ارشيف من :آراء وتحليلات

إعلام غرق في بحر أسطول الحرية

إعلام غرق في بحر أسطول الحرية
بثينة عليق

بدت وسائل الاعلام التابعة لدول الاعتدال العربي اثناء تعاطيها مع قضية اسطول الحرية مربكة، منزعجة ومستفزة.فجأة ومن دون سابق انذار، وجد هذا الاعلام نفسه امام حدث اعلامي طغى على ما عداه. حدث يتضمن مجموعة مكونات وضعته في الزاوية, حيث لا امكانية للمناورات والبهلوانيات الاعلامية التي طالما اعتمد عليها.

فحادثة اسطول الحرية تكرس من جهة, واقع انسحاب البساط السياسي والشعبي من تحت اقدام دول الاعتدال التي فقدت في المرحلة الاخيرة اوراقا عديدة في المنطقة، بدءا بتراجع دورها في لبنان لمصلحة سوريا، مرورا بفقدان اي موطىء قدم لها في العراق لمصلحة سوريا وايران وتركيا، وصولا الى باكستان حيث قررت الولايات المتحدة الاميركية ادارة الازمة فيها مباشرة والاستغناء عن الوكلاء وعلى رأسهم السعودية.

من جهة اخرى نحن امام حادثة يمكن وصفها بانها "ليست حمالة اوجه مذهبية" ليقوم هذا الاعلام بالعزف على الوتر المذهبي لكسب الرأي العام العربي، فصانع الحدث هو تركيا السنية وليس ايران الشيعية.

ما جرى يمكن وضعه ايضا في سياق الاحداث التي تفضح غياب اي مبادرة لدى دول الاعتدال مقابل اندفاع خلاق وانخراط ايجابي من قبل بلد مثل تركيا، ولا يمكن اهمال مكون اساسي وهو ان حادث اسطول الحرية لا يحتمل بأي جانب من جوانبه استخدام هذه الدول لسلاح طالما لجأت اليه لتدجين بعض الاطراف وهو عنصر المال. فبلد مثل تركيا يصل دخله القومي الى حدود الـ 800 مليار دولارسنويا، ووصل عدد السياح فيه في العام 2008 الى حدود الـ30 مليون سائح، لا تنفع معه لعبة المال على الطريقة العربية.

كل هذه المعطيات اربكت هذا الاعلام الذي لم يخرج حتى الان من وطأة صورة قمة دمشق التي ضمت الاسد ونجاد ونصرالله، ثم صورة قمة الدوحة وفيها الامير القطري حمد بن جاسم الى جانب رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان والرئيس السوري بشار الاسد.
كيف تصرف الكتاب والمحللون "المعتدلون" وما هي المقولات التحليلية التي عملوا على ترويجها؟

يلاحظ اي متتبع لعدد من الصحف تركيزها على ثلاث نقاط:
اولا: التشكيك بالدور التركي وبمدى جديته وبالحدود التي يمكن ان يصل اليها الاتراك في علاقتهم مع "اسرائيل".
ثانيا: وضع المقاومة السلمية التي مثلها اسطول الحرية على نقيض مع المقاومة العسكرية.
ثالثا: كما في كل مناسبة الهجوم على ايران وتشويه صورتها ولو من دون مناسبة.

هنا عينة صغيرة ومختصرة للمقولات التي تكررت كالعادة من قبل عدد من الكتاب والمحللين وفي عدد من وسائل الاعلام.
حازم صاغية كتب في الحياة "يستحسن بالاتراك الرجوع الى الوراء لاعادة تقويم الوضع وطرح الاهداف المتواضعة انما الممكنة"، ويضيف صاغية ودائما في سياق التشكيك وحتى السخرية من الموقف التركي: "فالكلام المبالغ الانتفاخ عن "الدم" و"الجماهير" و"الامة" و"المقاومة " سبق ان لازم حروبنا جميعا من دون ان تترتب عليه نتائج يعتد بها"!

اما زميله داوود الشريان، وفي نفس الصحيفة فيسجل ملاحظتين على قافلة الحرية، الاولى ان" ايران ليست زاهدة بالدعاية السياسية، وكل ما قدمته حتى الآن للقضية الفلسطينية مجرد دعاية سياسية وكلام مجاني". اما الملاحظة الثانية فهي اعتراضه على تصفيق الفلسطينيين خلال «مؤتمر فلسطين الثاني للاستثمار في بيت لحم»، عندما ذكر الرئيس الفلسطيني الموقف التركي، اما الموقف المصري فلم يحظ باهتمام الحضور». وهذا ما يكشف برأي الشريان "عقلية المواطن العربي الذي تحرّكه عواطفه،" وهي عقلية تعرفها ايران ومن بعدها تركيا، فكسبتا الشارع العربي بالخطب الحماسية والدعاية السياسية"!.

هكذا ظهر ارباك الشريان فوزع اتهاماته بالجملة على ايران وتركيا ولم يوفر الرأي العام العربي. اما حال زميله في صحيفة الشرق الاوسط طارق الحميد, فلم تكن افضل إذ خرج الحميد عن كل منطق وعقل حيث شكل اسطول الحرية فرصة ليبث حقده وغيظه على المقاومة والمقاومين ودول الممانعة.

طبعا ما ذكرناه يأتي على سبيل المثال لا الحصر، فالمجال لا يسمح بالتوقف عند كل ما كتب. الا ان السؤال الملح يبقى حول الجدوى او المصلحة الوطنية والقومية والعربية من الهجوم والتشكيك بالدور التركي في هذا التوقيت بالذات، حيث الحاجة الماسة لجذب اي موقف مؤيد للقضية الفلسطينية، فكيف اذا كان المؤيد تركيا بأهميتها الاستراتيجية؟ ولماذا تحييد "اسرائيل" عن كل هذه المشاعر والتحليلات والمقولات؟
2010-06-10