ارشيف من :آراء وتحليلات

عندما يتحدث جعجع عن المقاومة السلمية

عندما يتحدث جعجع عن المقاومة السلمية
هيلدا المعدراني
هناك نخب سياسية وإعلامية في أكثر من بلد عربي اعتبرت نفسها شريكة مع "إسرائيل" في لملمة ذيول عدوانه الأخيرة على اسطول الحرية في 31 من الشهر الماضي، والذي أسفر عن سقوط تسعة شهداء من المتضامنين الدوليين كلهم من الأتراك.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أشار في خطابه في مهرجان دعم غزة إلى نماذج من "تعاطف" هذه النخب مع "المصاب" الإسرائيلي، ولفت إلى وقاحة أصحابها الذين قدّموا مطالعات إعلامية في الدفاع عما قام به جنود العدوعلى ظهر أسطول الحرية من إزهاق لأرواح الناشطين المدنيين العزل، إضافة إلى تحميلهم لهؤلاء الناشطين مسؤولية ما أنزلت بهم "إسرائيل" من قصاص مميت ووصف مشاركتهم بفك الحصار عن أهل غزة بالحماقة المحضة!.
في لبنان، لم يصل "تعاطف" من ينتمي إلى مثل هذه النخب إلى الوقاحة المذكورة، ولا يخفى أن امتناعهم عن مجاراة زملائهم العرب مرده إلى الغضب الشعبي العابر للطوائف والمذاهب من الهمجية الإسرائيلية، والذي أظهر عدم الاستعداد للاستماع لأي تبرير أو عذر لهذه الجريمة الإرهابية، وفي الوقت نفسه أظهر انحيازا قويا إلى الخيارات الداعية لمخاطبة العدو باللغة التي يفهمها وهي لغة القوة والمقاومة.
لكن، ومع ذلك، حاول هؤلاء بإرباك ظاهر التحايل على هذا الغضب والالتفاف على المضاعفات التي خلّفها الإرهاب الإسرائيلي على الساحة اللبنانية، فاكتفوا بإدانة لفظية يدركون سلفا أنها ستضيع بين الإدانات المنهمرة على "إسرائيل" من داخلها ومن كل أصقاع العالم، لينكفئوا من هذه الإدانة نحو طروحاتهم المعروفة التي تكشف الوطن أمام خطر العدو وأطماعه.
لقد عرف سمير جعجع جيدا كيف قرأ اللبنانيون ومعهم العرب ما الذي دار على ظهر سفن الحرية لغزة، وهي قراءة تفيض باليأس من النهج الذي يدير به الحكام العرب وأنظمتهم الصراع مع العدو وتعويلهم المطلق على المساعي الدولية لحل هذا الصراع واستعادة الحقوق، وقد لمس جعجع من خلال ردود الفعل لواذ الناس بالمقاومة لوضع حد لغطرسة "إسرائيل" وصلفها اللذين وصلا إلى حد الاعتداء على دولة إقليمية كبرى مثل تركيا من دون إقامة أي اعتبار للروابط التي تعقدها معها أو للوزن الدولي لهذه الدولة والذي تعادل فعاليته اليوم ما يملكه العرب أجمعون.
إلى هذا، يدرك جعجع وغيره، بعد أن اعتقدت حكومة نتنياهو أن رسالة ترهيبها لأهل المنطقة بدماء تركية قد وصلت، ما معنى أن يتحدى في هذه اللحظة السيد حسن نصرالله وحده من بين القادة العرب "إسرائيل" ويتوعدها بمزيد من أساطيل الحرية على ان تتساوى تبعات الاعتداء عليها أكانت معرّفة بعلم أحمر أو أصفر.
وكما في كل مناسبة أو حدث لا يفوّته جعجع للنيل من فكرة المقاومة، حاول أن ينحرف بالمعاني المضمخة بدماء الشهداء الأتراك، وهي دماء ما كانت لتراق إلا لتوقظ الإنسانية على خطر هذا الوحش الإسرائيلي المقيم بين ظهرانيها، والذي يتخذ صفة الدولة ويرتكب كل الموبقات المضرة والمسيئة للاجتماع البشري، فعوضا أن يدلو رئيس القوات بدلوه لتنبيه العالم والمؤسسات الدولية من خطر "إسرائيل" وتجاوزها للقوانين والأعراف الدولية والسنن الإنسانية، تذاكى وحاول أن يشيح الأنظار عن ذلك المشهد القبيح، ليقفز إلى المقلب الآخر ويخوض في دماء الشهداء متحدثا عن مقاومة سلمية وأخرى عنفية، وليجعل من الإدانة للكيان الإسرائيلي مراجعة لخيار المقاومة.
وإذ لم يقنع جعجع إلا نفسه، من المفيد القول إن ما حدث على متن أسطول الحرية هو مناسبة فقط للحديث عن الإجرام الإسرائيلي، وقد تكون أفضل خدمة لـ"إسرائيل" في هذا الوقت هي تجاهل هذا الموضوع بتناول مواضيع أخرى.
على اية حال، المقاومة السلمية للناشطين الأتراك عرفها جعجع بقوة بلادهم وحزم وشجاعة قيادتها وقدرتها على استخدام خيارات عنفية عندما تستدعي الحاجة بدون تردد، مع الإشارة إلى أن عليه أن يدرك أنه يجهل ولم ولن يسمع بمقاومات سلمية كانت وما زالت، وقامت وتقوم بها جماعات كبيرة من الأقوام في إفريقيا وغيرها من مناطق العالم لكنها اندثرت ولم تبلغ وجدان الناس لأنها تفتقد القوة التي يريد جعجع نزعها عن لبنان.
2010-06-10