ارشيف من :آراء وتحليلات
تركيا ـ الكيان الإسرائيلي: من التحالف إلى التنافر
"اردوغان: العمل الاسرائيلي ارهاب دولة.. يجب معاقبة اسرائيل.. اوغلو: انه عمل بربري.. .. مسؤول إسرائيلي يهدد بإغراق اردوغان في البحر إذا قاد قافلة إنسانية لغزة".. هي ليست عناوين عادية في سجل العلاقات التركية ـ الاسرائيلية التي تتدهور إلى الحضيض اليوم.. هذه العلاقات كانت تحت المجهر منذ بدء تراجع الحرارة بين انقرة وتل ابيب منذ عدوان غزة، وكيف في ظل التطورات الدراماتيكية التي حصلت بعد المجزرة الدامية على اسطول الحرية لا سيما سفينة مرمرة التركية وسقوط ضحايا وجرحى كثر اغلبهم من الأتراك..
العلاقة التركية الاسرائيلية، قامت على تعاون استراتيجي وعسكري وثيق الى حد امكانية وصفها بالحلف قبل ان تتدهور مؤخراً. في السنوات الأخيرة وقع اتفاق عسكري بين الطرفين اعتبر بمثابة حلف إستراتيجي ثلاثي ضم (تركيا ـ إسرائيل ـ الولايات المتحدة). كما نشأت بينهما علاقة اقتصادية تقوم على مصالح متبادلة اذ ان لـ" إسرائيل" مصالح اقتصادية كبيرة. ومن أبرز مظاهر التعاون، الشراكة التركية ـ الإسرائيلية في مشروع "الغاب" الزراعي الكبير والذي تعتمد فيه تركيا على الخبرة الزراعية والمساعدة الإسرائيلية.
كما يملك اللوبي اليهودي في تركيا عدة شبكات إعلامية كبيرة، وقد أسس عدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال اليهود الأتراك أكبر الشركات الاقتصادية التركية. ويشار هنا الى ان لدى الكيان الصهيوني مصلحة في التعاون الامني مع تركيا لتوظيفه في صراعه مع إيران، اما تركيا فترى ان تمتين العلاقة السياسية مع "اسرائيل" مهم لارتباطه بالعلاقة التركية الأوروبية والأميركية وحلف الاطلسي اولا وللعب دور في قضية الشرق الاوسط ثانيا.
تصاعد التوتر التركي ـ الاسرائيلي
بدأت بشائر تراجع العلاقات التركية الإسرائيلية منذ وصول حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان إلى الحكم في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، وفي ميادين عدة خاصة مع توجهات هذا الحزب التي انعكست انتقادات عديدة وجهها رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو إلى "إسرائيل" وجرائمها في فلسطين المحتلة، ووصلت الانتقادات التركية الى اوجها مع عدوان غزة.
وكان محللون سياسيون اعتبروا ان الأزمة الأخيرة التي واجهت العلاقات التركية الإسرائيلية على خلفية إهانة السفير التركي في تل أبيب طرحت تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة في ظل ردود الأفعال الرسمية والشعبية التركية إزاء السياسة الإسرائيلية منذ العدوان على غزة في كانون الاول/ ديسمبر 2008. فالعلاقات التركية الإسرائيلية تدهورت بشكل كبير بعد استدعاء السفير التركي في تل أبيب ومحاولة إهانته باجلاسه على كرسي أقل ارتفاعا من غيره وعدم وضع العلم التركي إلى جانب العلم الإسرائيلي على الطاولة، وهي خطوة ردت عليها الخارجية التركية باستدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة لتوبيخه.
الأزمة بلغت ذروتها قبل الاعتداء الاخير، عقب انتقاد الكيان الإسرائيلي بث التلفزيون التركي الرسمي مسلسلا تلفزيونيا يظهر وحشية الصهاينة كخاطفي أطفال ومرتكبي جرائم حرب، ويظهر عملاء الموساد الإسرائيلي بصورة وحشية. وفي خضم التوتر بين الطرفين ألغت تركيا مناورات عدة مع "اسرائيل".
دشن خطاب اردوغان ابان الاعتداء على اسطول الحرية مرحلة تاريخية جديدة في العلاقات التركية الاسرائيلية عندما وصف الاعتداء الاسرائيلي بـ"القرصنة والعمل الدنيء"، ما شكل تحولا جذريا في الخطاب السياسي التركي حيال "اسرائيل" كما توعد بمعاقبة المسؤولين عن هذا الاعتداء.
وفي ظل ما حدث مع اسطول الحرية كان الموقف التركي صلبا ولقي اعجاب وتقدير الشعوب العربية والاسلامية، وبادرت انقرة إلى اعلان موقف قوي جدا على لسان رئيس الوزراء اردوغان حيث استخدم اشد عبارات الادانة ووصف الاعتداء بالعمل الدنيء ثم دعا مجلس الامن للانعقاد وهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية في حال عدم الافراج عن معتقلي الاسطول ثم التلويح بالغاء الاتفاقيات العسكرية اضافة الى طلب الاعتذار. هذه المواقف عكست حجم التأزم في العلاقات بين الطرفين حتى أن اردوغان لم يتورع عن التأكيد بأن العلاقة بين تركيا وإسرائيل لن تعود أبدا لسابق عهدها.
وبالرغم من أن محللين يعتبرون ان المصالح والاتفاقيات المشتركة سيكون لها دور في عقلنة العلاقات بحيث لن تصل إلى اللاعودة خاصة في ظل الضغط الاميركي، إلا أن هؤلاء يؤكدون أن تأثير الموقف التركي في عملية فك الحصار سيهدئ من روع الساسة والرأي العام التركيين نسبيا.
فك الحصار يعوض الصفعة؟؟
ويقول المحلل السياسي جورج علم لـ "الانتقاد" ان "حساسيات واضحة بدأت تتعاظم، لكن اذا اتجهت الحكومة الاسرائيلية الى العقلانية فيمكن أن تتحسن العلاقة، اما اذا تدهورت اكثر فإن انحياز تركيا لمعسكر المجابهة سيشكل نقلة نوعية لا تسمح بها الولايات المتحدة".
ويعتبر علم ان "فك الحصار سيكون انجازا يستفيد منه اردوغان لتعويض الصفعة التي تلقتها بلاده، لكن هذا الامر مرهون بقضية فنية تتمثل بمن يراقب السفن المتوجهة الى غزة"، معتبرا ان "قرار فك الحصار قد اتخذ لكن تبقى مسألة مراقبة عدم دخول اسلحة الى القطاع عبر قوة دولية لتفتيش السفن".
ويضيف "ان العلاقات ستعود الى سابق عهدها اذا تم فك الحصار خاصة في ظل وجود معاهدات ذات اهمية استراتيجية، فضلا عن التدريب الجوي الاسرائيلي في المجال التركي ووجود عناصر الموساد في تركيا لمراقبة ايران". ويرى علم ان "الرأي العام التركي سيعتبر انه عندما يعلن فك الحصار فإن ذلك سيكون انتصارا لحكومة اردوغان وسيترك تأثيراً ايجابيا لدى الشعب التركي.