ارشيف من :ترجمات ودراسات

القرصنة الإسرائيلية: الهدف والمناخ والمنطلق والدلالة والرد..

القرصنة الإسرائيلية: الهدف والمناخ والمنطلق والدلالة والرد..
المصدر: عرب 48/علي جرادات
وقف العالم مذهولاً إزاء إقدام الجيش الإسرائيلي، بقرار سياسي مبَيّت، على ارتكاب جريمة حرب أخرى عبر تنفيذ عملية قرصنة سافرة في المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط ضد "أسطول الحرية" الذي ضم ثمان سفن على متنها نحو سبعمائة متضامن ينتمون إلى أكثر من أربعين دولة عربية وإقليمية ودولية، وتحمل عشرة آلاف طن من المواد الإنسانية، في سياق محاولات كسر الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ حزيران 2007. هذا بمقدار ما سيكون له من تداعيات محلية وإقليمية ودولية، فإنه يطرح الأسئلة التالية:
أولا: هل غاب عن الحكومة الإسرائيلية وذراعها العسكري ما تنطوي عليه عمليتها الإجرامية من تداعيات محلية وعربية وإقليمية ودولية، ليس فقط على صعيد معركة الحصار المفروض على غزة، بل أيضاً على معركة استمرار الاحتلال عموماً؟!!
أبداً لا يمكن افتراض غياب ذلك عن بال وحسبة الحكومة الإسرائيلية، خاصة وأن الإسرائيليين، وربما أكثر من غيرهم، خبراء حروب، ويعدون لحروبهم وعملياتهم العسكرية بأكبر درجة من العناية والدقة. وبالتالي يغدو السؤال: ترى ما هو الهدف السياسي لهذه العملية العسكرية؟؟؟
إن ردع إمكانية تحويل التضامن الإقليمي والدولي المتنامي إلى انجاز سياسي، سيما بعد تداعيات العدوانين على لبنان 2006 وعلى غزة نهاية 2008، يشكل الهدف السياسي الأساسي لعملية القرصنة الإسرائيلية الأخيرة، ذلك لمعرفة القادة الإسرائيليين حقيقة أن القضية الفلسطينية، نشأة وصراعاً ومآلا، هي قضية دولية بامتياز، وأن قيام دولة إسرائيل نفسها على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتاريخية الطبيعية كان بقرار دولي، بصرف النظر عن تمددها بقوة الحراب خارج ما حصلت عليه من شرعية دولية. وبالتالي فإن الإسرائيليين كانوا وما زالوا وسيبقوا يرفضون أي ضغط دولي يساهم في خلق فعل سياسي ضد استمرار احتلالهم وممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني، حتى لو تطلب الأمر الإقدام على ارتكاب جرائم حرب غير مألوفة وتنطوي على قدر كبير من الغرابة لمن لا يعرف العدوانية الإسرائيلية، وهذا ما يفسر ذهول العالم جراء العملية الإجرامية الإسرائيلية الأخيرة التي لا يمكن لأحد تصديق ذرائعها.
ثانياً: إذا كان ردع الضغط الإقليمي والدولي المتنامي ضد حصار غزة واستمرار الاحتلال وممارساته عموماً، هو الهدف السياسي من وراء عملية القرصنة الإسرائيلية، ترى ما هو المناخ السياسي المساعد الذي شجع الحكومة الإسرائيلية على ارتكاب جريمة حرب بهذا المستوى من السفور مع كل ما تنطوي عليه من تداعيات وعواقب؟؟؟
لم يكن بمقدور الحكومة الإسرائيلية هذه وذراعها العسكري، برغم كونها من أكثر الحكومات الإسرائيلية بلطجة، الإقدام على مثل هذه العملية السافرة دون تردد، لولا تأكدها من ضمان السقف الذي يمكن أن تصل إليه تداعيات هذه الجريمة الحربية الموصوفة، وعدم تحويل هذه التداعيات إلى فعل سياسي ملموس يجبر إسرائيل على احترام القانون الدولي ويلزمها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، إذ تعلم الحكومة الإسرائيلية، أن قرار الفيتو الأمريكي في جيبها، هذا فضلا عن ضمان تواطؤ أطراف دولية نافذة مع الفيتو الأمريكي الجاهز، خاصة وأن أصحاب الشأن، نعني مركز القرار الرسمي العربي ليسوا في وارد استخدام ما لديهم من أوراق قوة، وهي كثيرة بالمناسبة، واستثمارها في عملية ضغط سياسي مخططة ومدروسة، وبما يفضي إلى إجبار الأطراف الدولية النافذة على اتخاذ مواقف، في الحد الأدنى متوازنة، أي غير منحازة بسفور، سيما وأن الجريمة الإسرائيلية فاقت كل تصور، فالاستباحة هذه المرة ليست للدم الفلسطيني والعربي، بل لدم أجنبي، وفي مياه دولية، جرى تبنيها من المستوى السياسي الإسرائيلي بصورة رسمية ومعلنة، وذرائعها أوهى من بيت العنكبوت. 
أما آخر عناصر المناخ السياسي الذي ساعد الحكومة الإسرائيلية على ارتكاب هذه الجريمة، فيكمن في ما تعانيه الساحة الفلسطينية من انقسام داخلي عمودي، تعي القيادة الإسرائيلية مقدار انعكاسه السلبي على ممكنات استثمار تداعيات جريمتها في قضية الاحتلال عموماً، وفي قضية الحصار الخانق على غزة تحديدا.
بلى، كانت الحكومة الإسرائيلية ستفكر كثيراً، قبل الإقدام على جريمتها الأخيرة، لولا توفر المشار له من مناخ سياسي سائد فلسطينيا وعربيا ودولياً.
ثالثاً: إذا كان ردع التضامن الدولي مع الفلسطينيين هو الهدف السياسي لعملية القرصنة الإسرائيلية، وإذا كان المناخ السياسي السائد بمثابة عامل مساعد للمضي صوب هذا الهدف دون تردد، خاصة وأن ذات المناخ السياسي، كان قد مرّر للحكومات الإسرائيلية جريمتي تدمير لبنان في 2006، وتدمير غزة نهاية 2008، ترى ما هو المنطلق الذي يبيح لحكومة إسرائيل استباحة دم أجنبي، أعني غير عربي أو فلسطيني، وذلك باستخدام ذات الذرائع الواهية عبر الإدعاء بأن العملية العسكرية الإسرائيلية، إنما جاءت دفاعاً عن النفس، وكأن المتضامنين العزّل إلا من سلاح حسهم الإنساني، قادرين على إيذاء القوة العسكرية الغاشمة التي أعدت العدة لعملية قرصنة بقرار سياسي مبيّت؟؟؟؟
إن المنطلق الوحيد الذي يقف خلف جريمة حرب بهذا المستوى من السفور والغطرسة، هو فقط الإحساس الخرافي حد المرض والهوس بالتفوق، والمقدرة على عمل أي شيء دون أن يستطيع أحد في العالم أن يعمل شيئاً حقيقيا من شأنه قلب السحر على الساحر، أي تحويل عمليات الإدانة والشجب والاستنكار والغضب والتظاهر واستدعاء السفراء..... إلى فعل سياسي ملموس يجبر حكومة دولة إسرائيل على الانصياع للقانون الدولي وإجبارها على تطبيق قرارات الشرعية الدولية.
رابعاً: إذا كان ما تقدم قد أشار إلى الهدف والمناخ السياسي والمنطلق خلف عملية القرصنة الإسرائيلية الأخيرة، ترى ما هي دلالات هذه العملية القرصنة الإسرائيلية؟؟؟
إن هذه العملية تؤكد للمرة الألف أن الأحزاب السياسية الإسرائيلية الرئيسية ليست في وارد السلام ولا حتى إحراز اتفاق سياسي يعطي ولو الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، فما بالك بالتاريخية منها؟؟!!! وهي ما دامت كذلك، ستبقى بالضرورة "نزازة" حرب وتوتر وقرصنة وإرهاب.
خامساً: إن كان هذا هو الحال الإسرائيلي في خشيته من تدويل القضية الفلسطينية، وهو كذلك بامتياز، فإن توظيف تداعيات القرصنة الإسرائيلية الأخيرة لصالح مطلب فك الحصار عن غزة تحديداً، ولصالح مطلب إنهاء الاحتلال عموماً، لن يكون مجدياً، اللهم إلا إذا تم في إطار قرار فلسطيني عربي منسّق بقطع عمليات التفاوض وعلاقات التطبيع على كافة المستويات، والبدء أولاً وقبل كل شيء بإنهاء حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، ورفع شعار سياسي ناظم لا يقف عند مطلب فك الحصار عن غزة، وإن كان من الأهمية بمكان البدء به والتركيز عليه، بل يصل إلى المطالبة بتوفير حماية دولية مؤقتة للشعب الفلسطيني، عبر الدعوة لوضع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تحت إشراف الأمم المتحدة المؤقت كمرحلة انتقالية لتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه.
فإذا كانت إسرائيل تخشى التضامن حد ارتكاب أكبر الجرائم، فإن مدخل الضغط الحقيقي عليها، يكون بامتلاك إرادة سياسية عربية وفلسطينية، تطالب بالمزيد من الضغط الدولي، إنما خارج التعامل مع الإدارة الأمريكية كراع محايد ونزيه، ودون ذلك ستفلت الحكومة الإسرائيلية من عواقب جريمتها، كما فلتت من كافة جرائمها السابقة.
2010-06-04