ارشيف من :خاص
بين حزيران النكسة والاجتياح وحزيران اليوم...المقاومة كسرت المعادلات
أحمد شعيتو
قد تتشابه التواريخ وتعيد الأشهر والأيام نفسها من حيث الأسماء والتواريخ وقد يعيد التاريخ نفسه من حيث الأحداث.. لكن عندما ننظر الى تاريخي 5 حزيران/يونيو 1967 و6 حزيران/يونيو 1982 نرى أنهما متشابهان في بعض الدلالات لناحية القوة وميزان الهزيمة والانتصار والانجاز العسكري والتأثير البسيكولوجي على الارادة الوطنية وما يرتبط بهما من أبعاد وطنية مختلفة. لكن هذين التاريخين الذين يمكن القول نسبياً بأنهما أرخا لبداية حقبة وانتهائها أريد منها تكريس وهم انكسار الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن تاريخ اجتياح لبنان لن يعيد نفسه على الأقل بالنسبة الى لبنان وأي بلد فيه مقاومة .. في ذكرى الاجتياح الإسرائيلي لثاني عاصمة عربية وبعد ثمانية وعشرين عاماً يبدو لبنان أكثر قوة وعزماً بعدما تمكّن من اسقاط هذا العدوان ومحو آثاره وتداعياته في الخامس والعشرين من أيار/مايو عام الفين، وكرّس مقاوموه معادلات جديدة في تموز وأب عام ألفين وستة وما زالت هذه المعادلات تكبر وتتوسع، مؤكدة أن زمن الهزائم قد ولى إلى غير رجعة.
عندما يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد انتصار تموز عام ألفين وستة هذه المقولة ويؤكد أنه جاء زمن الانتصارات، فهو يشير إلى أن وهم عصر الانكسار العربي تجاوزته المقاومة وانقلبت الأدوار مع انتصار مقاومة عربية أمام الجيش الصهيوني.
في حرب عام سبعة وستين أو حرب الأيام الستة التي شاركت فيها مصر وسوريا والأردن وبمساعدة لوجستية من لبنان والعراق والجزائر والسعودية والكويت، كانت الغلبة لـ"إسرائيل" واحتلت قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان، ووقعت الجيوش العربية تحت وطأة حالة الشعور بالضعف وعدم القدرة على تحقيق الانجازات..
تلك الحرب بدأت في الخامس من حزيران بهجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، ودمرت عشرات الطائرات الحربية على أرض المطارات وانتهت الصورة على مشهد الهزيمة.
وفي اجتياح لبنان عام 1982، وفي السادس من حزيران منه أنطلقت الآلة العسكرية الإسرائيلية لتغزو بيروت لاسقاط منظمة التحرير الفلسطينية عقب محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة "شلومو أرجوف". احتل الجنوب اللبناني وتوسع الاحتلال شمالاً بعد مواجهات غير متكافئة مع منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة وبعض التنظيمات الإسلامية الناشئة، وضربت القوات الغازية حصاراً على العاصمة اللبنانية وعلى القوات السورية وتمكنت من اخراج منظمة التحرير من لبنان.
... وكسرت المعادلات
أريد من هزيمة الـ67 أن يكون لها وقع سلبي على معنويات الجيوش والشعوب العربية لتوظيفها لاحقاً في مشاريع الأنظمة التسووية مع كيان الاحتلال، وجاءت حرب تشرين عام ثلاثة وسبعين لتعيد شيئاً من الكرامة. لكن الولايات والتحدة وحليفتها "اسرائيل" استمرا في محاولات توهين إرادة الشعوب، وكان اجتياح لبنان محاولة اعادة تثبيت المعادلة النفسية لصالح الكيان الإسرائيلي وتكريس نهج الاستسلام أمام جبروت القوة ، لكن المقاومة أعادت خلط الأوراق في لبنان والمنطقة بجهادها وصمودها خلال عشرين عاماً من الاحتلال.
الحروب الخاطفة والسريعة ونقل المعركة إلى أرض الطرف الأخر وإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في الطرف الأخر، ركائز أساسية اعتمدها الكيان الإسرائيلي لكسب حروبه، لكنها في الحروب اللاحقة لم تعد ممكنة. بعد حرب ثلاثة وسبعين لم تعد الحروب مع الجيوش العربية مجتمعة، واقتصرت الحروب مع لبنان وحده لكن سرعة الحسم تلاشت... في اجتياح بيروت قرابة ثلاثة أشهر، في عدوان تموز اثنين وتسعين، ثمانية أيام، وستة عشر يوماً في عدوان نيسان ستة وتسعين، وثلاثة وثلاثين يوماً في عدوان تموز ألفين وستة!
ويشير إلى هذا المنحى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في دراسة تقويمية وضعها الباحث والخبير العسكري "جيفري وايت" حول حرب تموز فيقول إن "حزب الله يؤدي دوره بشكل جيد جداً، حيث احتاج الجيش الإسرائيلي إلى أربعة أسابيع كي يغرق في وحول قرى صغيرة في جنوب لبنان، بينما احتاج إلى سبعة أيام للوصول إلى مشارف بيروت خلال اجتياح العام 1982!
انقلبت الصورة هنا، وباتت الشعوب العربية وحتى جيوشها تعيش عصراً آخر، إذ لم تعد الحرب كما في السابق محسومة سلفاً لصالح الكيان الإسرائيلي، بالرغم من احتفاظه بكل مقومات التفوق الجوي والبحري والبري عسكرياً والدعم غير المحدود من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
ما جرى عام اثنين وثمانين 1982 ومقولة أن فرقة موسيقية في الجيش الإسرائيلي تستطيع غزو لبنان ذهبت إلى غير رجعة، وها هو الجيش الإسرائيلي يلقي بكل ثقله في تموز ألفين وستة لاختراق الأراضي اللبنانية وبقي غارقاً أياماً طويلة عند تخوم مارون الراس المحاذية للأراضي الفلسطينية المحتلة يتكبد الخسائر في الجنود والدبابات.
تجربة المقاومة في لبنان وانتصاراتها المتلاحقة على الكيان الإسرائيلي أثبت العديد من الوقائع وكرست مفاهيم مغايرة للتفوق والقدرة والامكانيات عمّا كانت عليه في حقبة الانكسار أمام قوة "اسرائيل" ويمكن ايجازها بالاتي:
ـ طي ثقافة الانكسار والهزيمة والاستسلام التي روّج وعمل على ترسيخها الاعلام العربي والعالمي وانقلاب الصورة للجندي الإسرائيلي حيث بات مهزوماً محبطاً في مواجهة المقاومين سواء في لبنان أو فلسطين، وطاغياً في مواجهة الأطفال والمدنيين العزل.
ـ إرادة القتال هي الركيزة الأساسية للانتصار على الرغم من عدم التوازن في القدرات والامكانيات العسكرية والمادية.
ـ عجز الاحتلال عن مواجهة التكتيكات العملياتية ميدانياً برغم تفوقه التقني والاستخباراتي امام مجموعات المقاومين الذين تمرسوا في التمويه والمناورة وسرعة الحركة والقدرة الدائمة على امتلاك زمام المبادرة والضرب حيث لا يتوقع العدو، واستلهام المقاومين في فلسطين وغيرها للتجربة اللبنانية .
ـ تطوير قدرات المقاومة وتسليحها وترسيخ معادلات البر والبحر، والمطار بالمطار، والحصار بالحصار، وكلها معادلات تتسم بالندية أو ما يصطلح عليه الخبراء العسكريون بتوازن الرعب الذي له وظيفة أساسية هي منع وقوع الحرب.
التاريخ هنا يتغير، ومن كان يستند على وقائع مضت لتكريس الهزيمة والشعور بالاحباط في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بات أمامه الكثير الكثير من الوقائع التاريخية التي تؤكد أن الشعوب الحيّة والحرة لا تنسى الهزيمة أبداً، ولا تبقى أسيرة لها بل تجعل منها دافعاً لانتصار جديد.
قد تتشابه التواريخ وتعيد الأشهر والأيام نفسها من حيث الأسماء والتواريخ وقد يعيد التاريخ نفسه من حيث الأحداث.. لكن عندما ننظر الى تاريخي 5 حزيران/يونيو 1967 و6 حزيران/يونيو 1982 نرى أنهما متشابهان في بعض الدلالات لناحية القوة وميزان الهزيمة والانتصار والانجاز العسكري والتأثير البسيكولوجي على الارادة الوطنية وما يرتبط بهما من أبعاد وطنية مختلفة. لكن هذين التاريخين الذين يمكن القول نسبياً بأنهما أرخا لبداية حقبة وانتهائها أريد منها تكريس وهم انكسار الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن تاريخ اجتياح لبنان لن يعيد نفسه على الأقل بالنسبة الى لبنان وأي بلد فيه مقاومة .. في ذكرى الاجتياح الإسرائيلي لثاني عاصمة عربية وبعد ثمانية وعشرين عاماً يبدو لبنان أكثر قوة وعزماً بعدما تمكّن من اسقاط هذا العدوان ومحو آثاره وتداعياته في الخامس والعشرين من أيار/مايو عام الفين، وكرّس مقاوموه معادلات جديدة في تموز وأب عام ألفين وستة وما زالت هذه المعادلات تكبر وتتوسع، مؤكدة أن زمن الهزائم قد ولى إلى غير رجعة.
عندما يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد انتصار تموز عام ألفين وستة هذه المقولة ويؤكد أنه جاء زمن الانتصارات، فهو يشير إلى أن وهم عصر الانكسار العربي تجاوزته المقاومة وانقلبت الأدوار مع انتصار مقاومة عربية أمام الجيش الصهيوني.
في حرب عام سبعة وستين أو حرب الأيام الستة التي شاركت فيها مصر وسوريا والأردن وبمساعدة لوجستية من لبنان والعراق والجزائر والسعودية والكويت، كانت الغلبة لـ"إسرائيل" واحتلت قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان، ووقعت الجيوش العربية تحت وطأة حالة الشعور بالضعف وعدم القدرة على تحقيق الانجازات..
تلك الحرب بدأت في الخامس من حزيران بهجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، ودمرت عشرات الطائرات الحربية على أرض المطارات وانتهت الصورة على مشهد الهزيمة.
وفي اجتياح لبنان عام 1982، وفي السادس من حزيران منه أنطلقت الآلة العسكرية الإسرائيلية لتغزو بيروت لاسقاط منظمة التحرير الفلسطينية عقب محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة "شلومو أرجوف". احتل الجنوب اللبناني وتوسع الاحتلال شمالاً بعد مواجهات غير متكافئة مع منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة وبعض التنظيمات الإسلامية الناشئة، وضربت القوات الغازية حصاراً على العاصمة اللبنانية وعلى القوات السورية وتمكنت من اخراج منظمة التحرير من لبنان.
... وكسرت المعادلات
أريد من هزيمة الـ67 أن يكون لها وقع سلبي على معنويات الجيوش والشعوب العربية لتوظيفها لاحقاً في مشاريع الأنظمة التسووية مع كيان الاحتلال، وجاءت حرب تشرين عام ثلاثة وسبعين لتعيد شيئاً من الكرامة. لكن الولايات والتحدة وحليفتها "اسرائيل" استمرا في محاولات توهين إرادة الشعوب، وكان اجتياح لبنان محاولة اعادة تثبيت المعادلة النفسية لصالح الكيان الإسرائيلي وتكريس نهج الاستسلام أمام جبروت القوة ، لكن المقاومة أعادت خلط الأوراق في لبنان والمنطقة بجهادها وصمودها خلال عشرين عاماً من الاحتلال.
الحروب الخاطفة والسريعة ونقل المعركة إلى أرض الطرف الأخر وإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في الطرف الأخر، ركائز أساسية اعتمدها الكيان الإسرائيلي لكسب حروبه، لكنها في الحروب اللاحقة لم تعد ممكنة. بعد حرب ثلاثة وسبعين لم تعد الحروب مع الجيوش العربية مجتمعة، واقتصرت الحروب مع لبنان وحده لكن سرعة الحسم تلاشت... في اجتياح بيروت قرابة ثلاثة أشهر، في عدوان تموز اثنين وتسعين، ثمانية أيام، وستة عشر يوماً في عدوان نيسان ستة وتسعين، وثلاثة وثلاثين يوماً في عدوان تموز ألفين وستة!
ويشير إلى هذا المنحى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في دراسة تقويمية وضعها الباحث والخبير العسكري "جيفري وايت" حول حرب تموز فيقول إن "حزب الله يؤدي دوره بشكل جيد جداً، حيث احتاج الجيش الإسرائيلي إلى أربعة أسابيع كي يغرق في وحول قرى صغيرة في جنوب لبنان، بينما احتاج إلى سبعة أيام للوصول إلى مشارف بيروت خلال اجتياح العام 1982!
انقلبت الصورة هنا، وباتت الشعوب العربية وحتى جيوشها تعيش عصراً آخر، إذ لم تعد الحرب كما في السابق محسومة سلفاً لصالح الكيان الإسرائيلي، بالرغم من احتفاظه بكل مقومات التفوق الجوي والبحري والبري عسكرياً والدعم غير المحدود من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
ما جرى عام اثنين وثمانين 1982 ومقولة أن فرقة موسيقية في الجيش الإسرائيلي تستطيع غزو لبنان ذهبت إلى غير رجعة، وها هو الجيش الإسرائيلي يلقي بكل ثقله في تموز ألفين وستة لاختراق الأراضي اللبنانية وبقي غارقاً أياماً طويلة عند تخوم مارون الراس المحاذية للأراضي الفلسطينية المحتلة يتكبد الخسائر في الجنود والدبابات.
تجربة المقاومة في لبنان وانتصاراتها المتلاحقة على الكيان الإسرائيلي أثبت العديد من الوقائع وكرست مفاهيم مغايرة للتفوق والقدرة والامكانيات عمّا كانت عليه في حقبة الانكسار أمام قوة "اسرائيل" ويمكن ايجازها بالاتي:
ـ طي ثقافة الانكسار والهزيمة والاستسلام التي روّج وعمل على ترسيخها الاعلام العربي والعالمي وانقلاب الصورة للجندي الإسرائيلي حيث بات مهزوماً محبطاً في مواجهة المقاومين سواء في لبنان أو فلسطين، وطاغياً في مواجهة الأطفال والمدنيين العزل.
ـ إرادة القتال هي الركيزة الأساسية للانتصار على الرغم من عدم التوازن في القدرات والامكانيات العسكرية والمادية.
ـ عجز الاحتلال عن مواجهة التكتيكات العملياتية ميدانياً برغم تفوقه التقني والاستخباراتي امام مجموعات المقاومين الذين تمرسوا في التمويه والمناورة وسرعة الحركة والقدرة الدائمة على امتلاك زمام المبادرة والضرب حيث لا يتوقع العدو، واستلهام المقاومين في فلسطين وغيرها للتجربة اللبنانية .
ـ تطوير قدرات المقاومة وتسليحها وترسيخ معادلات البر والبحر، والمطار بالمطار، والحصار بالحصار، وكلها معادلات تتسم بالندية أو ما يصطلح عليه الخبراء العسكريون بتوازن الرعب الذي له وظيفة أساسية هي منع وقوع الحرب.
التاريخ هنا يتغير، ومن كان يستند على وقائع مضت لتكريس الهزيمة والشعور بالاحباط في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بات أمامه الكثير الكثير من الوقائع التاريخية التي تؤكد أن الشعوب الحيّة والحرة لا تنسى الهزيمة أبداً، ولا تبقى أسيرة لها بل تجعل منها دافعاً لانتصار جديد.