ارشيف من :أخبار لبنانية
توصيات استخبارية للكيان الإسرائيلي حول الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة تداعيات الاعتداء على "أسطول الحرية"
تقديم: قام مركز التنبؤات الاستخبارية (أحد مؤسسات التفكير التابعة للاستخبارات الأمريكية CIA)، بإعداد توجيه استخباري داخلي حول أزمة أسطول الحرية، يطلع عليه محللي المركز وبعض المعنيين في الأجهزة الأمنية الأمريكية لمساعدتهم على فهم خلفيات الأحداث واتخاذ القرارات الأمنية والسياسية المناسبة تجاهها. آثرنا ترجمته والتصرّف بعرض أغلب ما جاء في هذا التقرير، خاصة التوصيات الاستخبارية التي تخدم الكيان الصهيوني في معالجة تداعيات أزمة أسطول الحرية.
سمات مميزة للحدث وانعكاسات على السياسة الدولية
هناك ثلاث سمات تميّز حادثة اقتحام "أسطول الحرية" عن سابقاتها:
1. إنها الأكبر من نوعها من حيث الحجم. حيث اقتصرت التظاهرات الأجنبية السابقة على عدد محدود من الناشطين. أما الآن فقد استخدم الناشطون سفن ركاب على متنها حوالي 600 متضامن – ما يزيد من المخاطر على جميع الأطراف.
2. لم يسبق أن تلقت الحوادث الشبيهة صخباً إعلامياً كهذا منذ المراحل الأولى لتجهيز الأسطول.
3. أهم ما في الأمر أن هذه الظاهرة انطلقت من دولة غير عربية. إذ تعمل تركيا على شق طريقها قدما في المنطقة، وتسعى بكل السبل المتاحة إلى توسيع نفوذها. صحيح أن المنظمة الراعية لأسطول المساعدات ليست حكومية، لكن لا شك أن الحكومة التركية بذلت ما بوسعها للاستفادة من العلاقات العامة التي قد تنتج عن نجاح كسر الحصار على غزة. هذا وتأتي هذه الحادثة في إطار سلسلة ناجحة من لعب تركيا دورا هاما في حل الأزمات العالقة في المنطقة.
الآن بعد أن ردت "إسرائيل" بالتحرك المباشر، سوف تنعكس الحادثة على عدة علاقات دولية:
• أولاً: تطرح هذه الحادثة اختباراً قوياً لتركيا. هل ستنجح تركيا في تصعيد الأمور إلى ما هو أكثر عمقا؟ ربما تغض "إسرائيل" النظر عن ما جرى. لكن تركيا يبقى لديها الخيار في تصعيد الأمور.
• ثانياً: تشكل هذه الحادثة عائقاً محتملاً للخطط الأميركية في العراق. بينما كانت واشنطن تأمل أن تتمكن من خفض عدد قواتها في العراق خلال الأشهر القليلة القادمة مقابل قيام تركيا بملء الفراغ التالي؛ ليس من صالح الولايات المتحدة أن تزداد زعزعة الوضع في المنطقة.
• ثالثاً: تمر العلاقات "الإسرائيلية" الأميركية بمرحلة من البرود النسبي. حيث شهدنا خلال الشهور الماضية دأب "إسرائيل" لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية من أجل تحسين موقفها في الداخل في ظل تخاصم الأحزاب المختلفة، وفي الخارج بعد أن لم تلق سياساتها تجاه فلسطين وايران ترحاباً حاراً في الولايات المتحدة. هذه المساعي "الإسرائيلية" لم تنل إعجاب الولايات المتحدة التي كانت ولا تزال تأمل استقرارا نسبيا للمنطقة. وهذا، أي الاستقرار، حتما لا يتوافق هذا مع اعتداء عسكري ضد بعثة مدنية – مهما كان السبب الذي بررت "إسرائيل" به الحادثة الأخيرة.
حالياً، تحولت الحادثة من مسألة عسكرية إلى مسألة سياسية. بغض النظر عن النوايا والأسباب، لا شك أن القافلة المدنية كانت ستصل إلى غزة وتكسر الحصار لو لم تبدأ "إسرائيل" باستخدام القوة. الآن توجهت الأنظار إلى أنقرة التي لا تزال على الخط الفاصل لاستغلال الحادثة، وإلى واشنطن التي تعتبر الحادثة كارثة لم تكن بالحسبان.
توصيات استخباراتية خاصة لمواجهة الرد التركي على اقتحام "أسطول الحرية"
• محلياً: رفعت تركيا وتيرتها الإعلامية حول القضية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت تركيا ستصعد الأمور محليا لتبدو متحكمة بزمام القضية. هذا ولا تخلو هذه المسألة من الخطر من ناحية الانقسام السياسي في تركيا. لذا يجب الانتباه إلى أية تغطية إعلامية داخل تركيا لا تتبع خط الحكومة.
• دبلوماسياً: من هو الجمهور الذي يستهدفه النفوذ التركي؟ لا نتوقع أن تحصل تركيا على أي شيء من "إسرائيل"، والدفع الذي تريده تركيا غير موجود لدى ايران و/أو الدول العربية. تبقى الولايات المتحدة. ما الذي يمكن أن يمنحه الأتراك لواشنطن من أجل استغلال هذه الحادثة لصالحهم؟
• عسكريا: نتمادى إذا قلنا أن تركيا ستتحرك عسكريا، مع العلم أن الوضع تطور بشكل لا بأس به حتى الآن. للتحقق من مجريات الأمور عسكريا علينا أن نراقب تحركات البحرية التركية.
• اقتصاديا: على الرغم من تأثرها بالأزمة الاقتصادية العالمية تماما كغيرها من الدول، لا تزال تركيا في وضع اقتصادي أفضل بكثير من معظم الدول العربية. من هنا يمكن لأنقرة استغلال هذه الحادثة لتصبح الدولة الرائدة في دعم الفلسطينيين. هذا مع العلم بأن السلطة الوطنية الفلسطينية تعتمد على المساعدات المالية من الخارج. حان الوقت إذن للنظر إلى قائمة الممولين الأجانب لنرى تطور دور تركيا في هذا الاطار.
• فلسطينيا: حتى الآن، لم تختلف ردود حركتي فتح وحماس عن المتوقع – الغضب والتنديد والوعيد بالرد على الهجوم. بل انها لم تختلف عن ما اعتاده العالم – و"إسرائيل" – من تنديدات لم تؤثر على التطورات الاقليمية لسنوات. السؤال هنا هو من سيستغل الموقف لأغراضه؟ حيث من المحتمل أن تتدخل أطراف خارجية سعيا لزعزعة الوضع الداخلي في "إسرائيل"، لكن الأرجح أن الدعم العسكري للفلسطينيين في حال تعززه سوف يكون من قبل ايران وليس تركيا. علينا إذن تفعيل مصادرنا في طهران وأنقرة على السواء لإيجاد الجواب هناك وليس لدى الفلسطينيين.
"إسرائيل" والأراضي الفلسطينية: احتمال التصعيد العسكري
إلى جانب تعرضها لوابل من الاستنكار والإدانات الدولية بفعل الهجوم الدامي على "أسطول الحرية" المكون من ست سفن ركاب تحمل عددا كبيرا من المتضامنين الأجانب وبعض المساعدات الانسانية إلى قطاع غزة، رفعت "إسرائيل" تأهبها العسكري تحسبا لوقوع أي رد فعل عسكري من قبل حماس أو حزب الله. يبدو أن حماس وفتح وحزب الله لا زالوا منشغلين بتحديد الرد العسكري المناسب، لكن "ستراتفور" لم تلحظ أي علامة تشير إلى وجود رد عسكري بارز.
التوجه الغالب الآن على الجانب الفلسطيني وجانب حزب الله هو إبقاء "إسرائيل" موقع جذب الأنظار والاتهام دون إيجاد أي سبب – أي رد عسكري - لإدانة الفلسطينيين.
من جهتهما، يبدو حزب الله وحليفته ايران عازمان على استغلال الحادثة لمصلحتهما السياسية، لكن لا بوادر عمل عسكري في المستقبل القريب. كما أعلن مصدر من حماس أنها هي أيضا لن تقوم بإطلاق صواريخ للرد على العملية خلال الأربع وعشرين ساعة المقبلة، مع العلم بأن واجب الانتقام أولى بحماس من حزب الله. فيما تركز حركة فتح على الرد السياسي؛ حيث بدأت قيادات السلطة الوطنية الفلسطينية تنظر بين أمرين: إما انسحابها من محادثات السلام (وهو ما سيحوّل ضغط الدعوة الأميركية إلى المفاوضات عن "إسرائيل" إلى فتح.)، أو مضاعفة تراجع نفوذها في الداخل من خلال الاكتفاء باستنكار الهجوم وترك الرد العسكري لحماس.
في الوقت الحاضر، تسعى الجماعات الثلاثة إلى تنظيم تظاهرات حاشدة لتضخيم قضيتها وإيجاد الدعم للفلسطينيين بعد مدة طويلة من الركود السياسي في الأراضي الفلسطينية. من المرجح أن تتركز التظاهرات الشعبية داخل قطاع غزة، مع احتمال حصولها عند المقرات الدبلوماسية "الإسرائيلية" في عدد من العواصم الأوروبية والاسلامية.
على الرغم من عدم احتمال وقوع ردود فعل عسكرية من قبل الجماعات الفلسطينية الرئيسة والمنظمات المتعاطفة معها؛ يبقى هناك خطر وقوع هجمات على أيدي الجماعات الارهابية الصغيرة. وفي البلدان التي لا وجود فيها لمراكز دبلوماسية أو تجارية "إسرائيلية"، من المتوقع أن تستهدف المؤسسات والرموز الأميركية. أما الجماعات الكبيرة فمبدأها الاستراتيجي في الوقت الحالي هو إبقاء العدوان "الإسرائيلي" تحت الضوء بينما يستفحل غضب الشعوب. لأن أي عمل عسكري من جانب المجموعات المسلحة سوف يدير الدفة إلى الجانب "الإسرائيلي" الذي سيجعل نفسه الضحية ليقضي على أي أثر لحادثة اقتحام الأسطول. بالمختصر المفيد، من المتوقع حصول تظاهرات شعبية عارمة، لكن لا نستطيع أن نلغي احتمال وقوع هجمات على أهداف "إسرائيلية" أو أميركية.
المصدر: مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية، (إصدار خاص)، 2/6/2010