ارشيف من :آراء وتحليلات

ماذا بعد المصادقة على نتائج الانتخابات العراقية؟

ماذا بعد المصادقة على نتائج الانتخابات العراقية؟

بغداد ـ عادل الجبوري 

بعد خمسة وثمانين يوما بالضبط شهدت الكثير من الشد والجذب والسجالات الساخنة بين مختلف الكتل السياسية، صادقت المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في السابع من شهر اذار/مارس الماضي.  

لم تنهِ المصادقة السجالات، بل أثارت ردود فعل مختلفة تمحورت حول مرشحين اثنين جرى استبعادهما من قائمة الاسماء المصادق عليها، وهما فرات محسن الشرع من الائتلاف الوطني العراقي، وعمر عبد الستار الكربولي من القائمة العراقية، ولكن في نهاية المطاف تمت المصادقة عليهما واغلق ملف المصادقة بالكامل. 

واذا كان هناك من اشكالية قد اثيرت حول اسم او اسمين وحسمت بطريقة ما، فإنها في الواقع جاءت على خلفية حسابات ومواقف سياسية معينة، وحسمها لم يتم عبر السياقات والأطر القانونية فحسب، بل عبر السياقات السياسية ايضا.

هذه الاشكالية التي قد تبدو عابرة وسيطويها النسيان بعد وقت قصير جدا، تشير في حقيقة الامر الى اشكالية كبرى في منهجية التعاطي السياسي العراقي مع الحدث وطريقه توظيفه لتحقيق اكبر قدر من المكاسب السياسية بصرف النظر عن الثمن ومن الذي يدفعه؟

وبعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات لم يعد امام القوى السياسية المختلفة أي حجج وذرائع لتأخير وعرقلة انجاز الاستحقاقات المطلوبة على ضوء الدستور، اذ باتت الخارطة السياسية لمجلس النواب الجديد واضحة ومشخصة بالكامل، ومسيرة التفاوض المارثونية التي بدأت من الناحية الفعلية مبكرا ستتحدد مساراتها واتجاهاتها على ضوء هذه الخارطة والمعادلات التي يمكن صياغتها من الارقام القائمة. بيد ان سقف المهل الزمنية وفق الدستور العراقي من شأنه ان يضع محددات وعوامل ضغط قد يصار الى التملص منها والالتفاف عليها بشكل او باخر، مثلما حصل في مرات عديدة سابقة. 

ووفق المادة 52 والفقرة الرابعة من المادة 70 من الدستور " يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسومٍ جمهوري، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لاكثر من المدة المذكورة آنفا".   وهذا يعني ان امام رئيس الجمهورية المنتهية ولايته جلال الطالباني اسبوعين ليدعو اعضاء البرلمان الجديد للانعقاد بين أول حزيران/ يونيو الجاري والخامس عشر منه. 

وبحسب المادة 53 من الدستور "ينتخب مجلس النواب في أول جلسةٍ له رئيساً، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر". وبما ان انتخاب رئيس المجلس ونائبيه مرتبط بأختيار رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية وعموم المناصب السيادية وغير السيادية من خلال سلة واحدة (one package)، فإنه من المرجح ـ بل من المؤكد ـ ان يصار إلى اللجوء الى حيلة دستورية تقضي بابقاء جلسة البرلمان الاولى مفتوحة حتى التوصل الى ابرام تلك الصفقة المعقدة والشائكة كما حصل قبل اربعة اعوام. وربما تبدو توقعات بعض السياسيين والمراقبين بحسم مسألة الرئاسات الثلاث وما يتعلق بها قبل جلسة مجلس النواب الاولى متفاءلة كثيرا، وبعيدة عن معطيات الواقع القائم على الارض، ولكن لا يُستبعد ان تبقى الجلسة الاولى مفتوحة لشهرين واكثر، لانه عندما تحسم رئاسة الحكومة تحسم الرئاسات الاخرى.         
رئاسة الجلسة الاولى يتولاها اكبر الاعضاء سنا وهي في الواقع مسألة شكلية وتشكل عرفا وسياقا دستوريا دأبت عليه مختلف الانظمة الديمقراطية من اجل تجاوز اشكالية التنازع بين المكونات السياسية المختلفة على إطلاق عجلة البرلمان.

أما الخطوة الأخرى التي ينبغي على مجلس النواب الجديد اتخاذها، فهي انتخاب رئيس الجمهورية وفق ما تنص الفقرة (ب) من المادة 69 حيث "يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته الى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقادٍ له". بعد ذلك يكلف الرئيس المنتخب خلال خمسة عشرَ يوماً مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً لتشكيل الحكومة وتسمية اعضائها. وعند اخفاق رئيس الحكومة المكلف تشكيل حكومته عندها على رئيس الجمهورية تكليف مرشح جديد من الكتل البرلمانية الاخرى خلال خمسة عشر يوما، وهكذا الى ان تحسم الامور ويتم تشكيل حكومة تحظى بثقة مجلس النواب.

وبعملية حسابية بسيطة، فإن مجمل هذه الخطوات تحتاج الى شهرين ونصف من تأريخ انعقاد اول جلسة لمجلس النواب الجديد، اي ان عملية الحسم يمكن ان تمتد الى اواخر شهر اب/اغسطس المقبل، او مطلع ايلول/سبتمبر، هذا اذا لم تظهر معوقات وعراقيل كبرى.

واذا كان الاطار العام للصورة يوحي بأن الكرة ستكون في ملعب مجلس النواب الجديد، فإن الواقع يؤكد خلاف ذلك، فالأروقة والكواليس والدوائر الضيقة ستكون الميدان الحقيقي للحراك السياسي الذي ينتظر منه ان يضع النقاط على الحروف، والكرة هي في ملعب الزعامات السياسية الكبرى في البلاد، اذ ان اختلافها وكذلك توافقها ينعكس على اجواء ومناخات البرلمان. وهذه وان كانت واحدة من اشكاليات وعيوب المرحلة السابقة، الا انها واقع لا يمكن الفكاك منه، فضلا عن انها لا تخلو من ايجابيات بالنسبة إلى تجربة ديمقراطية حديثة العهد مازالت تحبو في العراق ولم تصل الى مرحلة السير على الاقدام دون تعثر في طريق وعر وشائك ومليء بالمطبات!.

2010-06-04