ارشيف من :ترجمات ودراسات
حجم استعدادات الجبهة الداخلية الإسرائيلية للحرب القادمة على مختلف الجبهات
المصدر: موقع باحث للدراسات (مع تصرف بسيط)
بطاقة التعريف بالترجمة:
العنوان الأصلي: الجبهة الداخلية الإسرائيلية وحجم استعداداتها للحرب القادمة على مختلف الجبهات.
جهة الإصدار: موقع ويللا الإخباري، باللغة العبرية.
تاريخ الإصدار: 12 أيار/ مايو 2010.
عدد الصفحات: 13 صفحة.
جهة إصدار الترجمة: مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية.
تاريخ إصدار الترجمة: 18 أيار/ مايو 2010.
1. تقديم عن استعدادات الجبهة الداخلية:
تمتلك وزارة الدفاع الإسرائيلية وقيادة الجبهة الداخلية عدداً من السيناريوهات الأمنية التي تعتبر تهديداً حقيقياً لإسرائيل، وبالذات على الجبهة الداخلية ومرافقها العامة. وقد قامت الجهات المختصة في الدولة بعدد من التدريبات والمناورات لمحاكاة مثل هذه التهديدات، بما فيها مشاركة قوات الجيش الإسرائيلي، قوات الإطفاء والإنقاذ، وأجهزة الأمن، لكن السؤال الأصعب الذي بقي من غير إجابة حتى كتابة هذه السطور، هو: متى تنطلق صفارة بداية الهجوم على إسرائيل، الذي سيبدأ فور الضربة الإسرائيلية المتوقعة على إيران؟
التوقعات في إسرائيل تشير إلى أن الهجوم الذي سيستهدفها يتعلق بهجمات صاروخية معقدة، تمس بالدرجة الأولى الجبهة الداخلية، بما فيها مواقع إستراتيجية، قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي، في ظل امتلاك إيران لقدرات صاروخية بعيدة المدى، لا تغطي كافة أرجاء إسرائيل فحسب، وإنما تصل إلى نقاط معينة في القارة الأوروبية.
مدخل
مع إقامة الدولة، وضع "دافيد بن غوريون" القاعدة التالية: "كل الشعب جيش، كل البلاد جبهة"، وحتى عام 1967، لم يولى أي اهتمام خاص لتحضير الجبهة الداخلية، ولم يتم تجهيز وحداتها، ولا تنظيمها استعداداً لاحتمال نشوب حرب تلحق أضراراً. وخلال حرب الأيام الستة، 1967، تم قصف مدينة القدس لعدة ساعات، وقصفت طائرة عراقية مدينة نتانيا، وأصابت قذائف وقنابل مدينة كفار سابا وضواحي تل أبيب، وأدت هذه الأحداث إلى تغيير التوجه في تنظيم منظومة الجبهة الداخلية.
اتضح بعد مضي ست سنوات، خلال حرب 1973، أن هناك حاجة لإرشاد السكان حول كيفية الاستعداد والتصرف في حالات الطوارئ، وأدركت إسرائيل أن قوى الإنقاذ لن تتمكن، في حالات معنية، من الوصول الفوري إلى مكان الحدث، ولذلك يتوجب على كل فرد وعائلة أن يكونوا مستعدين للبدء فوراً بأعمال الإنقاذ.
وعشية نشوب حرب الخليج، كانون ثاني 1991، تعزز الإدراك بأن الداخل هو جبهة أيضاً، تشكل جزءا لا يتجزأ من القتال، وبعد مرور عام واحد، ومع الانتهاء من استخلاص العبر من الحرب، أقيمت قيادة الجبهة الداخلية، وترأسها مساعد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال "زئيف ليفني".
يمكن القول أن منظومة الجبهة الداخلية تستند إلى القدرة المدنية الكامنة، وتستمد منها كل ما تحتاجه لتنفيذ عمليات الإنقاذ، الموارد البشرية، المعدات والسيارات، وتعمل بالتعاون مع المدنيين ومؤسساتهم، كالشرطة وسائر قوى الأمن، للتغلب على الحدث، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي السنوات التي تلت 1973، قرر الجيش الإسرائيلي تقوية بلدات "الدفاع الإقليمي"، خاصة المنتشرة على امتداد خط المواجهة. وتحولت هذه البلدات، بفضل الجهود المبذولة، إلى مجالات محصّنة فيها سلاح متطور، يتيح استعداداً ودخولاً فورياً في حرب. وفي حال حدوث هجوم مفاجئ، تُشكل القوة الرئيسة الكابحة للعدو المهاجم في الخطوط الأمامية، ولذلك تم توصيفها بما يلي: "بلدات الدفاع الإقليمي وسكانها هم بمثابة جيش دائم يهدف إلى حماية حدود الدولة".
2. سيناريوهات تتدرّب عليها الجبهة الداخلية:
الخطوات الوقائية
عام 1988، أجري أول تمرين وقائي في المؤسسات التربوية، حيث قام الطلاب بالتدرب على التوجه للملاجئ، وارتداء العدة الواقية، ومن حينها يتم إجراء مثل هذا التمرين مرة في السنة في جميع المؤسسات التربوية في إسرائيل، وفي عام 1992 تم تأسيس قيادة الجبهة الداخلية لتكون القيادة الرابعة في الجيش الإسرائيلي.
وجرت العادة بأن يتخذ الجيش الإسرائيلي، عددا من الخطوات المتعلقة بالجبهة الداخلية:
1. توزيع العُدد الواقية الشخصية لكل سكان إسرائيل، بهدف الاحتماء من الأسلحة غير التقليدية.
2. استخدام واسع النطاق لوسائل الإعلام بهدف التوضيح والإرشاد حول كيفية استخدام الكمامة والتصرف في حال سماع صفارة إنذار.
3. نشر توجيهات التصرف لتجهيز الغرفة الآمنة والمحمية في كل بيت وفي الأماكن العامة والامتناع عن التجمهر.
4. التعاون بين الهيئات الطبية وهيئات الإنقاذ في الجبهة الداخلية.
وتقسم قيادات الجبهة الداخلية إلى ألوية على الشكل التالي:
أ- الجبهة الشمالية: التابعة للواء الشمال وتضم مناطق الجليل، الطور وحيفا.
ب- الجبهة المركزية: التابعة للواء المركز، وتضم مناطق الشارون، الأيالون، دان، القدس ولخيش.
ت- الجبهة الجنوبية: التابعة للواء الجنوب، وتضم بئر السبع وإيلات وقطاع غزة.
تهديد القذائف المتوفرة
تحوز المنظمات المعادية لإسرائيل على عدد من الأسلحة التي تحمل طابعاً تهديدياً للدولة، لاسيما القذائف الصاروخية، وهي على النحو التالي:
أ- قذائف ذات قطر 107 ملم و122 ملم، تصل إلى مسافة 20 كم.
ب- قذائف بعيدة المدى من نوع فجر3 ، وتصل إلى مسافة 43 كم.
ت- قذائف فجر 5 ، وتصل إلى مسافة 75 كم.
ث- قذائف سورية 220 ملم، تصل إلى مسافة 70 كم.
ج- قذائف بعيدة المدى من نوع "زلزال" مصنعة في إيران، وتصل مسافة تبلغ 200 كم. وقد تم استخدام هذه القذائف، باستثناء فجر5 والقذائف طويلة المدى من نوع زلزال.
شكل توضيحي يحدد مديات وأبعاد صواريخ حزب الله
ح- قذيفة الهاون كسلاح للعصابات، وتمتاز بسهولة تفعيلها، مما يجعل قذيفة الهاون سلاحاً واسع الانتشار في حرب العصابات، حيث استخدمها حزب الله من عيار 82 ملليمتراً ضد الجيش الإسرائيلي في لبنان في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب المسلحون الفلسطينيون الذين استخدموها ضد أهداف ثابتة للجيش والبلدات الإسرائيلية.
خ- قذيفة القسام هي صاروخ حديدي ذو مقاييس صغيرة وكمية أقل نسبياً من المواد المتفجرة، يمكن لها أن تلحق الضرر بالمباني والأشخاص غير المتواجدين في مكان محمي، وهي قذيفة أرض-أرض بدائية تحمل رأساً تقليدياً فقط.
لمواجهة هذه القذائف الصاروخية،تقوم الجبهة الداخلية بتفعيل جهاز إنذار في البلدات الواقعة تحت التهديد، ما يوفر وقت إنذار بمعدل 20-30 ثانية قبل السقوط، متصل أوتوماتيكياً بمكبرات صوت تسمع الكود "لون أحمر".
شكل توضيحي يحدد أبعاد ومديات صواريخ المقاومة من قطاع غزة
سيناريوهات متوقعة
من الأمثلة التي تتردد في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بكثيرة هذه الأيام: ان أي ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، سيجعل إيران تستهدف بصواريخها بالدرجة الأولى مناطق وسط إسرائيل، التي تعتبر هدفاً استراتيجياً لدى الدول والجهات المعادية حول إسرائيل.
وفي مثل هذه الحالة، ستلجأ إيران لدفع سوريا، حزب الله، وحماس، لمهاجمة إسرائيل، وهو السيناريو الأقرب الذي يتدرب عليه الجيش الإسرائيلي.
ويبدو المفاعل النووي الإسرائيلي في منطقة "ديمونا" الهدف الأكثر ترجيحاً للاستهداف، وقواعد سلاح الجو الإسرائيلي في جميع المناطق، بما فيها قاعدة "رامات ديفيد" في الشمال، وقاعدة "حتساريم" في الجنوب، وقاعدة "الكاريا" في تل أبيب في الوسط.
وبالرغم من امتلاك إسرائيل لأجهزة تقنية مضادة للصواريخ، مثل منظومة "حيتس" المتطورة، إلا أن التوقعات منها غير متفائلة كثيراً وفق ما صرح به مؤخراً ضابط كبير في قيادة الجيش الإسرائيلي.
ألعاب حربية
انشغلت عدد من مراكز الأبحاث الإستراتيجية على مستوى العالم برسم سيناريوهات متوقعة، وأداء "ألعاب حربية" فيما بينها، لمحاولة الخروج بتقدير موقف أمني عسكري يحاكي ما قد يقع بين إسرائيل وإيران.
أحد أهم هذه الألعاب الحربية، قام بها مركز "سابان لأبحاث وسياسات الشرق الأوسط في واشنطن" ورفعت توصياته إلى مسئولين بارزين في الإدارة الأمريكية.
السيناريو الافتراضي يشير إلى أن المنطقة ستدخل في حرب طاحنة، من خلال إيعاز إيران لحلفائها في سوريا وحزب الله وحماس بالانضمام إلى مهاجمة إسرائيل بالقذائف الصاروخية.
يواصل التقدير: الهجمات الإيرانية ستسبي في أضرار إسرائيلية محدودة، لكن حزب الله في المقابل سيطلق مائة صاروخ على مدينتي تل أبيب وحيفا، ويعمل على شل الاقتصاد الإسرائيلي، وثلث سكان إسرائيل سيمكثون في الملاجئ، ومئات الآلاف سيفرون من المدن المستهدفة، وبعد مرور 48 ساعة على اندلاع الحرب، تقوم إسرائيل بمهاجمة لبنان لمنع تواصل إطلاق الصواريخ على أراضيها.
الباحثون في المركز يصلون إلى خلاصة مفادها أن الحرب ستستدرج حتماً على صفوفها كلاً من: الولايات المتحدة، السعودية، دول الخليج، وتنتهي الحرب في غضون 8 أيام!
صليات صاروخية مؤذية
على صعيد آخر، فإن هناك في إسرائيل من يعتقدون بخلاف هذا السيناريو الأمريكي، ومنهم الدكتور "موشيه فيرد" الباحث في شؤون الأمن، الذي نشر دراسة قبل عدة أشهر وأصدرها مركز بيغين- السادات في جامعة بار إيلان، جاء فيها: أن إيران لن تهاجم إسرائيل إذا ما ضربت الأخيرة منشآتها النووية، وإنما ستظهر نفسها على أنها ضحية الهجوم الإسرائيلي، وتنشط في الساحة الدبلوماسية.
في المقابل، سيقوم كل من حزب الله وحماس، الآخذان في التعاظم العسكري بقدرات إيرانية، باستهداف إسرائيل بصليات صاروخية مؤذية لإسرائيل، وستلحق أضرار جسيمة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية ليس بسبب الصواريخ القادمة من الشمال والجنوب فحسب، وإنما قد نشهد من جديد تنفيذ عمليات انتحارية منطلقة هذه المرة من الضفة الغربية!
لاحقاً، تشير الدراسة الإسرائيلية، ستقوم إيران بتنفيذ هجمات صاروخية شديدة القسوة على مراكز التجمعات السكانية الإسرائيلية، وهو ما سيجعل هذه الحرب تمتد ليس فقط لعدة أشهر، وإنما سنوات طويلة!!
3. تدريبات ومناورات:
يبدو أن الرجل الأول في إسرائيل المسؤول عن سلامة واستعداد الجبهة الداخلية هو نائب وزير الدفاع "ماتان فلنائي" الذي يشرف بنفسه منذ أشهر عديدة على سلسلة مناورات وتدريبات ومشاورات حول ساعات الطوارئ المتوقعة، لاسيما في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع أي من الأطراف المتوقعة: إيران، سوريا، حزب الله، حماس.
يرى "فلنائي" أن وضع الجبهة الداخلية الإسرائيلية في أحسن حال أفضل من أي وقت مضى، كما أن حجم التهديدات المحيطة بإسرائيل لم تكن بمثل هذه الخطورة في أي وقت مضى أيضاً! "فلنائي" يعرب عن ثقته بمدى استعداد الجهات ذات الاختصاص في الجبهة الداخلية ومنها: الشرطة، نجمة داوود الحمراء، السلطات المحلية.
ومنذ الفشل الذي لحق بإسرائيل في حرب لبنان الثانية عام 2006، لم يمر أي تجمع سكاني في إسرائيل إلا وأجرى مناورات واستعدادات لمثل تلك الحالات الحرجة. وخلال الشهر الحالي سيجري في إسرائيل التدريب الأوسع الرابع من نوعه في إسرائيل، وقد أنهت القوات استعداداتها الكاملة، بالتنسيق مع سلطة الطوارئ الوطنية "راحل"، وستعرف الجهات المشاركة مناطق تدريباتهم، ورؤساء السلطات المحلية يدركون جيداً ما هو المطلوب منهم، وسيتوقفون عن الحديث في السياسة، مقابل الانتباه لشؤون سكانهم!
لن نغادر المدينة
يقول فلنائي عبارة يكررها في جميع لقاءاته في مختلف أنحاء المدن الإسرائيلية على الشكل التالي: السيناريو الأكثر توقعاً بالنسبة لنا أن يتم استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمئات القذائف الصاروخية في آن واحد!
حزب الله اليوم يعرف جيدا كيف يستهدف مدينة بئر السبع في الجنوب، دون الحاجة للتأكد من وصول صواريخ "سكاد" إلى مخازنه، وحماس من جهتها لديها القدرة العملياتية على الوصول بصواريخها إلى مدينة تل أبيب في الوسط، وأجزاء أخرى من منطقة "غوش دان"!
السوريون أيضاً، يضيف "فلنائي"، لديهم القدرة، لكن السؤال يبقى حول نواياهم فعلاً! الإيرانيون بالتأكيد يمتلكون صواريخ بعيدة المدى، ونواياهم واضحة تماماً، وبالتالي فإن أي إسرائيلي يريد مغادرة مدينته المستهدفة، سيذهب إلى مدينة أخرى لن تكون بمنأى عن صواريخ أخرى!!
وبالرغم من كابوسية هذا السيناريو، إلا أن "فلنائي" يبدو متأكداً، ويتبدى ذلك من خلال قوله: اليوم نحن موجودون في وضع يجعل من أي مواجهة عسكرية قادمة أن تشمل كل أنحاء الجبهة الداخلية، بمئات الصواريخ، ونحن مستعدون لذلك، وهناك توزيع للمهام بين جميع جهات الاختصاص.
الأكثر من ذلك، يضيف "فلنائي" أن الحرب القادمة ستشهد انتقالاً وهجرة بالآلاف للسكان من مدينة لأخرى، بحثاً عن الأمان.
جبهة الشمال
آلاف القذائف الصاروخية من طراز كاتيوشا التي سقطت على مدينة كريات شمونة وجوارها خلال حرب لبنان الثانية، جعلت من حقيقة ان الجبهة الداخلية جزء أساسي من الحرب، أمراً واقعاً لا شك فيه.
ومنذ انتهاء تلك الحرب، تم ترميم 187 ملجأ، إلا أن الإقامة فيها في حال اندلاع حرب لن تكون مريحة، لأن 100 منها فقط مكيفة، رغم أننا أنفقنا منذ نهاية الحرب ما مقداره 12 مليون شيكل لأعمال الترميم، أي 4 مليون دولار، كما أن الإقامة تحت الأرض فترة طويلة من الزمن أمرا غير عملي، قد يجدي هذا في التدريبات والمناورات، لكن على أرض الواقع سيكون الأمر صعباً جداً.
وأحد التجمعات السكانية الأكثر خبرة في مجال الصواريخ والحروب هي "كريات شمونة"، التي تلقت خلال 32 عاماً ما يزيد عن 4 آلاف قذيفة صاروخية.
جبهة الجنوب
القذيفة الصاروخية من طراز غراد التي سقطت على مدينة عسقلان في شهر مايو 2008، قبل سبعة أشهر فقط من اندلاع حرب الرصاص المسكوب على غزة، أشارت بصورة واضحة إلى أن المدينة أصبحت فعلاً تحت مرمى الصواريخ والتهديد، 70 إسرائيلياً أصيبوا بفعل هذه القذيفة، معظمهم إصابات بالهلع والخوف. وخلال الحرب على غزة عرفت جميع المدن الجنوبية حجم التهديد والتحدي الذي سيواجهها في مواجهة قادمة مع حماس في غزة، خاصة مدن: أسدود، بئر السبع، نتيفوت، المجدل، سديروت.
مصدر أمني في قيادة المنطقة الجنوبية أوضح قائلاً: تخوف سكان المدن الجنوبية ليس نابعاً من صواريخ القسام، او قذائف غراد المطورة، وإنما من صواريخ بعيدة المدى التي قد تكون حصلت عليها حماس!
أحد الفرضيات التي تعمل وفقها قيادة الجبهة الداخلية هي وضع 500 شخص في ساحة كبيرة تحت الأرض، وبالفعل فقد بدأت مدينة أسدود بهذا العمل ولديها الآن ما يقرب من 220 مكاناً لهذا الغرض، وهناك 20 ألف إسرائيلي يمكن ان نوزعهم فيها.
على صعيد آخر، فإن الحال في المدن الصغيرة يبدو مختلفا جدا، فإن مدينة "كريات ملاخي" مثلا يوجد فيها 420 ملجأً عاماً.
استنفارات ساخنة
في سياق متصل، جرت في الآونة الأخيرة تدريبات ومناورات تتعلق بمدى استعداد السلطات المحلية والمستشفيات على مواجهة سيناريو خطير يتمثل باستقبال آلاف المصابين، وهو ما قامت به مستشفى "سوروكا" في بئر السبع، حيث تهيأت لسيناريو ستمثل بسقوط صاروخ يحمل رأساً متفجراً في ساحة المستشفى.
كما تبدأ قيادة الجبهة الداخلية بإرسال إرشادات لكل بيت في إسرائيل بشأن الاستعداد لهجوم صاروخي، في إطار حملة واسعة يخطط لها.
وتهدف الحملة إلى رفع مستوى وعي الجمهور الواسع بالنسبة لطرق مواجهة التهديدات الصاروخية، مثلما حصل في الحرب الأخيرة على لبنان، وكذلك في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وتؤكد هذه الإرشادات على التعليمات بشأن اختيار الحيز الآمن في داخل البيت.
4. استنتاجات التقييم الميداني للجبهة الداخلية:
من خلال الواقع الذي عاشته الجبهة الداخلية خلال عملية الرصاص المسكوب، يمكن إعطاء تقييم عام لأداء قيادتها بأنه كان جيدا، ونستطيع أن نميز بالذات جهتين برزتا بشكل واضح خلال المواجهة الأخيرة، بعكس ما كان عليه الوضع في صيف 2006، هما: قيادة الجبهة الداخلية، والمجالس المحلية والبلدية.
بصورة عامة، تمكنت قيادة الجبهة الداخلية من استخلاص الدروس، والتوصيات، والعبر، التي تم استنتاجها من مواجهات الماضي، من خلال نشر العديد من الأجهزة الخاصة بترقب ورصد القذائف الصاروخية التي تسقط على المناطق الجنوبية، باستثناء بعض الأخطاء المنعزلة هنا وهناك.
"مائير ألران"، الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي يحاول وضع تقييم ميداني لأداء الجبهة الداخلية في حرب لبنان وغزة بقوله: كان للتواصل شبه اللحظي مع المجالس البلدية والمحلية، من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي أعدت خصيصا لذلك، أثر جيد على العمل، فضلا عن التواصل الدائم والتنسيق المشترك مع الوزارات الحكومية والمؤسسات الرسمية.
وسائل التثقيف والتوعية الخاصة بالجمهور كانت مفيدة لدرجة فائقة، ووفرت الحد الأقصى من التعرف على القذائف الصاروخية، وكيفية الوقاية منها، أكثر من ذلك، فقد أخذت قيادة الجبهة الداخلية مسئولية العناية بكل ما يتعلق بها من تبعات ومعالجات ميدانية.
وبالتالي نستطيع استخلاص رسالة هامة في هذا العمل، لكنها معقدة أيضاً:
- فمن جهة، أثبت الجيش الإسرائيلي قدرته على التجند والعمل بكامل طاقته التنظيمية، وقدرته التأهيلية، على القيام بمهام قد تصنف على أنها مدنية، وبتقدير عال جدا، وهذه نقطة إيجابية،
- ومن جهة أخرى، يطرح التساؤل نفسه بقوة: بأي مستوى يمكن السماح في ظل دولة ديمقراطية أن يأخذ المستوى العسكري على نفسه مسئولية القيام بمهام مدنية وفق كل التصنيفات؟
مثال على ذلك تجلى في القيام بإغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية في مناطق الجنوب، حسب تعليمات قيادة الجبهة الداخلية، ووفق المشاورات التي أجرتها مع وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلية، لكنها في الأساس جاءت في أعقاب توصيات المستوى العسكري.
الرسالة التي يجب أن تصل بهذه القضية واضحة جداً: في مواجهة سلة التهديدات والتحديات الحالية التي ستواجه الجبهة الداخلية، وتلك التي ستمثل أمامها في المستقبل القادم، هناك حاجة ملحة وحثيثة للاستمرار في بناء وإعداد قدرة الجبهة الداخلية، ووسائل الحماية والدفاع الخاصة بها. لأن هناك تخوفاً قائماً لدى بعض الأوساط من أن النجاحات التي حققتها الجبهة الداخلية في المواجهة الحالية، ستجعل صناع القرار في هذا المجال في حالة "غض طرف" عن أي تطوير لهذه الجبهة إذا ما نشبت أي مواجهة محتملة في المستقبل. هذا التخوف منبعه عدم جسر الفجوة القائمة بين الواقع القائم والتهديد المحتمل، وبالتالي يبرز في هذه المهمة الدور المفصلي المناط بسلطة الطوارئ الوطنية.
هنا من الممكن أن نخضع للاختبار قدرة الجمهور العادي على التكيف مع أي حالة مواجهة عسكرية، والحديث يدور عن ظاهرة اجتماعية سياسية في آن واحد معا، وتلمس ردة فعله على تلك المواجهة، بعيدا عن الدخول في تفاصيل لا تعنينا في هذا النقاش الاستراتيجي.
المهم هو مدى قدرتنا في جعل الجمهور يعود بسرعة إلى ممارسة حياته الطبيعية، والتخلص من حالة القلق والخوف التي انتابته خلال تلك المواجهة، وهنا يمكن أن نقول أنه جمهور ناجح وقوي ومحصن، والعكس صحيح. وحسب هذا التقدير، بالإمكان الزعم أن الجمهور الإسرائيلي كله، بما فيه الذي يقطن في مناطق الجنوب، وفي مدى صواريخ حركة حماس، لم يحيا حياة ملؤها الخوف الذي يصل حد الرعب خلال عملية الرصاص المسكوب، باستثناء أولئك الذين خاب حظهم، وسقطوا ضحية هذه الصواريخ بين قتيل وجريح. لأنه ببساطة طوال الحرب التي استمرت 22 يوما، وحجم الضربات الصاروخية التي تعرضت لها المناطق الجنوبية، لم تنشئ وضعا ميدانيا يشير إلى حالة رعب حقيقية عاشها السكان، بخلاف ما حصل تماما خلال حرب لبنان الثانية شمال البلاد، وليس كما حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصويره.
جدول: المدن الإسرائيلية الكبيرة المعرضة لإطلاق الصواريخ
اسم المدينة عدد السكان
أسدود 208,900
بئر السبع 186,800
عسقـلان 110,000
كريات غـات 47,900
راهـط 43,300
يافنيــه 32,300
نتيفوت 26,100
أوفاكيم 24,700
كريات مالأخي 19,700
سديروت 19,400
هذا الاستنتاج لا يلغي إطلاقا الانطباعات التي تولدت عن حالة ضيق وأزمة في مستويات ومجالات مختلفة عاشها الجمهور في تلك المناطق، لكن حجم المصابين والأضرار، التي أخذت بالانخفاض منذ الأسبوع الثاني للحرب، أشارت إلى أداء ناجح وسلوك موفق، وما عبر عنه السكان من تقدير لما يقوم به الجيش الإسرائيلي في هذه المواجهة.
كل ما تقدم يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى غياب حالة الصدمة والرعب عن الجمهور الإسرائيلي، وكيفية تعامله مع تلك الظروف. فقد تنامى التكيف، وعاد الناس بصورة أو بأخرى لحياتهم الطبيعية، ولو بصورة نسبية، وفي كل المجالات تقريبا، باستثناء المجال الأهم المتمثل بالمؤسسات التعليمية، تمكن الناس من التأقلم مع المستجدات الميدانية. وربما ما ميز الجمهور الإسرائيلي خلال هذه المواجهة الموقف الإجماعي الداعم بصورة جارفة، للأداء السياسي والعسكري الذي انتهجته الدولة خلال مختلف مراحل العملية، الأمر الذي يشير إلى نجاح الجمهور في هذا الاختبار القاسي والصعب، مما يعطيه القدرة على التعايش والتأقلم مع مواجهات مستقبلية، ربما تكون أكثر اتساعا وأطول زمنا.
الاستنتاج والخلاصة الأكثر أهمية من كل ما سبق هي: كل استعداد وتأهب من قبل الجبهة الداخلية، وتسخير ذلك لخدمة المستوى العسكري وقراراته، المدنية والتطوعية المتعلقة بهذا الشأن، تثبت نفسها في وقت الاختبار، وهو ما تم فعلا خلال المواجهة الأخيرة.
وفي مواجهة التهديدات المستقبلية العالية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والمخاطر الإستراتيجية الكامنة فيها، هناك حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، للاعتناء بكل مركبات تلك المسألة، وهي:
1- تقوية الصورة الردعية لإسرائيل، وقدرتها على منع تحقق التهديدات ضدها،
2- إحباط وتدمير القدرات الصاروخية للقوى المعادية،
3- تطوير القدرات الدفاعية المحلية،
4- الأهم هو الاعتناء بالمسألة التكتيكية والمحلية، وتوفير الحد الأقصى لوسائلها الدفاعية،
5- منح الجبهة الداخلية القدرة على التكيف مع ظروف التهديدات، بما فيها المؤسسات التعليمية، التي بدت كنقطة ضعف للدولة،
6- تحسين الأداء الخاص بالعاملين الاجتماعيين المكلفين بالاعتناء بالمصابين،
7- منح أولوية فائقة للسلطات المحلية.
من المهم أيضا الاستمرار في بناء الجهود الداخلية التي بدأت في أعقاب حرب لبنان الثانية، وحرب الرصاص المسكوب، وبالتالي إعداد وتنفيذ خطة وطنية شاملة وعامة، يتم تحديثها بصورة سنوية تلقائيا، ويجري العمل على إدراجها ضمن جهود الدولة الهامة.