ارشيف من :ترجمات ودراسات
ضم إسرائيل لمنظمة OECD وصك الغفران المفتوح.. جريمة الاعتداء على "مرمرة" أولى النتائج
قررت المنظمة الاقتصادية للتنمية والتعاون الدولي أل OECD في 10 أيار الفائت دعوة إسرائيل للانضمام إليها سوية مع استونيا وسلوفانيا، وذلك بعد أن بدأت المنظمة في مسيرة قبول إسرائيل إليها عام 2007 مع العلم أن إسرائيل بدأت نشاطها من أجل القبول إلى المنظمة عام 1994.
من الممكن أن نقرر مع مطلع هذه المعالجة أنه حتى ولو جاء القرار مغلفا بقناع اقتصادي أي بأن إسرائيل استوفت شروط ومعايير المنظمة للقبول إليها وقامت بإجراء الإصلاحات التي طلبت منها خلال سنوات التقييم أي منذ 2007 وحتى الآن، فإن القرار سياسي بامتياز.
ونعتقد أن نتائج هذا القرار في المدى المنظور هي سياسية أيضا حيث أن نتائجه الاقتصادية الملموسة محدودة جدا. يمكننا أن نقرر أن القرار سياسي بامتياز فقط بالإصغاء لتصريحات الفرح والهيصة التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون وبناء على معرفتنا بالدور الأمريكي الفاعل لضمان قبول إسرائيل للمنظمة (هآرتس14\5\2010). ويمكننا استباق التحليل بالتأكيد أن الجريمة الإسرائيلية في الاعتداء على أسطول الحرية هو النتيجة السياسية الأولى لهذا الضم.
المفارقة الكبرى في موضوع الهجوم الدموي على السفينة مرمرة وقافلة السلام وما نتج عنها من أزمة دولية خانقة لإسرائيل لم تعاني مثلها حتى في أيام الهجوم على غزة أنه في اليوم الذي سبق الهجوم احتفلت إسرائيل بأكبر انجاز سياسي دولي تحققه ربما منذ اعتراف الأمم المتحدة بها وقبولها لعضويتها عام 1948. وقد احتفل نتنياهو بهذا الانجاز بحفل التوقيع على انضمام إسرائيل للمنظمة الاقتصادية الأقوى في العالم ال OECD في باريس في 27 أيار بحضور العديد من زعماء الدول الأعضاء في المنظمة وقد "تبختر" نتانياهو ( وكما هو معروف يطوش على شبر مياه بسرعة) هناك مثل الطاووس حتى أنه ملأ خطابه بالنصائح والإرشادات الاقتصادية لدول المنظمة لكي تستفيد هذه الدول من نجاح الموديل الإسرائيلي في الاقتصاد. نعم انه نفس الماتشو الاسرائيلي في السياسة والأمن "يلعبها" الآن في الاقتصاد (انتظروا الطامة الكبرى عندما تتحقق التوقعات الأخيرة بشأن الغاز الطبيعي في البحر). هل يمكن ألا نرى أن هذا الكاوبوي الأرعن قد أخذ من اعتراف الOECD به تشجيعا مباشرا لنزواته السياسية ولدوسه الفظ على كل القيم والمعايير، إذا كانت المنظمة الأرقى التي تضم الدول ال31 المتطورة في العالم تقبل به عضوا في حين يحاصر 1,5 مليون فلسطيني في غزة ويستمر في الاحتلال والاستيطان فهل يحسب حسابا لأسطول صغير أو لسفينة تركية بوسع البحرية الإسرائيلية الاستيلاء عليها بدقائق معدودة.
(البحرية الإسرائيلية هذه هي بقيادة ماتشو إسرائيلي آخر ضبط قبل أشهر في نادي للتعري في تل أبيب وقد أبقي بعد فضيحته في الجيش لأنه حسب المصادر الإسرائيلية هو المسؤول الأول عن تحضير الأسطول للهجوم على إيران فإذ به يتعثر في عملية بسيطة بحرية بمقاييس الماتشو وقف أسطول الحرية السلمي إلى غزة.) النظر في السياق والتزامن يقود إلى استنتاج واضح: عملية الاعتداء والقرصنة البحرية الدموية الإسرائيلية على مرمرة هي النتيجة الأولى لضم إسرائيل لمنظمة ال OECD (بالمناسبة تركيا عضو فيها أيضا).
المفارقة الثانية أن نتنياهو الذي تبختر قبل أيام بباريس مزهوا بانتصاره الدبلوماسي وقف بعد أقل من أسبوع في مؤتمر صحفي اعتبر حتى إسرائيليا أنه تعيس وضحل ليعلن أن إسرائيل تتعرض لهجوم "نفاق وتلون" دولي. لم يسأل أحدهم نتننياهو سؤالا جديا ورصينا أين كان مهرجان النفاق والتلون في باريس قبل أيام أم في شوارع أوروبا وآسيا وحتى أمريكا الغاضبة بعفوية كاملة على التصرف الإسرائيلي المجرم الذي شاهدوه على شاشات التلفاز في بيوتهم.
والحقيقة أن النفاق السياسي وانعدام الأخلاق ينخر في كل مسامات قرار ضم إسرائيل لمنظمة الOECD, مراجعة تقارير المنظمة نفسها حول المنظومات الاقتصادية التشريعية الإسرائيلية ونقاط الضعف التي يجب إصلاحها من أجل قبول إسرائيل للمنظمة لا تزال إسرائيل بعيدة عن تحقيقها. على سبيل المثال لا الحصر في خطابه عند زيارته الأخيرة في 10 كانون الثاني 2010 قال سكرتير المنظمة أنخيل جوريا بعد تشخيصه للفجوات والفوارق ونسبة الفقر عند العرب ما يلي:
" على الحكومة الإسرائيلية أن تقود الطريق إلى التخلص والقضاء على كل الممارسات التمييزية وذلك بواسطة تطبيق كامل لتخصيص حصص لتشغيل العرب في القطاع العام إضافة لتطبيق الفرص المتساوية في التشغيل في كل الوظائف الحكومية وتفضيل المقاولين والمزودين من القطاع الخاص الذين يعطون فرص متساوية في التشغيل"
بالرغم من تقارير المنظمة نفسها النقدية تم ضم إسرائيل للمنظمة من دون أي إجراء جدي لإصلاح القضايا المنتقدة أليس هذا قمة النفاق والتلون العالمي.
تحليل ما حدث الأسبوع الماضي وربطه بموضوع ضم إسرائيل لل OECD يقودنا الى بعض الاستنتاجات والعبر على غاية في الأهمية:
1) انضمام إسرائيل لأقوى المنظمات الدولية (اقتصاديا على الأقل) لا يعطيها صك غفران مفتوحا لجرائمها وموبقاتها ووصول السياسة والحكومة الإسرائيلية إلى مأزق غير مسبوق في الساحة الدولية بعد أقل من أسبوع على هذا الحدث هو دليل على ذلك.
2) على صعيد السياسة الدولية وتأثيرها على مجريات الأحداث يوجد لاعب مركزي رئيسي هو الرأي العام والأغلبية الشعبية القادرة على التأثير مهما كانت طبيعة النظام السياسي في بلدانها. نفس ساركوزي الذي صافح رئيس الحكومة الإسرائيلي قبل أيام في حفل التوقيع وتغنى بمنجزات إسرائيل الاقتصادية اضطر للمطالبة ولأول مرة برفع الحصار عن غزة. إن المجتمع المدني والحركات الشعبية في أوروبا وشمال أمريكا ودول شرق آسيا تحولت إلى حليف إستراتيجي مؤثر ومثابر لمناصرة القضية الفلسطينية وستقوم بلعب دور متعاظم في الضغط على إسرائيل وخاصة في حملات المقاطعة في المستقبل.
3) هذا لا يعني أن جانب الدول والأنظمة والمنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة غير مهم, فهناك يجب أن يجري دور فاعل وذكي لقطف ثمار الضغط الشعبي، وهنا للنظام السياسي العربي بما فيه السلطة الفلسطينية (بشقيها!!) دور أساسي ويحصل هذا النظام على "لاعب تعزيز" استراتيجي هو الحكومة التركية وهي كدولة عضو في الناتو وفي منظمة ال OECD ولها سياسات إقليمية مستقلة قادرة على إحداث خلل في ميزان القوى لصالح القضية فماذا يفعل هذا النظام وبعضه يحرج مما يجري وخاصة من كثافة وتعاظم الحراك الشعبي؟ بالقياس لما جرى بموضوع ضم إسرائيل لمنظمة الOECD وانعدام أي تحرك دبلوماسي عربي أو فلسطيني جدي في الموضوع وبالقياس لرد الفعل البطيء والخجول لجامعة الدول العربية فلا نستطيع توقع الكثير وإن كنا نرى أنه فلسطينيا تنشأ ظروف مواتية أكثر لانفراج فلسطيني داخلي ولا نريد القول لمصالحة فلسطينية مع أن كافة الظروف الإستراتيجية والدولية وتلاؤم المصالح داخليا تقتضي إجراء هذه المصالحة وتمييل كفة الميزان بشكل جدي لصالح إحراج إسرائيل نهائيا على الصعيد الدولي والاقتراب من الحل العادل بالحد الأدنى المقبول فلسطينيا أو الاقتراب من فرض العقوبات الدولية والمقاطعة على إسرائيل.
المصدر: عرب 48/ د. باسل غطاس