتك." ثم إنقلبت جادة لتقول، " ما أن تصبح متورطاً، فإنك كذلك مدى الحياة."

إن دور كلودين مثال مذهل عن التلاعب الذي يشكل أساس العمل الذي دخلته. جميلة وذكية، لقد كانت أخاذة ولافتة بشدة؛ لقد أدركت نقاط ضعفي وإستخدمتها لمصلحتها الكبرى. أما وظيفتها والطريقة التي نفذت بها عملها فيقدمان مثلاً عن دهاء ومكر الناس الموجودين خلف هذا النظام.

لم تحجم كلودين عن نشر جميع المصادر أو القوة تحت التصرف عند وصفها ما سوف يطلب مني القيام به. فعملي، قالت كلودين، هو " تشجيع قادة العالم على أن يصبحوا جزءاً من شبكة ضخمة  تروج للمصالح التجارية الأميركية وتعززها. في النهاية، يصبح أولئك القادة واقعين في فخ مديونية تضمن ولائهم. إذ يمكننا الإقتراب منهم متى ما رغبنا بذلك – لإرضاء حاجاتنا السياسية، الإقتصادية أو العسكرية. بدورهم، يقوم هؤلاء بتعزيز ودعم مراكزهم السياسية عن طريق إستحضار مناطق صناعية، محطات طاقة ومطارات لشعوبهم.  ويصبح أصحاب شركات الهندسة / الإعمار الأميركية أغنياء بشكل خرافي يكاد لا يصدق."

اليوم نرى نتائج هذا النظام تتدفق كمن أصابه مس من الجنون يدفعه للعنف والقتل. فالأشخاص التنفيذيون في شركاتنا الأكثر إعتباراً وإحتراماً يستخدمون أناساً برواتب تقرب الإستعباد ليكدحوا بظل ظروف لا إنسانية في معامل الكادحين الآسيوية (حيث يعمل العمال ساعات طويلة بأجور منخفضة في ظروف سيئة). أما شركات النفط فلا تريد سوى ضخ السموم في أنهر الغابات المطيرة، لتقتل، عن وعي وإدراك، الناس، الحيوانات، والنباتات، وإرتكابها إبادة جماعية في أوساط الثقافات القديمة. أما صناعة الدواء فتحرم ملايين الأفارقة المصابين بفيروس السيدا ( HIV) من الأدوية المنقذة لحياتهم. وهناك 12 مليون عائلة  في بلدنا نحن، الولايات المتحدة الأميركية، قلقون بشأن وجبتهم الغذائية التالية. أما صناعة الطاقة فتخلق الـ Enron. وتخلق صناعة المحاسبة الـ Andersen. وإرتفع معدل الدخل لخمس سكان العالم في أغنى البلدان مقابل خمس السكان في أفقرها  من 30 مقابل 1 في العام 1960 الى 74 مقابل 1 في العام 1995. وتنفق الولايات المتحدة أكثر من 87 مليار دولار على إدارة حربها في العراق في حين تقدر الأمم المتحدة بأن بإمكاننا بأقل من نصف ذلك المبلغ توفير مياه نظيفة، أنظمة غذائية كافية، خدمات الأصول الصحية (تصريف مياه المجاري)، والتعليم الأساسي لكل شخص على وجه الكوكب.
ونتساءل لم يهاجمنا الإرهابيون؟

البعض سيضع اللوم بخصوص مشاكلنا الحالية على المؤامرة المنظمة. أود لو كان الأمر بهذه البساطة. في كل الأحوال، هذا النظام يغذيه شيئ أخطر بكثير من المؤامرة. فما يقوده ليس عصبة صغيرة من الرجال وإنما مفهوم أصبح مقبولاً كحقيقة لا ريب فيها: الفكرة بأن كل النمو الإقتصادي مفيد للبشر وبأنه كلما كان النمو أكبر  كلما كانت الفائدة أعم. هذا الإعتقاد له إستنتاج أيضاً: إن أولئك الناس الذين يتفوقون بإذكاء نيران النمو الإقتصادي ينبغي مكافأتهم والرفع من شأنهم، في حين أن أولئك المولودون كأشخاص ثانويين متوفرين لأجل الإستغلال.

المفهوم، بالطبع، خاطئ. نحن نعلم بأن النمو الإقتصادي في العديد من البلدان لا يستفيد منه سوى قسم صغير من السكان وقد ينتهي ، بالواقع، بظروف باعثة على اليأس بشكل متزايد بالنسبة للأكثرية. هذا التأثير يعززه الإعتقاد الإستنتاجي بأنه ينبغي أن يتمتع قادة الصناعة الذين يقودون هذا النظام  بمكانة خاصة، إعتقاد يشكل الجذور الأساسية لكثير من مشاكلنا الحالية وربما يكون أيضاً سبب تكاثر نظريات المؤامرة. فعندما يُكافئ رجال ونساء على جشعهم، يصبح الجشع دافعاً للفساد. وعندما نساوي الإستهلاك الشره لموارد الأرض مع مكانة تقارب القداسة، عندما نعلِّم أولادنا محاكاة الناس الذين يعيشون حياة لا متوازنة، وعندما نحدد ونعرِّف شرائح سكنية ضخمة على أنها ثانوية من حيث القدرة أو الوظيفة وخاضعة لأقلية نخبوية، فإننا نكون نسأل عن مشكلة، وها نحن نحصل عليها.

في مسيرتها بإتجاه الدفع قدماً بالإمبراطورية العالمية، تستخدم الشركات، المصارف، والحكومات ( جماعياً " إتحاد الحكومات مع الشركات") قوتها وسلطتها المالية والسياسية لضمان أن تدعم مدارسنا، قطاع الأعمال، والإعلام كل من المفهوم المغالط المضلل ونتيجته الطبيعية. لقد أوصلونا الى نقطة حيث تعتبر ثقافتنا العالمية عبارة عن آلة هائلة مخيفة تتطلب، بشكل تعليلي، كميات متزايدة من الوقود والصيانة، كميات  ضخمة الى حد أنها في النهاية ستكون قد استهلكت كل شيئ في مرمى النظر لتُترك من دون خيار ما عدا تدمير نفسها.

إن " تحالف الحكومات والشركات" ليس تآمراً، لكن أعضاءه يصادقون، بالفعل، على قيم وأهداف مشتركة. أما إحدى أهم وظائف هذا التحالف فهو إطالة أمد النظام وتوسيعه وتعزيزه بإستمرار. فحياة أولئك " الناجحين فيه"، وصفاتهم وسماتهم الخارجية ـ قصورهم، يخوتهم، وطائراتهم الخاصة – يتم تقديمها كنماذج لتلهمنا جميعاً مفهوم الإستهلاك ثم الإستهلاك ثم الإستهلاك. إذ يتم إنتهاز كل فرصة من الفرص لإقناعنا بأن شراء الأشياء هو واجبنا المدني، وبأن نهب وسلب الأرض أمر جيد للإقتصاد ولذلك فهو يخدم مصالحنا العليا. فالناس أمثالي تُدفع لهم، وبهوس، رواتب عالية  لتنفيذ أمر النظام بتنفيذ العمل المطلوب. وإذا ما ترددنا وتحيرنا، فإن شكلاً أكثر مكراً وخبثاً من محترفي ضرب الإقتصاد ، شركاء الأعمال السيئة  (الجغل)، يتدخلون بالموضوع. وإذا ما فشل هؤلاء، عندها يعود العمل الى الجيش.

هذا الكتاب هو إعترافات رجل كان، بالعودة الى الوراء عندما كنت محترفاً في ضرب الإقتصاد (EHMS)، جزءاً من مجموعة صغيرة نسبياً. أما الناس الذين يلعبون دوراً مشابهاً فهم أكثر غنىً الآن. فلديهم ألقاب أكثر لطفاً، وهم يسيرون في ممرات "مونسانتو" جنرال إليكتريك، نايك، جنرال موتورز، وول ـ مارت، وفي كل شركة من الشركات الكبرى الأخرى تقريباً في العالم.  ففي المعنى الحقيقي جداً للكلمة، يعتبر كتاب "إعترافات محترف في ضرب الإقتصاد" قصتهم كما هي قصتي.

إنها قصتك أنت أيضاً، قصة عالمك وعالمي، قصة الإمبراطورية العالمية الأولى بحق. والتاريخ يخبرنا بأن هذه القصة مكتوب لها النهاية بشكل تراجيدي إلا إذا عدَّلنا بها. فالإمبراطوريات لا تدوم أبداً. لقد أخفقت كل واحدة منها بشكل مخيف. فهي تدمر العديد من الثقافات في سباقها نحو الحصول على هيمنة أكبر، ومن ثم تسقط هي نفسها أيضاً. إذ ليس بإمكان بلد، أو إتحاد بلدان، الإزدهار والتقدم بثبات في المدى الطويل عن طريق إستغلال الآخرين.

هذا الكتاب تم وضعه بحيث أننا قد نلتفت ونعيد قولبة قصتنا. أنا متيقن بأنه عندما يكون هناك عدد كاف منا واعين للكيفية التي نحن مُستغَلين بها بواسطة المحرك الإقتصادي الذي يخلق شهية نهمة على موارد العالم، والذي ينتهي بأنظمة تعزز العبودية، فإننا لن ننتساهل تجاه الأمر بعد الآن. سنعيد تقييم دورنا في العالم حيث يسبح قلة في الثراء الفاحش وتغرق الأكثرية في الفقر، التلوث، والعنف. سنلزم أنفسنا بشق الطريق والإبحار نحو العطف والشعور العميق بمعاناة الآخرين والتخفيف عنهم، ونحو الديمقراطية، والعدالة الإجتماعية للجميع.

إن الإعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى بإتجاه إيجاد الحل. فالإعتراف بالخطيئة هو بداية الخلاص. إذن دعوا هذا الكتاب يكون بداية الإنقاذ من الضياع والدمار. دعوه يلهمنا مستويات جديدة من التفاني والإخلاص ويقودنا الى تحقيق حلمنا بمجتمعات متوازنة ومشرّفة.

من دون الناس الكثر الذين قاسمتهم حياتهم والموصوفون في الصفحات التالية، لم يكن هذا الكتاب ليخرج للناس. أنا ممتن للتجارب والدروس.

إضافة إليهم، أنا أشكر الناس الذين شجعوني على الخروج والظهور بهذا الموقف الصعب والحساس لرواية قصتي: ستيفان ريختشافن، بيل ولين تويست، آن كيمب، آرت روفي،  العدد الكبير جداً من الناس الذين شاركوا في رحلات " تغيير الحلم " ومصانع الكادحين، خاصة المسهلين لي : إيف بروس، لين روبرتس ـ هيريك، وماري تندال، كما أشكر زوجتي وشريكة حياتي على مدى 25 عاماً، وينفرد، وإبنتي جيسيكا.

أنا ممتن للكثيرين من الرجال والنساء الذين قدموا إضاءات ومعلومات شخصية حول المصارف المتعددة الجنسيات، الشركات الدولية، والتشهير السياسي بمختلف البلدان، مع شكر خاص لمايكل بن ـ إيلي، سابرينا بولوني، جوان غابرييل كاراسكو، جيمي غرانت، بول شاو، وأشخاص عديدين آخرين ممن يرغبون بالبقاء مجهولي الهوية إنما ممن يعلمون من تكون.

ما أن كُتبت نسخة الكتاب، لم يكن لدى مؤسس دار نشر بيريت ـ كوهلر ستيفن بيرسانتي الشجاعة فقط بأن يستقبلني بل كرس ساعات لا متناهية كمؤلف لامع، مساعداً في تأطير وإعادة تأطير الكتاب.  أقدم أعمق الشكر لستيفن، ريتشارد بيرل، الذي قدمني له، وأقدم عميق الشكر أيضاً لنوفا براون، راندي فيات، آلن جونز، كريس لي، جنيفر ليس، لوري بيلوشود، وجيني وليامز، الذين قرؤا وعلقوا على المسودة؛ الى ديفيد كورتين الذي لم  يقرأ ويعلق على المسودة فحسب بل جعلني أتعرض لمتاعب وصعاب لإرضاء معاييره العالية والممتازة؛ الى بول فيدوركو، وكيلي؛ الى فاليري بروستر لصنعها تصميم الكتاب؛ والى تود مانزا، محرر النسخة خاصتي، وهو فيلسوف غير عادي وكاتب فصيح خبير بالكلمات.

كلمة إمتنان وعرفان بالجميل خاصة لجيفان سيفاسوبرامانيان، مدير تحرير بيريت – كوهلر، والى كين لابوف، ريك ويلسون، ماريا جيساس آغيلو، بات أندرسون، مارينا كوك، مايكل كراولي، روبن دونوفان، كريستين فرانتز، تيفاني لي، كاثرين لينغرون، دايان بلاتنر – وجميعهم من فريق عمل بيريت – كوهلر (BK) الذين أدركوا الحاجة لبناء الإعترافات والذين عملوا بلا تعب لجعل هذا العالم مكاناً أفضل.

ينبغي علي أن أشكر جميع النساء والرجال الذين عملوا معي في MAIN وكانوا مدركين وواعين للأدوار التي لعبوها في مساعدة محترفي ضرب الإقتصاد(EHM) على وضع شكل الإمبراطورية العالمية؛ وأشكر بشكل خاص الأشخاص الذين عملوا لي والذين سافرت بهم الى جزر بعيدة وقاسمتهم لحظات ثمينة كثيرة جداً. كما أشكر إيهود سبيرلينغ وفريق عمله في Inner Traditional International، ناشر كتبي الأولى حول الثقافات الأصلية والديانة الشامانية، والى الأصدقاء الجيدين الذين وضعوني على هذا الطريق كمؤلف.

أنا ممتن أبداً للرجال والنساء الذين أدخلوني الى بيوتهم في الغابات، الصحاري، والجبال، وأخذوني الى الأكواخ الصغيرة المصنوعة من الكرتون على طول قنوات جاكارتا، والى أحياء الفقراء في مدن لا حصر لها حول العالم، الذين قاسموني طعامهم وحياتهم والذين كانوا مصدر الإلهام الأكبر لي.
جون بيركنز
آب 2004

افتتاحية
تمتد " كويتو"، عاصمة الإكوادور، عبر سهل بركاني مرتفع في جبال الآنديز، على إرتفاع 9000 قدم. وقد ألف سكان هذه المدينة ، التي تأسست قبل وصول كريستوف كولومبوس الى الأميركيتين بوقت طويل، رؤية الثلج يكلل القمم، برغم واقع وجودهم على بعد ميلين فقط الى الجنوب من خط الإستواء.
إن مدينة Shell""، وهي مركز وقاعدة عسكرية متقدمة إقتطعت وشوهت غابة الأمازون الإكوادورية لخدمة شركة النفط التي تحمل إسمها، موجودة على إرتفاع أقل من " كويتو " يبلغ 8000 قدم تقريباً. مدينة تتحرك بوسائل النقل البخارية، سكانها بمعظمهم من الجنود، عمال النفط، والأهالي من قبيلتي " الشوار " و "كيشاوا " الذين يعملون لديهم كعاهرات وعمال.

للإرتحال من مدينة لأخرى، عليك أن تقطع طريقاً متعرجاً معقداً يحبس الأنفاس. وسيخبرك الناس بأنك خلال الرحلة ستختبر الفصول الأربعة في يوم واحد. رغم أني قطعت هذه الطريق مرات عدة، فإني لم أتعب أبداً من المنظر المذهل. صخور شديدة الإنحدار، تتخللها شلالات متكسرة على الصخور المنحدرة ونباتات bromeliads  اللامعة ( من فصيلة الأناناس، عادة ما يكون لها أوراق صعبة الثني لها ملمس الجلد، وعناقيد من الزهر المتألق الرائع)، ترتفع من جهة واحدة. ومن الجانب الآخر، تنخفض الأرض بشكل مفاجئ  شديد الإنحدار وصولاً الى هاوية سحيقة حيث نهر " باستازا"، أصل منبع نهر الأمازون، يتلوى في طريقه نزولاً وصولاً الى الآنديز. ويحمل نهر الباستازا المياه من أنهار " كوتوباكسي " الجليدية، أعلى براكين العالم نشاطاً و الإله المعبود في زمن " الإنكاس"، الى المحيط الأطلسي على بعد أكثر من 3 آلاف ميل.

 في العام 2003، غادرت " كويتو " في سيارة " سوبارو" وتوجهت قاصداً  Shell"" في مهمة لم تكن تشبه أية مهمة أخرى سبق ان قبلتها. كنت آمل بإنهاء حرب ساعدت في خلقها. وبما أن هذا هو الحال مع أمور كثيرة جداً فيجب علينا نحن رجال الـ EHM تحمل المسؤولية عن ذلك، إنها حرب غير معروفة عملياً في أي مكان خارج البلد الذي تخاض فيه. كنت في طريقي للإجتماع مع " الشوار"،  "الكيشوا " وجيرانهم " الأشوار"، " الزابار"، و " شيويار" – قبائل صممت على منع شركاتنا النفطية من تدمير منازلهم، عائلاتهم، وأراضيهم، حتى لو كان ذلك يعني الموت في هذه العملية. فبالنسبة لهم، هذه حرب تتعلق ببقاء أطفالهم وثقافاتهم، في حين أنها بالنسبة لنا تتعلق بالقوة، المال، والموارد الطبيعية. إنها إحدى أجزاء النزاع لأجل الهيمنة العالمية وحلم بضعة رجال جشعين، الإمبراطورية العالمية.

هذا هو هو ما نفلح القيام به نحن رجال الـ EHM على أفضل وجه: نحن نبني إمبراطورية عالمية. نحن مجموعة نخبوية من الرجال والنساء الذين يستخدمون منظمات مالية دولية لإثارة ظروف تجعل أمماً أخرى خاضعة وذليلة لتحالف الحكومات والشركات الذي يدير أكبر شركاتنا، حكومتنا، ومصارفنا. وكنظرائنا في المافيا، يقدم رجال الـ EHM خدمات. وهذه الخدمات تأخذ شكل قروض لتطوير البنية التحتية – محطات توليد الكهرباء، الطرق السريعة، المرافئ، المطارات، أو المناطق الصناعية. أما شرط قروض من هذا النوع فهو وجوب أن تبني شركات الهندسة والإعمار من بلدنا كل هذه المشاريع. وبالجوهر، فإن معظم الأموال لا تخرج من الولايات المتحدة أبداً؛  إنها تنقل، وببساطة، من مكاتب المصارف في واشنطن الى مكاتب الهندسة في نيويورك، هيوستن، أو سان فرانسيسكو.


برغم حقيقة عودة الأموال فوراً، تقريباً، الى الشركات التي هي عضو في تكتل الشركات ( الدائن)، فالمطلوب من البلد المتلقي دفع المبلغ كله، الأساسي زائد الفائدة. وإذا كان رجل الـ EHM ناجحاً تماماً، تكون القروض كبيرة للغاية بحيث يكون المستدين مجبراً على التقصير لدفع مستحقاته بعد بضع سنوات. وعندما يحدث هذا، عندها نطالب، كالمافيا، بمالنا من لحمه. هذا غالباً ما يتضمن أحد الأمور التالية أو أكثر: السيطرة على تصويت الأمم المتحدة، زرع قواعد عسكرية ، أو الوصول الى موارد ثمينة كالنفط أو قناة بناما. وبالطبع يكون المستدين لا يزال مديناً لنا بالمال – ويكون بلد آخر قد أضيف الى إمبراطوريتنا العالمية.

أثناء القيادة من " كويتو" بإتجاه " Shell" في هذا اليوم المشمس في العام 2003، رجعت بفكري 35 عاماً الى الوراء... الى المرة الأولى التي وصلت بها الى هذا الجزء من العالم. لقد قرأت أنه برغم أن الإكوادورتعتبر بحجم " نيفادا" فقط، فقد كان لديها أكثر من30 بركاناً ناشطاً، أكثر من 15 بالمئة من أنواع الطيور في العالم، وآلاف النباتات غير المصنفة حتى الآن، وبأنها أرض الثقافات المتنوعة المختلفة حيث يوجد الكثير من الناس يتحدثون اللغات الأصلية المحلية بقدر الذين يتحدثون الإسبانية تقريباً. لقد وجدته بلداً فاتناً مذهلاً وبالتأكيد غريباً مثيراً للإهتمام؛ مع ذلك، فإن الكلمات التي ظلت تطرأ على فكري في ذلك الحين هي أنه بلد صاف، غير ممسوس، وبريء. 

أمور كثيرة تغيرت في الـ 35 عاما .

في زيارتي الأولى في ذلك الحين من العام 1968،  كانت شركة النفط " Texaco  " قد إكتشفت لتوها النفط في منطقة الأمازون الإكوادورية. أما اليوم، فيشكل النفط نصف صادرات البلاد تقريباً.  فخط الأنابيب العابر للـ Andaen  المبني بعد وقت قصير من " زيارتي الأولى قد سرَّب أكثر من نصف مليون برميل من النفط الى داخل الغابة المطيرة الهشة – أكثر بمرتين من الكمية التي أراقتها شركة Exxon Valdcz. واليوم ، يعدنا 1.3 مليون برميل، خط الأنابيب بطول 300 ميل الذي أنشأه إتحاد المشاريع المنظم من قبل رجال الـ EHM بجعل الإكوادور إحدى العشرة الكبار من مزودي النفط للولايات المتحدة في العالم. لقد تساقطت مساحات هائلة من الغابة المطيرة، بببغاوات الماكاو الإستوائية الزاهية والنمور الأميركية (الجاكوار) كانت موجودة لكنها إختفت، ثلاث ثقافات إكوادورية أصلية دُفعت الى شفير الإنهيار، وأنهار بدائية نقية لم تكن الحضارة قد أفسدتها تحولت الى بالوعات مشتعلة قذرة.

خلال هذه الفترة نفسها، بدأت الثقافات الأصلية تحارب لأجل البقاء. على سبيل المثال، في 7 أيار، 2003، قامت مجموعة من المحامين الأميركيين الممثلين لأكثر من 30 ألف من الإكوادوريين الأصليين بتنفيذ المرحلة الأولى من دعوى قضائية بقيمة مليار دولار ضد شركة Chevron Texacco. الدعوى تؤكد على أن شركة النفط العملاقة ألقت، ما بين عامي 1971 و 1992 ، في أنهر وحفر مفتوحة أكثر من 4 مليون غالون يومياً من مياه الصرف السامة الملوثة بالنفط، المعادن الثقيلة، والمواد المسرطنة، وبأن الشركة تركت خلفها حفر نفايات مكشوفة إستمرت بقتل الناس والحيوانات.

خارج نافذة سيارتي السوبارو، تدفقت سحب كبيرة من الضباب آتية من الغابات ومن فوق وديان " باستازا" الضيقة العميقة. بلل العرق قميصي، وبدأت معدتي بالإضطراب، ليس فقط بسبب الحرارة الإستوائية الشديدة والإنعطافات الأفعوانية في الطريق. فمعرفتي بالجزء الذي لعبته في تدمير هذا البلد الجميل كان يقرع رأسي. فبسببي وبسبب زملائي من المحترفين بضرب الإقتصاد ( EHM )، الإكوادور في حالة أسوأ بكثير مما كانت عليه يوم قدُّمناها الى معجزات الإقتصادات الحديثة، القطاع المصرفي، والهندسة. فمنذ العام 1970، خلال هذه الفترة المعروفة، بتعبير لطيف، بالفورة النفطية، زاد مستوى الفقر الرسمي  من 50 الى 70 بالمئة، كما زادت نسبة البطالة والبطالة المقنعة من 15 الى 70 بالمئة، وزاد الدين العام من 240 مليون دولار الى  16 مليار. في هذه الأثناء، إنحدرت حصة الموارد الوطنية المخصصة لأشد الشرائح السكانية فقراً من 20 الى 6 بالمئة.

لسوء الحظ، الإكوادور ليس إستثناء بهذا الخصوص. فكل بلد تقريباً أحضره محترفو ضرب الإقتصاد (EHM) ووضعوه تحت مظلة الإمبراطورية العالمية عاني من مصير مشابه. فديون العالم الثالث تزايدت الى أكثر من 2.5 تريليون دولار، وكلفة خدمة الدين – أكثر من 375 مليار دولار بما يخص عام 2004 – هي أكثر من إنفاق العالم الثالث كله على الصحة والتعليم، وأكثر بعشرين مرة مما تتلقاه الدول النامية سنوياً بشكل مساعدات. فأكثر من نصف الناس في العالم يعيشون بأقل من دولارين باليوم، الذي هو، بالكاد، نفس المقدار الذي كانوا يتلقونه في أوائل السبعينات. في هذه الأثناء، هناك 1 بالمئة من أسر العالم الثالث تستحوذ على 70 الى 90 بالمئة من أصل كل الثروة المالية وملكية الموجودات الحقيقية في بلدانهم؛ النسبة المئوية الفعلية تعتمد على البلد المحدد.

أبطأت الـ " سوبارو" سيرها ما أن بدأت تتعرج خلال شوارع منتجع بلدة "بانوس" الجميلة، المشهورة بحماماتها الساخنة بسبب وجود الأنهار البركانية تحت سطح الأرض والمتدفقة من جبل " تانغوراغوا " الناشط بشدة. ركض الأطفال الى جانبنا على طول الطريق، ملوحين لنا في محاولة لبيعنا العلكة والحلوى. ثم تركنا منتجع " بانوس " خلفنا.  وإنتهى المنظر الفاتن بشكل مفاجئ ما ان إنطلقت السوبارو بسرعة خارج الجنة ودخلت الى النسخة الحديثة لبلدة " دانتي " الجهنمية.
 
وحش عملاق إنتصب خارجاً من النهر، جدار رمادي كئيب عملاق. فهذه الكتلة الإسمنتية المتشبعة بالسوائل المتقاطرة منه لم يكن هذا مكانها بالكامل، لقد كان غير طبيعي وغير متلائم بالتمام والكمال مع المنظر الموجود. بالطبع ما كان ينبغي أن يفاجئني رؤيته في ذاك المكان. وعلمت منذ البداية بأن الأمر سيكون الإنتظار في كمين. لقد صادفته عدة مرات وكنت قد أثنيت عليه في الماضي بصفته رمزاً لإنجازات رجال ضرب الإقتصاد( EHM ). بالرغم من ذلك، لقد جعل ذلك المنظر جلدي يقشعر.

إن ذاك الجدار القبيح الكريه، المتنافر والمتعارض مع ما حوله هو سد يقف حائلاً أمام نهر " باستازا " المتدفق، يحرف مياهه ليتدفق من خلال قنوات ضخمة محفورة داخل الجبل، ويحول الطاقة الى كهرباء. هذا هو مشروع " آغويان " المائي ـ الكهربائي لإنتاج 156 ميغاواط. إنه يغذي المصانع التي تجعل بضع عائلات إكوادورية ثرية، وكان مصدر معاناة مكبوتة للمزارعين والسكان المحليين الذين يعيشون على طول النهر. هذه المحطة المائية – الكهربائية هي واحدة، فقط، من مشاريع عديدة تطورت من خلال جهودي وجهود الآخرين من الـ EHM . إن مشاريعاً كهذه هي السبب بتهديد قبائل " الشوار " و " الكيشوا " وجيرانهم بشن حرب ضد شركاتنا النفطية.

وبسبب مشاريع محترفي ضرب الإقتصاد (EHM)، الإكوادور غارقة بالدين الخارجي وعليها تخصيص حصة مبالغ فيها من موازنتها الوطنية لسداد هذا الدين، بدلاً من إستخدام رأسمالها لمساعدة الملايين من مواطنيها المصنفين رسمياً بأنهم في حالة خطيرة من الفقر الشديد. أما الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها للإكوادور تخفيض إلتزاماتها الخارجية فهي ببيع غاباتها المطيرة لشركات النفط. بالواقع، إن أحد الأسباب التي جعلت محترفو ضرب الإقتصاد يركزون أنظارهم على الإكوادور في المقام الأول هو بحر النفط  في باطن منطقة الأمازون الذي يُعتقد بأنه المنافس لحقول النفط في الشرق الأوسط. فالإمبراطورية العالمية تطالب بأموالها كاملة بشكل تنازلات نفطية.

هذه المطالب أصبحت ملحة خاصة بعد هجمات 11 أيلول 2001، عندما تخوفت واشنطن من إمكانية توقف الإمدادات الشرق أوسطية. وفوق كل ذلك، إنتخبت فنزويلا مؤخراً، وهي ثالث أكبر مزود نفطي لنا، رئيس شعبي محبوب، هوغو تشافيز، الذي إتخذ موقفاً قوياً ضد ما سماه الإمبريالية الأميركية ؛ إذ هدد بقطع مبيعات النفط للولايات المتحدة. لقد فشل محترفو ضرب الإقتصاد في العراق وفنزويلا، لكنا نجحنا في الإكوادور؛ إذ بإمكاننا، الآن، حلبها وإستغلالها  لأقصى ما يمكننا.

الإكوادور نموذج للبلدان حول العالم التي وضعها رجال ضرب الإقتصاد  (EHM) داخل الحظيرة الإقتصادية – السياسية. فمقابل كل 100 دولار من النفط الخام المستخرج من الغابات المطيرة الإكوادورية، تحصل شركات النفط على 75 دولار. ومن الـ 25 دولار المتبقية، يجب أن يذهب ثلاثة أرباع المبلغ لسداد الدين الخارجي. ومعظم المال المتبقي يغطي نفقات الجيش والنفقات الحكومية الأخرى – ما يترك حوالي 2.50 دولار للصحة، التعليم، ولبرامج تهدف الى مساعدة الفقراء. وبذلك، فإنه من أصل الـ 100 دولار قيمة النفط المنتزع من الأمازون، يذهب أقل من 3 دولار الى الناس الذين هم بأمس الحاجة الى المال، أولئك الذين تأثرت حياتهم بشكل معاكس بالسدود، بعمليات الإستخراج، وبخطوط الأنابيب، والذين يموتون بسبب نقص الغذاء الصالح للأكل والمياه الصالحة للشرب.

كل هؤلاء الناس – الملايين في الإكوادور، المليارات حول العالم – هم إرهابيون محتملون. ليس لأنهم يؤمنون بالشيوعية أو الفوضوية أو أنهم أشرار بالغريزة، وإنما لأنهم، وببساطة، يائسون. وبالنظر الى هذا السد، تساءلت – كما أفعل غالباً في أماكن عديدة حول العالم – متى سيتصرف هؤلاء الناس، على غرار الأميركيين ضد إنكلترا في سبعينات القرن السابع عشر أو الأميركيين اللاتينيين ضد إسبانيا في أوائل القرن الثامن عشر؟

إن مكر ودهاء هذا البناء الإمبراطوري الحديث يضع القرون الرومانية، الفاتحين الإسبان، والقوى الإستعمارية الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في موضع الشعور بالخجل والعار. فنحن رجال الـ EHM ماهرون ومحترفون؛ لقد تعلمنا من التاريخ. اليوم لا نحمل سيوفاً. لا نرتدي دروعاً أو ثياباً تجعلنا بعيدين عن الناس. ففي بلدان كالإكوادور، نيجيريا، وأندونيسيا، نرتدي كمعلمي المدارس المحليين وأصحاب المحلات. أما في واشنطن وباريس فنبدو كالبيروقراطيين الحكوميين وأصحاب المصارف. إننا نظهر بمظهر المتواضعين الطبيعيين. نزور مواقع المشاريع ونتجول في القرى الفقيرة المعدمة. نتظاهر بالإيثار، نتحدث للصحف المحلية عن الأمور الإنسانية الرائعة التي نقوم بها. نغطي طاولات مؤتمرات اللجان الحكومية بلوحات جداولنا ومشاريعنا المالية ونحاضر في مدرسة هارفرد للأعمال عن معجزات علم الإقتصاد الشامل ( دراسة النواحي وكيفية العمل الشاملة المتعلقة بالإقتصاد الوطني كالإيرادات والمحصول والعلاقات المتداخلة بين القطاعات الإقتصادية المتنوعة).

نحن معروفون بإتخاذنا موقفاً معيناً، في العلن. أو هكذا نبرز أنفسنا وهكذا نكون مقبولين. هكذا يعمل النظام. فنادراً ما نلجأ الى أي شيئ غير قانوني لأن النظام نفسه مبني على الخديعة، والنظام بلغة التعريف هو نظام شرعي.

في كل الأحوال – وهذا تحذير كبير جداً – إذا ما فشلنا، فإن سلالة أكثر شؤماً وشراً تتدخل، ما نسميها نحن رجال الـ EHM بالـ" الجغل "، رجال موجودون دوماً هناك، يتربصون في الزوايا، ويتسللون في الظلام. وعندما يبرزون، تتم الإطاحة برؤوس الدولة أو يموتون بـ " حوادث " عنف. وإذا ما فشل هؤلاء بالصدفة، كما فشلوا في أفغانستان والعراق، فإن النماذج القديمة تعود للظهور الى السطح مجدداً. عنما يفشل رجال " الجغل "، يتم إرسال شبان أميركيون الى الداخل ليقتلوا ويموتوا.

ما أن تجاوزت الوحش العملاق، الجدار العملاق الثقيل المصنوع من الإسمنت الرمادي المنتصب خارجاً من النهر، كنت مشغولاً جداً بالعرق الذي بلل ثيابي وبأمعائي المشدودة.  وتوجهت نزولاً رأساً الى الغابة لمقابلة السكان المحليين المصممين على القتال حتى آخر رجل لوقف الإمبراطورية التي ساعدتُ في إنشائها، كان الشعور بالذنب طاغياً.

سألت نفسي : " كيف حدث ودخل طفل لطيف من نيوهامشاير الريفية الى مجال الأعمال القذرة كهذه؟

2010-05-26