ارشيف من :أخبار لبنانية

نهاية حصار قطاع غزة (*)

نهاية حصار قطاع غزة (*)

قافلة فك الحصار عن قطاع غزة، والهجوم العسكري العدواني الذي تعرّضت له في عرض البحر بعيداً من شواطئ القطاع بحوالي 75 كيلومتراً أبرزت حقيقتين:

الأولى: أعادت إلى الواجهة إشكال حصار قطاع غزة منذ حوالي ثلاث سنوات. ومن ثم خطورة استمراره على مليون ونصف مليون فلسطيني. وقد ضجّ المجتمع الأهلي عربياً وفلسطينياً وإسلامياً وعالمياً من استمراره فصممّ أكثر من سبعمائة مشارك من أربعين دولة تشكيل أسطول بحري صغير للذهاب محمّلاً بالمساعدات إلى القطاع، لكسر الحصار وتحدّي الجيش الصهيوني، ومناصريه بالرغم من التهديدات بمنعه.

"
كشف الهجوم العسكري الذي تعرّضت له السفن وفي مقدّمها سفينة مرمرة التركية، أن الكيان الصهيوني يضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية والإنسانية، وبإرادة الرأي العام العالمي
"
  

الثانية: كشف الهجوم العسكري الذي تعرّضت له السفن وفي مقدّمها سفينة مرمرة التركية، أن الكيان الصهيوني يضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية والإنسانية، وبإرادة الرأي العام العالمي. ومن ثم لن يرعوي عن ارتكاب مجزرة جديدة سقط بسببها العشرات بين قتلى وجرحى (لم يُكشف حتى الآن عن الأرقام الحقيقية ونسبة الشهداء إلى الجرحى).

بالنسبة إلى الحقيقة الثانية لم يستطع أحد من المسؤولين الدوليين بمن فيهم حماة الكيان الصهيوني تاريخياً من الدفاع أولاً عن الهجوم العسكري، وثانياً، أن يجدوا له مسوّغاً بأي شكل من الأشكال.

فالجريمة حدثت هذه المرّة على رؤوس الأشهاد، ومع سبق الإصرار والتصميم من مرتكبيها. بل مع الإمعان في تحدّي العالم كله في الإصرار عليها، ولو من خلال تزوير الوقائع وكيفية وقوع الأحداث.

كالعادة لم يستطع الرئيس محمود عباس التعامل مع هذه الجريمة كما تعامل مع حماس يوم شُنَّ العدوان الصهيوني على القطاع في 2008/2009. فاضطرّ إلى إدانته وإعلان الحداد ثلاثة أيام (من دون أن يلبس الربطة السوداء ولم يضع على يده شارة الحداد) فالحداد هنا شكلي ليكون بديلاً عن اتخاذ خطوات عملية في الردّ على الجريمة.

مثلاً وقف المفاوضات وقفاً دائماً، أو إلغاء الاتفاق الأمني مع أميركا والكيان الصهيوني لكبت الضفة الغربية وتصفية المقاومة فيها، أي حماية الجيش نفسه الذي شنّ الهجوم على القافلة وارتكب الجريمة. فهو مُحرَج ولا يستطيع أن يوجّه أصابع الاتهام إلى إدارة أوباما الشريكة، بشكل أو بآخر، والمانعة لأي قرار دولي ضدّ الجريمة.

ولهذا لم يجد غير الهروب إلى مجلس الأمن وإلى الجامعة العربية. وقد أثبتت التجربة أن هذا الطريق هو الأسلوب الأنجح لإماتة أية قضية تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني أو يمكن أن تؤذي العدو. علماً أن الإحراج وصل حدّه الأقصى بالنسبة إلى الجامعة العربية.

موقف أمين عام الجامعة العربية بدا عالياً ولكنه، في الحقيقة، من نمط موقف محمود عباس. فها هنا تسمع قعقعة ولا ترى طحناً، أو ترى طحناً وَضَعَ حَبّه جورج ميتشل مثلاً العودة إلى المفاوضات غير المباشرة.

طبعاً الموقف الأسوأ أتى من الخارجية المصرية التي دانت القتل ولكن لم تُدِن فعل المنع. ثم ما معنى المطالبة بوقف الحصار؟ والحصار الصهيوني من الحدود مع فلسطين ومن الجو والبحر فيما الحصار الآخر يُطبِقُ من معبر رفح، أي من الحدود المصرية مع قطاع غزة.

 "
يجب العودة فوراً إلى مناقشة الحصار وضرورة كسره، وإلاّ فإن كل تعاطف مع القافلة وشهدائها وجرحاها وأسراها الأبطال لا معنى له إن اقتصر على إدانة الجريمة ومعاقبة مرتكبيها
"

عند هذه النقطة يجب العودة فوراً إلى مناقشة الحصار وضرورة كسره، وإلاّ فإن كل تعاطف مع القافلة وشهدائها وجرحاها وأسراها الأبطال لا معنى له إن اقتصر على إدانة الجريمة ومعاقبة مرتكبيها.

ما كانت لهذه القافلة التي حدّدت هدفها بكسر الحصار عن قطاع غزة أن توجَد لولا الحصار، وما كان للجريمة أن تُرتكب لولا استمرار الحصار. ولهذا، كيف يجب أن نتعامل مع الحصار وكيف يجب أن نعمل لكسره؟

الحصار كما مرّ ذو شقيْن الأول من الجانب الصهيوني، والثاني من الجانب المصري الفلسطيني. وعلى التحديد من سلطة رام الله والحكومة المصرية.

الأساس ورأس الأفعى هو الصهيوني وما يدعمه من تواطؤ الرباعية والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وأمانة هيئة الأمم المتحدة. أما الجانب الفلسطيني المصري فهو استجابة له ولكن ليس بلا هدف خاص به كذلك.

وصحيح أن التركيز يجب أن يتجّه إلى الأساس، رأس الأفعى. ولكن ما العمل إذا كان أحد أركان إسقاط الحصار يتطلب أن يُكسَر من الجانب المصري؟ حيث لا يبقى له من قيمة إذا ما فتح معبر رفح وعَبَرَت منه المساعدات ولا سيما الدواء ومواد البناء، وأمكن لأهل قطاع غزة من العبور والخروج منه بحريّة.

الحجّة المصرية في إغلاق المعبر تستند إلى أن اتفاق المعبر يقضي أن يكون الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في الطرف الغزاوي. ولأن أمن محمود عباس/سلام فيّاض/دايتون ليس موجوداً فيه وإنما أمن الحكومة المقالة/حماس فالمعبر يجب أن يُغلق.

فلا محمود عباس وكّل الأمن في الطرف الغزاوي أن يتولى صلاحية إدارة المعبر ليفك الحصار، ولا الموقف المصري إذا لم يحدث هذا التوكيل يمكن أن يفتح المعبر. وبهذا من يكون الذي يحاصر قطاع غزة من الجهة المصرية أليس محمود عباس أولاً وقبل كل شيء؟

 "
كيف يمكن لسلطة رام الله أن تطالب بفك الحصار وهي تمارسه علناً؟ ثم كيف يمكن لمصر أن تطالب بفك الحصار وهي المُنَّفذة له من جانبها علناً؟
"

ثم أليست الحكومة المصرية التي يمكنها أن تتعامل مع أمن حكومة حماس كأمر واقع. علماً بأنها، في الحقيقة، هي الشرعية أصلاً، أما حكومة سلام فياض ففاقدة لكل شرعية، وغدت أثيمة ببطشها في الضفة الغربية.

ولهذا كيف يمكن لسلطة رام الله أن تطالب بفك الحصار وهي تمارسه علناً؟ ثم كيف يمكن لمصر أن تطالب بفك الحصار وهي المُنَّفذة له من جانبها علناً؟

أما إذا جئنا إلى وضع النقاط على الحروف بمعنى قراءة الأهداف الحقيقية وراء الحصار الصهيوني الأميركي الدولي من جهة والحصار الفلسطيني المصري من جهة أخرى، فسنخرج بالقول:

على المستوى الأول الهدف واضح وهو إخضاع حماس لقبول شروط الرباعية وأولها الاعتراف بالدولة العبرية وثانيها التخلي عن المقاومة وتصفية الوضع القائم المقاوم في قطاع غزة.

وعلى المستوى الثاني فهو إخضاع حماس لسلطة رام الله والتسليم بسياسات التنازلات والمفاوضات التي تمارسها وتحت الرعاية المصرية.

ولكن الغريب أن مضيّ ثلاث سنوات على الحصار وقد تخللتها حرب العدوان الإجرامية على قطاع غزة لم يستطع أن يحقق الهدف الصهيوني الأميركي الدولي. وذلك ببساطة لأن الإخضاع لم يحدث، ولا مؤشر للخضوع ولو طال سنوات أخرى كذلك.

"
الهدف السياسي من ضرب الحصار لم يتحقق بل زاد وضع القطاع صموداً وسلاحاً واستعداداً للمواجهة, والذين ضربوا الحصار ودعموه، بصورة مباشرة وغير مباشرة، زادوا عُزلة وضعفاً، وحاقت بهم الفضيحة
"
  

وهو ما يجب أن يُقال بالنسبة إلى الهدف الذي توخاه محمود عباس وسلطة سلام فياض والحكومة المصرية من ورائه.

بهذا يكون الحصار واستمراره، على الخصوص، بلا هدف سياسي. ومن ثم يصبح مقصوداً لذاته. فالهدف السياسي من ضرب الحصار لم يتحقق بل زاد وضع القطاع صموداً وسلاحاً واستعداداً للمواجهة. والذين ضربوا الحصار ودعموه، بصورة مباشرة وغير مباشرة، زادوا عُزلة وضعفاً، وحاقت بهم الفضيحة. لأن الحصار ارتكاب جريمة وفقاً للقانون الدولي من حيث هو عقاب جماعي. وهو جريمة بحق الإنسانية وحقوق الإنسان. فكيف يستمر بعد كل هذا؟

أما استمراره على المستوييْن الفلسطيني والعربي فهو جريمة بحق الشعب الفلسطيني والوحدة الوطنية الفلسطينية وفوق ذلك جريمة بحق الأخوّة ووحدة الأمّة الواحدة. فكيف يجوز أن يكون الحصار أصلاً؟ 

(*) المصدر: موقع الجزيرة/ وجهات نظر/منير شفيق

2010-06-07